كتب الشاعر العراقي مظفر النواب قصيدة «كهرمان» وهو على فراش المرض في دمشق سنة 2007 وقد أهدى القصيدة إلى لبنان، وفي هذه القصيدة يظل مظفر حريصا على لغته التي شكلها وعلى صوت قصيدته العالي. إنه شاعر لا يمكن أن يقنع إلا بما دون النجوم، وحتى وإن وهن العظم منه فإن القارئ لنصوصه يلمس هذه الصلابة التي تميزه، والتي لم يتخل عنها أبدا في أي من محطات تجربته الشعرية والحياتية. كان قدر هذا الشاعر أن يجرب الجغرافيات والناس والمبادئ والشعارات التي ترتفع مثل أبواق على جدارات التجمعات والمسيرات وفي المحافل الرسمية دون أن يتحقق شيء من عيار الحرية الوافي. يمتلك مظفر النواب حسا ساخرا فكاهيا أقرب إلى ضمير العامة، وهو حين وعى أهمية اللغة «الشعرية الشعبوية» راح يستعملها دون هوادة، ويحسن منها من قصيدة إلى أخرى حتى جودها ونضاها، مستفيدا من التراكم الذي تتيحه القصيدة العربية الكلاسيكية وبالأخص قصيدة الهجاء، شعر المقامات الذي ازدهر في بغداد وأزقتها في أيام الدولة العباسية. وجد مظفر النواب أمامه إرثا ثقافيا كبيرا، وعرف كيف يذهب مباشرة إلى عقل ووجدان القارئ العربي، من خلال وثرياته وبكائياته، التي وصلت إلى مستوى المناحات الكربلائية التي تنظم في ذكرى مقتل الحسين أو غيرها من الطقوس الشيعية المعروفة في الثقافة العربية الإسلامية. ربما يشكل مظفر أحد الشعراء القلائل الذين هجوا الحكام العرب بلغة مباشرة، وبأسمائهم، لم يكن يؤمن بالتقية ولا بالتنميق في البقول حتى وإن كان شعره المباشر لا يخلو من صنعة الشاعر ونفاذ آلته الشعرية في الأشياء وفي الأفكار. لقد عمل النواب على إفراغ اللغة اليومية من حمولتها، وتحميلها حمولة أخرى على قدر كبير من الخطورة، لغة كان يريدها صاحبها أن تكون مثل الرصاصة تماما، تخترق المساء وتكسر العظام، وتندفع الشعوب العربية الخاملة إلى الخروج الفوري إلى الشارع العام للمطالبة بحقوقها المشروعة. وهو مثل الشاعر العربي الآخر محمود درويش، قد عير أمريكا لكنه ذهب إليها في نهاية المطاف مريضا، حيث نزل في مستشفى هيوستن، وهو نفس المستشفى الذي نزل فيه درويش في آخر مرة قبل أن يسلم الروح. يغرف مظفر النواب من الحكايا البابلية والأشورية ومن العراق القديم، ومن ثقافة عرب الأهوار، تلك الثقافة التي أعجب بها اكبر رحالة في العصر الحديث وهو المستشرق الأنجليزي تسيغير، الذي كتب كتابا كاملا عن الأهوار، من خلال العيش اليومي وسط الناس وفي هذه المنطقة التي تسبح فوق الماء. لقد كان تسيغير يرى في الأهوار خاصرة العراق وآخر نقطة في العالم ما تزال فيها الحضارة الإنسانية بكرا منذ أكثر من 5 آلاف سنة. من الجرائم التي ارتكبها حامل الحلم العربي الأخرق، صدام حسين، أنه قام بتجفيف منطقة الأهوار، حتى يكون بمقدروه القضاء على خلايا الثوار، الذين كانوا يهربون إلى هذه المنطقة، من أجل تنظيم صفوفهم والعودة إلى بغداد، رغبة في الحلم وفي طبق من الحرية لا غير. وهل طبق الحرية شيء يستهان به؟ مقاطع من «كهرمان ... يا كهرمان » الوطن المتساوي الأضلاع رجسٌ لن يقبله منذ الآن الأمريكان * كهرمان ... يا كهرمان في يوم واحد تتناقص ثلاثة بلدان طهرانٌ تقضم من كبد البصرة ومن إبطيها تُسحل غزة وعلى «أربعة عشر» صليباً يتخوزق لبنان * كهرمان... يا كهرمان هل علم فلسطين هو الممنوع وتزدحم بأعلام (الفيفا) بلادي وبأعلام الألمان * في غزة يتوالى القصف والبلدان العربية تبذل أقصى طاقتها من جُمل “التنديد“ وعبارات “العطف“ هذا يستغرب “الاستخدام المفرط للقوة“ وآخر يدعو الشقيقة اسرائيل لضبط النفس والثالث يخشى من دورة عنف والرابع يُرسل أرخص انواع البطانيات لتحمي القتلى من ”أمطار الصيف“ * في القاهرة اجتمع الوزراء (الحمد لله لم يتأخر منهم واحدْ هذا أكبر إنجاز في هذا الظرف) قال عمرو موسى استطعنا أن نجمعهم على رأي واحد من أفتى للشيخ حسن أن يخرق إجماع الأمة ويشقّ الصفّ؟ وفي تونس كاميرات صُنعت خصيصاً للمسجد تحصي شعرات اللحية وتحفظ دعوات المغرب وتؤرشف أسماء العُبّاد تساعد الملكين على الكتفين وتتدخل أيضا لو أن محجبةً مرت من تحت الشباك هذا بلدٌ منفتحٌ لا يسمح أن يسكنه النُسّاك * في “السوليدير“ لجنة تحقيق تنبش تحت ”الإسفلت“ وشاليهات السُيّاح من وضع “الديناميت“ ومن أشعله بسيارات “الموكب“؟ الولد الفذ لن يتسامح حتى لو ورث “المستقبل“ و”آذار“ وما ترك “الجمّال“ “الجد “ في “جدة“ لا يسمح والولد الشاطر يسمع آراء العُقّال