شكلت ظاهرة المحميين في تاريخ المغرب أداة خطيرة بيد القوى الاستعمارية خلال نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على وجه الخصوص، من أجل ضرب سيادة الدولة وإضعاف السلطة المركزية، من خلال الأدوار التي كان المحميون يقومون بها لفائدة الدول الأوروبية التي توفر لهم حمايتها الدبلوماسية في البلاد. غير أنه يجب التمييز بين المحميين والمتجنسين، فالمحميون هم المواطنون المغاربة أو المقيمون الأجانب الذين كانوا يحصلون على حماية دولة أجنبية، وفي حال المقيمين الأجانب فهم أولئك الذين كانوا يحصلون على حماية دولة أجنبية لكون بلادهم ليست لها علاقات دبلوماسية مع المغرب، أما المتجنسون فهم أولئك الذين كانوا يحصلون على جنسية دولة أجنبية، وكان هؤلاء يشكلون أقلية وسط المحميين الذين كانوا يعدون بعشرات الآلاف. ويقول المؤرخون الذين كتبوا عن تلك الفترة إن المغاربة الذين كانوا يسعون إلى الحصول على الحماية الأجنبية، كانوا يفعلون ذلك إما هربا من الظلم الذي كان يسلطه عليهم أعوان المخزن، وأعمال النهب التي كان يقوم بها العمال في المناطق النائية عن المركز بسبب الفوضى التي كانت منتشرة في البلاد، وإما تهربا من أداء الضرائب والمكوس للدولة المركزية والتحلل من الالتزامات تجاه السلطة، خصوصا بعدما أصبحت الدولة تفرض ضرائب باهظة على رعاياها بسبب الظروف التي كانت تواجهها وحاجتها للأموال، فكان الكثيرون يتجهون إلى طلب الحماية، لأنها كانت تعطيهم نوعا من الامتياز الذي لا يستفيد منه مغاربة آخرون، وهو ما شجع الكثيرين على طلب حماية الدول الأجنبية، وخلق مشكلات للدولة التي كانت تحاول باستمرار إقناع الدول الأوروبية بعدم منح الحماية لعدد كبير من الراغبين فيها. وكانت الحماية تثبت لصاحبها بشهادة تسلمها له قنصلية الدولة الأجنبية بالمغرب، ولم تكن وراثية بحيث كانت تنتهي بتنازله عنها أو بوفاة صاحبها. وبسبب ما كانت توفره الحماية لأصحابها كان بعض الناس من المغاربة والأجانب يزورون وثائق الحماية ويبيعونها لسكان القرى والبوادي بأثمان باهظة لخداعهم، وكانوا يقيمون لذلك خياما في المناطق القروية لتوزيع تلك الحمايات المزورة التي كان الناس يتهافتون عليها. وتؤكد المعطيات التاريخية أن عدد المحميين بعد وفاة الحسن الأول بلغ أكثر من 20 ألفا، وبلغ عددهم في قبيلة واحدة هي أولاد حريز 1600 محمي. وقد انعكست ظاهرة الحماية سلبيا على المغرب في النواحي السياسية والاقتصادية والدينية، لأنها كانت وسيلة لحماية الجواسيس من المغاربة الذين كانوا يعملون مع الإدارة الاستعمارية، وبعضهم من داخل أجهزة الدولة نفسها، كما أدت إلى حالة من الفوضى وسقوط هيبة الدولة وظهور طبقة من الرعايا الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أكبر من الدولة وأكثر أهمية من باقي المغاربة، فبدأ بعض العلماء والفقهاء المغاربة يحذرون المواطنين من «الولاء للكفار» والمشاركة في إضعاف الدولة وخيانة المسلمين. ويعد كتاب «الدواهي المدهية للفرق المحمية» الذي ألفه أبو المواهب جعفر بن ادريس