سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبادي: لسنا خصما للنظام حتى تتوسط العدالة والتنمية بيننا وبينه قال ل«المساء» إن 20 فبراير لم تنجح في فسح المجال للشعب المغربي بدون قوالب جاهزة وسقوف جامدة
في أول خروج إعلامي له، منذ انتخابه أمينا عاما لجماعة العدل والإحسان، قال محمد عبادي، الأمين العام لجماعة العدل والاحسان، ل"المساء" إن الجماعة لن تتقدم بطلب تأسيس حزب سياسي مادام "المخزن" يرفض ذلك، رغم توفر الجماعة على وثائق رسمية تثبت قانونيتها، ومادام الإعلام الرسمي يصف العدل والإحسان بالجماعة المحظورة، ويمنع أعضاءها من "حق الظهور في الإعلام العمومي الذي يمول من جيوب الشعب"، معتبرا أن ملف العدل والإحسان ليس في متناول حكومة بنكيران. ولم يعط أمين عام العدل والاحسان أي اهتمام للمبادرة التي تقدم بها قياديون في العدالة والتنمية للوساطة بين النظام والجماعة، وقال: "المخزن يمارس ضدنا كل أشكال الظلم والقهر.. وعلى من يرشح نفسه للتوسط أن يطالب أولا برفع الظلم عن المظلوم". مضيفا: "مهما حاول الإخوة في العدالة والتنمية الإصلاح من داخل بنيان منهار متهالك، وترميم شقوقه وتغيير بعض اللمسات الديكورية فيه، فإن ذلك لن يجدي نفعا، ولن يؤسس لدولة تقوم على عقد متين ثابت صلب يضمن الحقوق والكرامة للجميع". وفسر عبادي خروج جماعته من حركة 20 فبراير بأن قوة هذه الحركة كانت في قدرتها على استيعاب جميع التوجهات والآراء، والقبول بكل الأطراف الداعمة كما هي دون اشتراطات مسبقة ولا مقاسات محددة"، ملمحا إلى أن المكونات السياسية التي كانت داخل حركة 20 فبراير لم تنجح في فسح المجال لشباب الحركة ومن خلفه الشعب المغربي ليختار ويمارس ضغطه بدون قوالب جاهزة أو سقوف جامدة أو أشكال رتيبة. وفي موضوع البيعة، اعتبر محمد عبادي بأن الدولة تتعامل بانتقائية مع المذهب المالكي، المعتمد رسميا، وقال: "أين نحن من رأي الإمام مالك في قضايا البيعة والسياسة وتدبير شؤون الأمة؟ إن هذه الانتقائية طعن في المذهب". وحول ما إذا كانت جماعة العدل والإحسان تقبل بتداول الحكم ديمقراطيا مع أحزاب علمانية، قال عبادي: "نعم، نحن ندعو الجميع إلى الاحتكام إلى صناديق اقتراع نزيهة وشفافة، ومن أفرزته هذه الصناديق نحفظ له حقه في امتلاك السلطة وتطبيق برنامجه. كما أن العديد من هذه الأحزاب، وإن كانت تتبنى إيديولوجيات مخالفة لما نراه، تجمعنا بها الكثير من القواسم المشتركة التي تهم الصالح العام وبناء دولة الحق والقانون".
