رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شوقي عبد الأمير: أنا شاعر وثني ورامبو طلب القرآن ومات وهو يردد «الله كريم»
الشاعر العراقي قال ل«المساء» إن العراق سوف يقسم إلى ثلاث دول «شيعية وسنية وكردية»
نشر في المساء يوم 23 - 03 - 2013

اسمي أحمد شوقي ولقبي الحمداني. عندما كنت طفلا صغيرا تقدمت لمسابقة شعرية. ربحت الجائزة وخسرت اسمي. فقد استكبرت علي اللجنة أن أجمع في اسمي بين شاعرين كبيرين: أبو فراس الحمداني وأحمد شوقي. جاريتهم في
ذلك وقلَّمت الاسم الذي لم أحتفظ منه إلا باسمي الثاني: شوقي، ثم أضفت إليه اسم والدي: عبد الأمير. شوقي عبد الأمير الشاعر والديبلوماسي العراقي، الذي تغرب عن وطنه أزيد من ثلاثين سنة، تعرض فيها والده للاعتقال نيابة عنه، فيما حصل هو على جواز سفر وهوية يمنية ستقوده إلى التعرف على واحد من أعظم شعراء العالم: آرثر رامبو، الذي كان شوقي عبد الأمير أول من اكتشف منزله في عدن، وترجم رسائله إلى العربية. شقَّ عبد الأمير اسمه الشعري عربيا وعالميا، حيث اجتمعت في 2003 كوكبة من كبار شعراء فرنسا أمثال ألان جوفروا وأوجن غييفيك وميشال بولتو وبرناد نويل، بالإضافة إلى الشاعرين الجزائريين حبيب تنغور ومحمد القاسمي، لترجمة مجموعة ضخمة من قصائده إلى الفرنسية «مسلة أنائيل» التي حازت على جائزة «ماكس جاكوب» العالمية للشعر.
- أنت شاعر وثني؟
آه. صفة وثني صادمة شيئا ما. أنا استمرارا لشعراء ما قبل الوحدانية والديانات، حيث كان الشعر هو الدين، فالنصوص الأولى التي كُتبت كانت لتفسير علاقة الإنسان بالطبيعة والموت والخلود، وهذا ما نتج عنه الدين. فهذه النصوص فسرت العلاقة بين المجهول والإنسان. بهذا المعنى أنا شاعر بمرجعيات متعددة واستمرار لهذه النصوص. وبهذا المعنى يمكن أن تسميني شاعرا وثنيا.
- في علاقة الشعر بالدين هاته، صرح أدونيس مؤخرا بأن الشعر كان دائما في صراع مع الدين، الذي انتصر أخيرا على الشعر. هل تتفق مع هذا الرأي؟
من الناحية التاريخية هذا الأمر صحيح، فالشعر كان يطرح نفسه دائما بديلا عن الدين، في ما يتعلق بتفسير العالم، ومن هذا المنظور يمكن أن نقول إن الدين استطاع حسم هذا الصراع. لكنني لا أنظر إلى الأمر من هذا المنظور، فهذا كلام يمكن أن يقوله مؤرخ، أما الشاعر فيجب أن يأتي جوابه من داخل لغته. أدونيس عندما يقول بمثل هذا فإنه يقع خارج اللغة، يعلق عليها من وجهة نظر تاريخية. أنا أفضل أن يأتي الجواب من القصيدة.
- تبدو في قصائدك مشدودا حينا إلى إيقاع شرقي صاخب، لكنه سلس وبسيط، وحينا إلى إيقاع غربي، بارد ومركب. هل هذا في المجمل هو إيقاع حياة عراقي في باريس، أو شرقي في الغرب؟
أنا طبعا وريث اللغة العربية الكلاسيكية، بدأت بكتابة القصيدة العمودية، ولا زلت ممسكا بها كوتد وجذر، لكنني أعيش في باريس، في لغتها، في آخر صرعات الكتابة. أكيد أن قصيدتي هي محاولة لابتكار هوية جديدة، تجمع بين أمومة اللغة العربية وأبوة اللغة الفرنسية، وهذا نسغان في شجرة واحدة، فأنا لا أفارق امتداداتي العربية وفضاءاتي الفرنسية.