الكتاني الحسني من الكتب القليلة التي كتبت حول هذا الموضوع في المغرب، خلال تلك الفترة من بداية القرن العشرين، عندما تكاثرت القنصليات الأجنبية بشكل كبير في المغرب، وخاصة في طنجة التي كانت منطقة دولية، والكتاب عبارة عن دراسة فقهية للحماية الأجنبية، هدفها تحذير المغاربة الراغبين في الحصول على الحماية، منطلقا من تفسير آية: «ولا تركنوا للذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون»، وكله يدور حول مسألة ولاء المؤمنين للكافرين واتخاذهم أولياء والتحالف معهم والحصول على حمايتهم واللجوء إليهم، وكان للكتاب تأثير كبير على الوضع السياسي في تلك المرحلة. وبسبب الصراع بين القوى الاستعمارية على المغرب، شكل موضوع الحماية ورقة للمنافسة بينها، فبعد الاتفاقية المغربية الانجليزية عام 1856 بدأت إنجلترا تمنح حمايتها للعديد من المغاربة، المسلمين واليهود، لتكثير عدد التابعين لها في المغرب وإحكام قبضتها، فلجأت فرنسا هي الأخرى إلى نفس الأمر، حيث بدأ الفرنسيون يغرون المغاربة بالمال من أجل منحهم الحماية الفرنسية. وكانت المعاهدات التي تمت بين المغرب من جهة وبين فرنساوإنجلترا وإسبانيا من جهة ثانية تسمح لكل مقيم أجنبي تابع لها بأن يمنح حمايته لمن طلبها من المغاربة، مما أدى إلى الكثير من المشاكل والفضائح، ذلك أن بيوت القناصل الأجانب والمحميين من المغاربة كانت تتمتع بالحصانة الديبلوماسية، ما جعلها مأوى للخارجين عن القانون وحولها إلى متاجر للأسلحة وإخفاء المجرمين، وكان أي واحد من المحميين حين يقتل مواطنا يلجأ إلى واحد من تلك البيوت للاحتماء بها بحيث لا يمكن إخراجه منها، بل إن الخدم المغاربة الذين كانوا يعملون مع الفرنسيين في بيوتهم كانت تمنعمحاكمتهم إلا بحضور القنصل الفرنسي. ومن بين القضايا التي حصلت بسبب الحماية أن يهوديا مغربيا يدعى معير بن موشي كوهين، كان يتمتع بحماية فرنسا في عهد الحسن الأول، اقترف عدة اعتداءات في حق مغاربة دون أن تستطيع الدولة محاكمته، وفي إحدى المرات قصد مقر محتسب مدينة مكناس واعتدى عليه أمام الجميع، ورفعت القضية إلى السلطان لكنه لم يستطع أن يفعل سوى توجيه رسالة إلى وزير خارجية حكومته بطنجة يكلفه فيها أن يبلغ مندوب فرنسا بضرورة العمل على وقف اعتداءات ذلك الشخص، لكن مندوب الحكومة الفرنسية لم يقم بأي شيء. وفي إحدى المرات فر سمسار مغربي من مدينة طنجة بعد أن أتلف بعض الأشياء التي سلمت له لبيعها، وحين رفعت القضية إلى محتسب المدينة أمر بإلقاء القبض على ابن السمسار وزوجته للتحقيق معهما، وكانت الزوجة تعمل خادمة في بيت ممثل إيطاليا الذي غضب غضبا شديدا حين علم بإلقاء القبض على خادمته، فسارع إلى لقاء وزير خارجية المغرب وطلب منه إطلاق سراح خادمته وأن يعزل المحتسب من وظيفته وأن يسجن عقابا له، فاضطر الوزير المغربي إلى طرد المحتسب والإفراج عن الخادمة، لكنه لم يعتقل المحتسب، وبذلت الحكومة مجهودا كبيرا فقط لكي تقنع مندوبي بعض الدول الأجنبية بضرورة التدخل لدى مندوب إيطاليا حتى لا يتم سجن المحتسب.