نقبل التداول على الحكم مع العلمانيين
- الديمقراطية بقدر ما هي آلية إجرائية، لا حمولة قيمية لها غير تدبير اختلاف الفرقاء، بقدر ما هي جوهر قوامه النسبية وعدم اليقينية، وهو أمر يصعب توفره في تنظيم مثل العدل والإحسان يؤمن بأن القومة والخلافة على منهاج النبوة آتية لا ريب، وأن أي اجتهاد إنساني في التشريع لا يعدو كونه منازعة لله في تشريعه، كما قلت أنت قبل قليل؟ ما قصدته بمنازعة الله عز وجل هو إلغاء النصوص الصحيحة الصريحة وتعويضها بآراء بشرية، وإلا فإن التطورات المتلاحقة التي تعرفها الإنسانية تحتاج إلى مواكبة شرعية واجتهادات تستحضر مقتضيات العصر وحاجياته، لكن للاجتهاد ضوابط بها نحفظ للدين مقاصده وجوهره. من جهة أخرى كثيرا ما يتم التشويش على بعض المفاهيم التي نستعملها فيتم تداولها بشكل قدحي يوحي بانغلاقنا المطلق. فالأساس، مثلا، في الخلافة على منهاج النبوة هو اجتماع الأمة الإسلامية في كيان موحد ينبني على روح العدل والشورى والحكم الراشد الذي يؤدي للناس حقوقهم ويحررهم لعبادة الله تعالى، وتبقى الأشكال قابلة للتطوير والتغيير والاجتهاد، والتطورات من حولنا تفيد بأن العالم ينحو نحو تقوية الكيانات البشرية والجغرافية الكبرى، لأن الكيانات الصغيرة لا صوت لها يسمع ولا تأثير لها في المحافل الدولية، ولنا في تجربة الاتحاد الأوربي خير مثال. أما القومة عندنا فليست لحظة انتفاضة جماهيرية، بل هي قبل ذلك ومعه وبعده وعي وسلوك ممتدان في الزمان ومتحرران من الخضوع والركون والاستسلام، هي استرجاع الأمة لزمام المبادرة لتقرير مصيرها بإرادتها الحرة. وأعتقد أن الهبَّة التي باتت تعيشها الأمة العربية والإسلامية جعلت من القومة بهذا المفهوم واقعا ممكنا وليست دعوة مثالية. - عندما كانت الصحافة تتحدث عن وجود اختلافات داخل الجماعة، كنتم تنفون ذلك، كما لو أن الاختلاف نقيصة. ألا ترون أن التطابق داخل أي تنظيم أو أي جسم، هو محض اطمئنان سلبي يقود إلى الموت؟ إذا كان الناس كلهم مسلوبي الإرادة، ويخضعون لرأي واحد فهذا يؤدي إلى الموت حتما. فالاختلاف سنة كونية، ذلك أن الله تعالى خلق الإنسان متفاوتا في كل شيء؛ في الفهم وفي الإدراك وفي الإرادة، وهذا ينتج عنه الاختلاف. لكن الجماعة لها أسس وأصول قامت عليها تشكل هويتها وماهيتها، وانتماء أي عضو إليها يكون بناء على اقتناعه وتبنيه لهذه الأصول. فكيف يستقيم أن أنتمي إلى مشروع أختلف معه في مبادئه المؤسِّسَة؟ إنما يكون الاختلاف حول التفاصيل والتدابير، وهذا أمر واقع وموجود في جماعتنا ندبره بقواعد الشورى. - سبق لك أن صرحت بعد تعيينك أمينا عاما بأن جماعة العدل والإحسان تسعى إلى تأسيس مجتمع «العمران الأخوي»، الذي يتفوق على مجتمع الديمقراطية. هل أنتم ديمقراطيون حتى تتجاوزوا الديمقراطية؟ العمران الأخوي يختلف عن النظام الديمقراطي. فهذا الأخير يسعى لأن يضمن لكل ذي حق حقه، وأن يرفع الظلم عن الناس، ولكنه يفتقد العلاقة الأخوية بين الأفراد القائمة على التكافل والتعاون والتواد والتراحم. وقد أشرت سابقا إلى احترامنا لآليات الديمقراطية في صفنا، وتبنينا للشورى منهجا في الحسم والقرار، ونسعى جاهدين لنشر روح المحبة والأخوة والتآزر بين أعضاء الجماعة تربية وسلوكا. - مجتمع العمران الأخوي يقوم على ما يسميه عبد السلام ياسين ب»الوطن الإيماني المشترك»، وهو «وطن» يوطوبي، وليس واقعيا، على اعتبار أن منطق التاريخ وحتميته تؤكد أن البشرية تزداد تنوعا واختلافا وتناقضا، وأن أمر المجتمعات الحديثة لا يمكن تدبيره إلا من خلال الدولة الديمقراطية التي تكفل حق ممارسة الاختلاف والتداول على الحكم وفق أسس وضعية ومدنية وليس إيمانية؟ ومن قال إن الشورى تصادر حق الاختلاف والتداول على الحكم؟ فمهما اختلف الناس ستظل هناك دائما أمور كثيرة مشتركة بينهم منها الإنسانية. فلا يمكن للإنسان أن يعيش بدون قيم إنسانية تلبي حاجياته الوجدانية. ومن صميم الواقعية أن ندرك ذلك ونعي أن القوانين ضرورية ولا غنى عنها لكن العلاقات البشرية لن تنجح فقط عبرها مهما بلغت دقتها، فلا بد من إشباع الحس الإنساني خاصة في تلك العلاقات البسيطة التي تشكل احتكاكا يوميا للمواطن مع محيطه القريب. وهذا لا يتنافى مع الحق في الاختلاف والتداول على السلطة وفق أسس مدنية، بل إنه يحتويه ويتجاوزه. باختصار لا يمكن للاجتماع البشري أن ينحصر في أمور مادية صرفة تلغي الجانب القيمي والمعنوي. - هل تقبل جماعة العدل والإحسان أن تتداول على الحكم ديمقراطيا مع أحزاب علمانية، اشتراكية وليبرالية؟ نعم، نحن ندعو الجميع للاحتكام إلى صناديق اقتراع نزيهة وشفافة، ومن أفرزته هذه الصناديق نحفظ له حقه في امتلاك السلطة وتطبيق برنامجه. كما أن العديد من هذه الأحزاب، وإن كانت تتبنى إيديولوجيات مخالفة لما نراه، تجمعنا بها الكثير من القواسم المشتركة التي تهم الصالح العام وبناء دولة الحق والقانون. من جهة أخرى فنحن لا نعتبر الأحزاب السياسية كائنا غريبا على مجتمعنا حتى نمارس الإقصاء في حقها، فهم أبناء هذا الوطن، ولهم كامل الحق في الوجود والفعل والتداول على السلطة وفق الآليات الديمقراطية المتعارف عليها. ومهما كان الاختلاف بيننا علينا أن نبني وطنا يسع الجميع.
20 فبراير لم تحطم القوالب الجاهزة
- يعاب على فصيل طلبة العدل والإحسان بالجامعات احتكار العمل الطلابي، وتخوين الخارجين عنه. ما صحة ذلك؟ الاحتكار ليس من مبادئنا، والتخوين واتهام الناس بما ليس فيهم ليس من أخلاقنا. فصيلنا الطلابي إنما نال تعاطف الطلبة وتأييدهم بحضوره إلى جانبهم في الميدان، وبذله جهدا في تبني قضاياهم والدفاع عنها، ومن أجل ذلك يعتقل طلبتنا ويحاكمون. وآخر فصول ذلك اعتقال ومحاكمة ستة منهم بفاس، يتابعون الآن بتهم ملفقة. -هل هناك إمكانية لعودة جماعة العدل والإحسان إلى صفوف حركة 20 فبراير. وما هي شروطكم في ذلك؟ حركة 20 فبراير كانت تعبيرا شعبيا جمع أطيافا مختلفة من المجتمع المغربي في سياق حركة الشعوب العربية لمناهضة الفساد والاستبداد، فهي وسيلة من بين وسائل أخرى لتحقيق هدف إحقاق الحق وإقامة نظام عادل. وأداء شبيبة العدل والإحسان من داخل هذه الحركة كان مشرفا، حيث قدمت التضحيات وتحملت العبء الكثير وأبانت عن قيم التعايش والتشارك والقبول بالآخر التي تربت عليها في صفوف الجماعة، وفي وقت من الأوقات لم تعد أجواء وشروط العمل مواتية للاستمرار. لكن الجماعة وشبيبتها لن تتخلف عن دعم أي تحرك اجتماعي يتبنى السلمية ويعبر عن مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدل ويناهض الفساد والاستبداد، فنحن سنسانده وندعمه حتى يسترجع الشعب حقه وافرا غير منقوص. - حركة 20 فبراير تتبنى السلمية وتعبر عن مطالب الشعب في الحرية والكرامة والعدل وتناهض الفساد والاستبداد، لكنكم تخلفتم عنها وهي في عز قوتها، الشيء الذي آخذكم عليه العديد من «المناضلين» والملاحظين؟ قوة الحركة كانت في قدرتها على استيعاب جميع التوجهات والآراء، والقبول بكل الأطراف الداعمة كما هي دون اشتراطات مسبقة ولا مقاسات محددة. فهذا حراك مجتمعي شعبي مهمته الضغط الاحتجاجي، ساهم الجميع في بنائه وتقويته وبالتالي ينبغي أن يجد الجميع ذاته فيه. والوظيفة التي كان ينبغي أن يلتزم بها الجميع هي تقديم الدعم التنظيمي (اللوجيستي) والغطاء السياسي مهما اختلفت مقارباته وحدوده، وفسح المجال لشباب الحركة ومن خلفه الشعب المغربي ليختار ويمارس ضغطه بدون قوالب جاهزة أو سقوف جامدة أو أشكال رتيبة، وهذا ما لم تنجح الحركة في تأمينه. - ما حكاية جهاز التنصت الذي سبق أن عثرت عليه في بيتك بمدينة وجدة؟ هذا أحد الأدلة على لا أخلاقية النظام، إذ أنه يعمل على لصق أجهزة للتنصت على أخص خصائص الإنسان العائلية في بيته وهذا السلوك مشين ومدين ولا أخلاقي، تمجه الأنفس السوية للأفراد العاديين فكيف بدولة مسؤولة على مجتمع. أما عن الواقعة فأذكر أن البيت كان في اللمسات الأخيرة من البناء، وجاء رجال المخابرات وهم يلبسون لباس الكهربائيين وأرغموا العمال ووضعوا جهاز التنصت في ركن من أركان البيت وغطوا عليه بالإسمنت. وبعد مرور شهور عن إقامتي في البيت، شاء الله تعالى أن يفتضح أمر هذا الجهاز، لا أقول من وكيف حتى لا أعرض أناسا إلى مضايقات، ولكن اكتشف الأمر فكانت الضجة التي أثارتها هذه الفضيحة. - قل لنا فقط كيف تم اكتشاف الجهاز وكيف تم تفكيكه؟ سنفصح عن ذلك عندما تكون الظروف مناسبة. - أين وصلت قضية تشميع منزلك؟ قبل تشميع البيت كان هناك نهب لبعض أثاثه وإتلاف للبعض الآخر. والأمر ما زال معلقا رغم أننا رفعنا دعوى للمحكمة وطرقنا أبواب كل المسؤولين، الكل يتنصل من هذه الفعلة. الملف عند النظام، وهو الذي ينبغي أن يجد له حلا، وإلا فستبقى هذه البيوت المشمعة وصمة عار على جبينه، شاهدة على أن المغرب مازال على حاله، وعلى أن الشعارات البراقة التي ترفع في هذا البلد من الشفافية والديمقراطية والعهد الجديد والدستور الجديد تتكسر كلها على صخرة جماعة العدل والإحسان فتفقد مصداقيتها.