- لذلك تجمع في شعرك، ومبحثك الشعري، بين باريس وسومر، بين القرامطة وآرثر رامبو (يشغل منصب مدير مركز آرثر رامبو العالمي للشعر)، دونما حذر. ألم تتعظ من مصير رامبو الذي هلك دون حذر في هذه الاتجاهات المتناقضة؟
رامبو لم يهلك بالذهاب بعيدا في الشعر، هو توقف شعريا عندما أدرك بأنه لم يعد لديه ما يقول.
- رامبو توقف عن كتابة القصيدة، لكنه لم يتوقف عن البحث في أقاصي الشعر، وفي شعر الأقاصي، عندما ذهب إلى إفريقيا واليمن، وهذا ما أهلكه.
برأيي لا. أنا لا أفهم رامبو بهذا المعنى. رامبو بركان استمر ثلاث أو أربع سنوات ثم خمد.
- لكن حِممه استمرت في الاشتعال والإضاءة.
نعم، حممه لا تزال مضيئة إلى الآن، إلى ما بعد خمود البركان. لكن حينما خمد بركان رامبو أصبح إنسانا عاديا يمارس التجارة، والذي قضى عليه هو المشي، فقد كان رامبو مشاءً، وقد أصيب من جراء ذلك بسرطان العظام، بفعل المسافات التي قطعها مشيا على الأقدام ضمن القافلة التي قادته إلى الحبشة وغيرها لبيع الجلود والقهوة.
- والسلاح أيضا.
يقال هذا. أنا لا أدري. يجب أن نفصل، فالشاعر أيضا إنسان، والذي يميزه هو الينبوع الشعري، الذي عندما يجف، يحيله إنسانا عاديا. رامبو عندما أصبح تاجرا لم تعد لديه جملة يكتبها. انتهى، لذلك ذهب إلى الحبشة ثم إلى اليمن. أنا ترجمت رسائله من الحبشة. هل تعرف أنني أنا من اكتشف بيت رامبو في عدن، حين كنت مديرا للمركز الثقافي اليمني، وقد نظمت احتفالا بالمناسبة. لكن رامبو في كل رسائله ما بعد الشعر، لم يكن شاعرا.
- ما طبيعة العلاقة التي أقامها رامبو مع الإسلام خلال فترة إقامته في اليمن؟
علاقة رامبو مع الإسلام بدأت قبل أن يذهب إلى اليمن، فوالده كان ضابطا في الجيش الفرنسي بالجزائر، وهناك إشارات في رسائل رامبو إلى أنه كانت توجد في بيتهم بفرنسا نسخة للقرآن كتبت على هوامشها شروحات وتوضيحات. يكتب رامبو في إحدى الرسائل التي بعثها إلى أخته إيزابيل من اليمن: «ابعثي إليّ بنسخة قرآن الوالد ذات الشروحات»، والتي سماها حرفيا: (L'exemplaire de Coran annoté de mon père). إذن نحن، أولا، أمام نسخة للقرآن في بيت عائلة رامبو. ثانيا، هذه النسخة عليها هوامش وشروحات annoté)). ثالثا، رامبو يطلب في، رسالته من عدن، من أخته إيزابيل بأن تبعث له بنسخة القرآن هاته.