لهذا تدعم الدولة الطرق الصوفية
-هل لكم ملاحظات على «الهوية الإسلامية المغربية»، أساسا في شقها المالكي والصوفي على طريقة الإمام الجُنيد؟ لا ننكر على مذهب الإمام مالك شيئا، ولكن ننكر على من يتبناه أن يتعامل معه بشكل انتقائي؛ يأخذ منه ما يتماشى مع هواه ويتجاهل ما لا يعجبه. أين نحن من رأي الإمام مالك في قضايا البيعة والسياسة وتدبير شؤون الأمة؟ إن هذه الانتقائية طعن في المذهب ولعب به. أما نحن فنريدها إن شاء الله تعالى هوية إسلامية صرفة، فأمتنا ممزقة إلى أقطار ومذاهب ومشارب ومشروعنا يطمح لتوحيد الأمة لا لتمزيقها، لذلك لا نرتاح لأن يصطبغ الإسلام بقطرية أو حزبية أو مذهبية. هو الإسلام وكفى، واجتهادات علمائه وأئمته إرث لكل المسلمين في كل زمان ومكان. وأما في ما يخص المدرسة التربوية التي أسسها الإمام الجنيد رحمه الله تعالى وتقبل منه، فالمفروض أن يرجع تلامذتها إلى ما كان عليه الأمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يليق بمسلم في هذا العصر وهو يرى ما عليه الأمة من تمزق وتشتت وضياع للدين أن يكون همه الفردي وخلاصه هو شغله الشاغل، ويترك أمر الأمة للضياع، فلا بد من الاهتمام بمطلب العدل لتحقيق شمولية الإسلام. فنحن نسعى للعودة إلى السنة النبوية الصافية في كل شيء وندعو غيرنا إلى ذلك. -كيف تنظرون إلى المد الصوفي- الطرقي الذي يشهد انتعاشا مطردا في المغرب؟ هذا المد له عوامل متعددة، منها الجوعة الروحية التي بات الإنسان المسلم يستشعرها في عصر الماديات هذا، والتي يعجز الشأن الديني الرسمي عن إشباعها. ثم هناك عامل ثان مرتبط بالرعاية والدعم المادي الذي توفره الدولة لهذه الحركات ضمانا لولائها واستعطافا لها مما يساعد على مدها. كما أن الإنسان في انتمائه لهذه الطرق الصوفية يستقيل من هم الشأن العام فلا يكلف نفسه جهادا ولا عناء ولا مشقة. هذه الأسباب هي التي جعلت هذه التيارات الصوفية تنتشر بهذا الشكل الواسع ليس فقط في المغرب بل في كل الدول بما فيها دول أوربا.
ملف العدل والإحسان ليس في متناول الحكومة
- تبررون عدم مبادرتكم لتأسيس حزب سياسي، بالرفض الذي قوبل به طلبكم سنة 1981. مع أن ذلك المنع كان في سنوات تعرف بسنوات الرصاص؟ مهما يبدو في الظاهر أن صفحة سنوات الرصاص قد طويت، فإن استبداد المخزن مازال قائما يتلون بتلون الأزمان. وحقيقة ذلك تعكسها بشكل جلي طريقة تعاطيه مع معارضيه، فالمخزن لم يستجب لطلبنا بتأسيس حزب سياسي، ومازال يرفض. ويكفي مؤشرا على ذلك أنه، ورغم توفر الجماعة على وثائق رسمية تثبت قانونيتها، مازال الإعلام المخزني يصفها بالجماعة المحظورة، ويُمنع أعضاؤها من حق الظهور في الإعلام العمومي الذي يمول من جيوب الشعب، ويحاكمون بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخص لها. بل إن السلطات تمتنع عن تسليم وصل إيداع ملف تأسيس أي جمعية مهما كان نشاطها محصورا في حي من الأحياء أو في تنشيط الأطفال حتى، بمجرد وجود عضو لجماعة العدل والإحسان في مكتبها المسير. فكيف يكون الأمر لو طلبنا تأسيس حزب سياسي؟ إن الاستبداد واقع لا يرتفع والشمس لا يحجبها الغربال. - لماذا لا تحرجون حكومة أصدقائكم الإسلاميين بإعادة وضع ملف تأسيس حزب؟ ليس للحكومة من الأمر شيء، فملف العدل والإحسان فوق الأحزاب وفوق الحكومات، لا قبل لها به ولا تستطيع أن تقول فيه شيئا. ويكفي مثالا أن معتقلي العدل والإحسان السبعة بفاس تلقوا وعودا وزارية بإرجاعهم لوظائفهم لكن الأمر مازال معلقا. ومثال البيوت المشمعة، التي رفع المحامون بشأنها رسائل لجميع المسؤولين في الداخلية وفي العدل وفي غيرها من الوزارات والمؤسسات وما من مجيب. لماذا؟ لأن ملف العدل والإحسان ليس في متناول الحكومة. - ثمة قياديون في حزب العدالة والتنمية يقترحون التوسط بينكم وبين الدولة. هل تستجيبون لهذه الدعوة؟ التوسط هو محاولة الصلح بين طرفين متخاصمين، فيتدخل الوسيط لإصلاح ذات البين. والوضع بيننا وبين النظام المخزني ليس كذلك، لأننا لسنا خصما له. إنما نحن حركة مجتمعية سلمية واضحة، نحمل مشروعا نعتقد أنه قادر على تحقيق السعادة لأهل بلدنا في الدنيا والآخرة، فقام المخزن يمارس ضدنا كل أشكال الظلم والقهر. هكذا هو الوضع على حقيقته، وعلى من يرشح نفسه للتوسط أن يطالب أولا برفع الظلم عن المظلوم.
العدالة والتنمية تحاول إصلاح بناء منهار
- سبق لنائبك فتح الله أرسلان أن صرح بأن الدولة تريد إخضاع جماعة العدل والإحسان لخطوط حمر لا وجود لها في القوانين ولا في الدستور. هل أنتم مستعدون للعمل السياسي- الحزبي، إذا أعطيت لكم ضمانات باحترام الدستور والقوانين؟ نحن نمارس العمل السياسي من داخل الجماعة، وهي إطار قانوني، ومع ذلك نتعرض لأصناف من التضييق والمنع غير القانوني بسبب مواقفنا وآرائنا السياسية. ولا أعتقد أن الإطار الحزبي سيغير من الأمر شيئا. لذلك أستبعد أن تكون هناك أي ضمانات حقيقية في ظل حكم مستبد، يقوم على خنق من يعارضه ليستأثر بكل السلطات، فالعقلية المخزنية قائمة على الخطوط الحمراء والتحكم السياسي والإخضاع ولن تقبل بإنشاء حزب ذي إرادة مستقلة. - تبدون مطمئنين لوضع تسلمون فيه سلفا، ودائما، بوجود نظام مستبد، لن يعطيكم أي ضمانات لمشاركته في الحكم، مع أن الهوامش الكبرى الموجودة اليوم لم يكن أحد يحلم بها عندما كان الحسن الثاني يحكم المغرب بقبضة من حديد، وهذه دلالة على أن هامش الحرية والديمقراطية والشفافية يمكن توسيعها بالنضال كما بالتفاوض، وليس بانتظار القومة؟ لا لسنا انتظاريين، هذا توصيف مجانب للحقيقة. لا ينكر متتبع منصف نضال الجماعة وسعيها ومساهمتها في تطوير الحياة السياسية ببلادنا، وهي دفعت ثمن ذلك وما تزال، سجون واعتقالات ومحاكمات وتضييقات بالجملة وحرمان من أبسط الحقوق. ومع ذلك ظلت تمثل صوت المعارضة الضاغطة الرافضة لتلاعبات المخزن والتفافاته، وفضحها إلى جانب أطراف سياسية وحقوقية واجتماعية أخرى. وأعتقد أن هذا الضغط أكثر تأثيرا من التسليم بقواعد الاستبداد، فهرولة النظام المخزني مثلا للتعديل الدستوري الأخير، الذي يعده البعض فتحا كبيرا، لم يكن بسبب ضغط الأحزاب المشاركة في الانتخابات التي كانت مجمعة على تأجيل النقاش الدستوري، بل جاء نتيجة ضغط مورس من خارج المؤسسات الانتخابية الفاقدة للمصداقية الشعبية. لذلك لا شيء يغري في تجارب الجهات التي تفاوضت واستفادت من «الهوامش الكبرى» كما سميتها، فالجميع تَابع ويُتابع أن الهوامش أصغر بكثير مما يتم ترويجه. - رفضتم الاعتراف بالملكية التنفيذية، وترفضون الآن الملكية البرلمانية. لماذا تخرجون على «الإجماع المغربي»؟ هذه مجرد أسماء لمضمون واحد، وإلا من يصدق اليوم أننا نعيش في ظل ملكية برلمانية كما يتعارف عليها فقهاء القانون؟ ألم نعش سنوات الرصاص في ظل «الديمقراطية الحسنية»؟ لا ينبغي أن تلهينا المسميات عن حقيقة المسمى. ثم أي إجماع هذا الذي تشير إليه؟ لا أتذكر في حياتي أن المغاربة استفتوا يوما عن نوعية نظام الحكم الذي يريدونه استفتاء نزيها شفافا دون ترهيب ولا وعيد. إن ما يهمنا أساسا هو أن يكون نظام الحكم قائما على العدل والشورى والرشد والحق والقانون والكرامة الإنسانية والتداول الحقيقي على السلطة واحترام إرادة الشعب ثم فليسميه الناس ما شاءوا، فالعبرة ليست بالمصطلحات، وإنما العبرة بالمضمون. - استشهدت، بعد انتخابك أمينا عاما للعدل والإحسان، بمقولة لأبي الأعلى المودودي يقول فيها: «أكبر رئيس دولة لا يصلح أن يكون بوابا في الدولة التي ننشدها». أليس هذا تعاليا لمشروعكم الافتراضي ووثوقية أنانية؟ إن الأفكار العميقة لا يتسع صدر الإعلام أحيانا لتفصيلها وشرحها وحسن عرضها، نظرا لضيق المجال. فالمقصود هنا هو أن رجال الدولة التي ننشدها يجب ألا يتمتعوا فقط بصفات القوة والأمانة التي تمكنهم من ضمان حقوق الناس المادية وأدائها، بل عليهم أن يحملوا أيضا هم آخرة الناس، فيدلونهم على الله ويربطونهم بالله ويذكرونهم بالله سبحانه وتعالى. وهنا الاختلاف بين وظيفة المسؤولين في الدول الغربية مهما علت، ووظيفة المسؤولين في دولتنا المنشودة مهما كانت بسيطة. وأود بهذه المناسبة أن أقول لكل من راجعني في هذا الموضوع، معترضا أو مستنكرا أو مستشهدا بأداء بعض رؤساء ووزراء الدول الغربية وطريقة ممارستهم للحكم، إننا نقدر أهل المروءة، ونعترف بأهل الفضل، ولا يمكننا أن نبخس الناس أشياءهم، لكن مطمحنا أكبر من تحقيق سعادة الدنيا. - لا تتفقون مع وجود حزب العدالة والتنمية في الحكومة، وتعتبرون بأنه ليس هو من يحكم. ألا ترى بأنه من الأجدى أن تساهم ولو قليلا في التغيير، وأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام؟ صحيح إذا أشعلنا شمعة في بيت مظلم قد تضيء بعض جوانبه، ولكن أن تشعل هذه الشمعة وسط رياح مزمجرة وظلام دامس فلن تشتعل أكثر من ثانية لتصبح جزءا منه. فمهما حاول الإخوة في العدالة والتنمية الإصلاح من داخل بنيان منهار متهالك، وترميم شقوقه وتغيير بعض اللمسات الديكورية فيه، فإن ذلك لن يجدي نفعا، ولن يؤسس لدولة تقوم على عقد متين ثابت صلب يضمن الحقوق والكرامة للجميع.