- هل كانت هذه النسخة بالفرنسية أم بالعربية؟
غالبا بالفرنسية، لأن رامبو لم يكن يعرف العربية. من ناحية أخرى، عندما مرض رامبو ونُقل إلى المستشفى بمرسيليا، كتبت أخته إيزابيل بأنها كانت تأتيه بالقس فيرفض بقاءه إلى جانبه، وعندما حضرته الموت اضطرت العائلة إلى إحضار القس، الذي خرج من غرفة رامبو كالمضروب على رأسه، وهو يحكي لعائلة رامبو قائلا: هذا الشخص لم يكن يسمعني، بل كان يتمتم بكلمات غريبة، كان يقول: «الله كريم..الله كريم»، وهذا موجود في رسائل إيزابيل نقلا عن القس الذي اختلى برامبو قبل وفاته. هناك مسألة أخرى ينبغي استحضارها، وهي أن رامبو عندما كان في عدن غير اسمه من رامبو إلى «عبد ربُّو»، فقد كان يشتغل كاتبا عموميا، وهذه الوظيفة يطلق اليمنيون على من يشغلها اسم «الكرَّاني»، وهي كلمة هندية الأصل. لذلك أصبح رامبو في اليمن يسمّى «عبد ربوُّ» الكرّاني. هذه المعطيات تؤكد نوعية العلاقة التي أقامها رامبو مع محيطه الديني، عندما أقام في الحبشة ثم في اليمن. وهذا المحيط الديني أثَّر في رامبو بشكل أو بآخر. أنا لا أريد أن أقول إن رامبو دخل الإسلام، لكنني أذكر الحقائق دون أن أخشى منها أو أُخفيها، فعندما انتقل رامبو من فرنسا إلى هذا المحيط العربي الإسلامي تفاعل معه وتأثر به بشكل من الأشكال، والمهم بالنسبة إليَّ أنه لم يعد يكتب شعرا، وبالتالي فأي شيء كتبه بعد توقفه عن الكتابة الشعرية لا يعني لي شيئا مهما.
- هناك من يقول إن رامبو أثناء إقامته في اليمن قرأ الحلاج، واستلهمه في حياته.
لا. لا أثر لذلك، ما يمكن قوله هو أنني عثرت على تناص شعري بين النِّفري الذي يقول: «كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة»، وبين آرثر رامبو الذي يقول في قصيدة «أوفيلي1870»: «Tes grandes visions étranglaient ta parole «، وهذا لا يمكن أن أسميه إلا تناصا شعريا، فرامبو حينما كتب هذه القصيدة كان عمره 15 سنة. فأية علاقة يا ترى بين ولد مجنون يعيش في فرنسا في القرن التاسع عشر، وصوفي عربي إسلامي عاش بين مصر والعراق في القرن الثامن الميلادي؟. كيف يمكن أن يصل كلاهما إلى نفس النتيجة؟.
- جمعت نصوصا من النثر العربي «الجاهلي» في كتابك «مجلة لقمان»، والمعروف، أنثروبولوجيا، أن النثر يعني الاستقرار والتأسيس، عكس الشعر الذي يعني القلق والتنقل. هل خلُصت في هذا العمل إلى أن العرب كانوا مهجوسين ببناء حضارة قبل الإسلام؟
هناك بعدان في هذا الجانب: البعد التاريخي والبعد الشعري. في البعد التاريخي ننسى أن اللغة العربية التي نتحدث بها الآن هي فقط اللغة الشمالية التي كانت تتحدث بها قريش. وقريش كانت قبيلة كبيرة في الشمال، بينما الحضارة العربية القديمة كانت كلها في الجنوب، حيث كانت هناك 36 لغة. الفرنسيون يفرقون بين اللغة العربية التي نتحدثها الآن وبين اللغات العربية ال36 التي يسمونها: les langues arabiques، أي لغات الجزيرة العربية. أما اللغة العربية القريشية التي نتحدث بها الآن، فيسمونها: la langue arabe، وهي اللغة التي سادت بعد أن سادت قريش خلال القرن الأول قبل مجيء الإسلام.
- وقبل ذلك؟
قبل ذلك كانت هناك «لغات المسند» كما يقول ابن عباس، وهي اللغات ال36، التي منها المعينية والقتبانية والسبئية والأمهرية... وهي لغات كانت تُكتب بالألف بائية الحبشية وليس بالحروف القريشية التي نكتب بها الآن، وما زالت موجودة كنقائش على صخور في سبأ على شكل مفردات قريبة من العربية القريشية التي نتحدثها الآن، أعطيك مثلا: «سَبَأَ مُويْ شْتِينْ»، أي «سال ماء الشتاء». هذا نموذج من اللغة السبئية التي وجدت مكتوبة. لذلك أقول في إحدى قصائدي بأن اللغة العربية عُبِدت مرتين، مرة حين كُتبت بها المعلقات الشعرية، وعُلقت على الكعبة وهي أقدس الأماكن، ومرة عندما كُتب بها القرآن.
- لم تُجبني عن سؤالي: هل خلصت من خلال جمعك نصوصا من النثر العربي السابق للقرآن إلى أن العرب كانوا محكومين بهاجس بناء حضارة مستقرة وقوية، شبيهة بالحضارات المحيطة بهم؟
لا أدري. العرب لم يكن لديهم غير اللغة. اعبُرِ البحر الأحمر وانظُر كم كانت القصور الفرعونية مذهلة بالرسوم وعظمة العمارة. اذهب إلى بابل حيث الرُّقمُ الطينية بمئات الآلاف، هذه حضارة كتابة. أما الحضارة العربية فما الذي أنتجته؟ باستثناء بعض المنحوتات والمعابد التي وجدت في جنوب الجزيرة العربية، لا نجد في شمال الجزيرة غير الصوت واللغة، وهذه خصوصية قال عنها المؤرخ الألماني هيردر في تاريخ الحضارات: «اليونان عندهم الفلسفة، والرومان عندهم القانون، والفرس عندهم الفن، والعرب عندهم اللغة». العرب عفاريت اللغة، وإلى اليوم إذا صعد عربي إلى المنبر يقلب العالم.
- بالرغم من أن مجايليك من الشعراء استغنوا عن توظيف الأسطورة والملاحم، بمبرر أنها لا يمكن أن تعبر عنهم وعن انشغالاتهم، ما تزال، أنت، تصر على توظيفها في قصائدك. لماذا؟
أنا لا أسميها أسطورة. هل كان البابلي يسمي «جلجامش» أسطورة؟ هذه إسقاطات قمنا بها لأغراض تعليمية وتصنيفية. أنا أسمي هذه النصوص بالنصوص المؤسسة.
- طيب، توظيفك هذه النصوص التراثية المؤسسة، ألا يعيق التعبير عن انشغالاتك كشاعر يعيش في مجتمع حديث، يحمل من الخصوصيات والتعقيدات ما لم يكن موجودا في عصر الأسطورة؟
هذه بالنسبة إليّ محاولة أساسية لكي أخلط نصي بنصوص أخرى، كمن يبني دارا بأحجار مختلطة الأصول، في محاولة لتمثل شكل شعري جديد. هناك هندسة للنص الشعري تستفيد من كل العناصر المتوفرة، فأنا أحاول بكل هذه العناصر هندسة نص أريدُ له أن يكون صورة حقيقية للمعاصرة، وامتدادا لما كان يُكتب في السابق من أشعار قديمة وملاحم.
- ملحميا وأسطوريا، كيف قرأت مشهد صدام حسين يشنق يوم نحر الأضحية؟
هذه من الصور التي لن تنمحي من ذاكرتي أبدا. لقد كنت كلما رأيتُ صدام حسين على التلفزيون أعرف أن مئات الرؤوس تقطع وتشنق بالعراق. لقد كنتُ حين أرى صدام، وهو يتهدج خطاباته، الأجساد والدماء والعذابات، وكأنه مشهد بوليفونيّ بمستويين. لما طلع صدام ووقف أمام المشنقة انعكست الصورة. هو الآن دخل الصورة الثانية من مشهد الموت. وبينما الحياة انطلقت من نافذة أخرى دخل هو الثقب الأسود الذي وضع فيه شعبا كاملا.
- أنت، كشاعر حداثي، يفترض فيه أن يكون نسبي الأحكام والتقديرات. ما هي إيجابيات حكم صدام حسين للعراق؟
(يصمت) الآن بعد كل الإخفاقات التي شابت العملية السياسية في العراق، أسمع بعض الأصدقاء العرب والفرنسيين يقولون إن صدام حسين على الأقل كان يصون العلمانية. وحتى هذا ليس صحيحا، ففي السنوات الأخيرة من حكمه أطلق صدام ما يسمى بالحملة الإيمانية، وأضاف بخط يده عبارة «الله أكبر» إلى العلم العراقي، وألغى تلك الإيجابية العلمانية التي أطلقها في بداية عهده بالحكم.
- لكن صدام كان يكبح جماح الطائفية في العراق
كان هناك شيء أكبر من السنة ومن الشيعة، هو الديكتاتور. وعندما سقط الديكتاتور ارتفعت قيمة وثقل الطائفية داخل المجتمع العراقي.
- هل أنت متفائل بالنسبة إلى مستقبل العراق الموحد؟
لا. أرى أنه سينقسم إلى ثلاث دول: شيعية وسنية وكردية.
- مؤخرا، اعتذر الشاعر العراقي نصيف الناصري لزملائه الشعراء وللشعب العراقي عن قصيدة كان قد كتبها في مدح صدام حسين.
أنا في الشعر لا تعنيني المواقف الأخلاقية، ما قام به نصيف هو موقف أخلاقي من حقه أن يقوم به. لكن، لا مدحه صدام حسين له علاقة بالشعر، ولا اعتذاره للعراقيين له علاقة بالشعر. هذا موقف أخلاقي.
- هل هو شبيه بما قام به الروائي الألماني غونتر غراس عندما اعتذر عن ماضيه النازي؟
مثلا، ناصيف الناصري لو كان يحب فعلا صدام حسين وكتب فيه قصيدة عظيمة، لقلت له: والله هذه قصيدة ممتازة، لكنها مكتوبة في شخص تافه. أنا أفصل بين التاريخ والأخلاق والتعليم... هذه كلها مجالات لا علاقة لها بالشعر، وأحيانا نخطئ حين نقحمها فيه. أنا لم أقرأ لكل أولئك الشعراء الذين كتبوا قصائد في صدام حسين، وجارَوه خوفا أو طمعا. هم كانوا زائفين أو خائفين. لذلك كل ما أنتجوه في هذا الصدد يذهب إلى مهزلة كبرى.

مظفر النواب أول من شجعني على الكتابة

سنة 1963 كان مظفر النواب مدرسا للرسم في مدرسة «متوسط الفجر» للبنين في بغداد، وكنت أنا تلميذه بالصف الثاني متوسط. كان عمري آنذاك حوالي 12 سنة. وفي إحدى المرات أعطانا الأستاذ مظفر تمرينا في الرسم، وعاد بعد لحظة ليتفحص رسومات التلاميذ، فوجد أنني لم أكن أرسم، كنت أكتب شيئا على الورقة. خفت أن يعاقبني، لكنه عندما قرأ ما كتبته، نظر إليّ وقال: استمر استمر. فاعتبرت ذلك الموقف من أكثر الأشياء تشجيعا لي على الكتابة، لأن المدرس لم يعفني فقط من الرسم الذي لم أكن أجيده، بل حثني على الاستمرار في الكتابة. عندما التقيت مظفر النواب في بيروت بعد هذا الحادث بأربعين سنة، ذكرته بهذا الموقف، فقال إنه يذكر الفترة حين كان مدرسا للرسم، لكنه لم يتذكر ذلك التلميذ الذي لم يكن يرسم.
في تلك الفترة، حضرت اعتقال مظفر النواب من طرف الحرس القومي، الذي كان عبارة عن ميليشيات تابعة لحزب البعث. جاءت سيارات الجيش وأخذوا مظفر النواب مكبلا من المدرسة. أنا ما أزال أستحضر هذا المشهد كما لو أنه حدث البارحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.