أثار الحديث عن المخطط التشريعي للحكومة، منذ تنصيبها، جدلا واسعا حول أهميته. وقد تم تقديمه في مختلف وسائل الإعلام، مع الإشادة بهذا العمل، سواء في صيغته الأولية أو في صيغته النهائية. لكن المثير للاهتمام، والذي أعتقد أنه يستحق النقاش، هو عملية إرسال المخطط التشريعي للحكومة إلى البرلمان؛ فالأمر أصبح يتعدى منهجية التخطيط كوسيلة عمل حكومية داخلية (أولا) إلى كونه وسيلة للمس باستقلالية السلطة التشريعية (ثانيا). المخطط التشريعي كوسيلة عمل حكومية داخلية إن العمل الذي قامت به الحكومة يستحق التنويه على أكثر من مستوى. فمن ناحية أولى، أبرز المخطط أن هناك إرادة سياسية للعمل الحكومي كفريق منسجم، وليس كمجموع قطاعات وزارية منفصلة عن بعضها البعض، وهذا تطبيق إيجابي لمقتضيات الدستور الجديد. لقد تم تفعيل مؤسسة رئاسة الحكومة كأعلى جهة تنسق العمل الحكومي، من خلال تنسيق مختلف النشاطات الوزارية؛ وكل ذلك في اتجاه خلق سياسة عمومية في مجال التشريع (رغم أن الدستور، من زاوية حرفيته، لم يشر ضمن المجالات التي يتم التداول فيها بمجلس الحكومة في الفصل 92 إلى شيء من قبيل المخطط التشريعي). ومن ناحية ثانية، أبرز المخطط التشريعي للحكومة المجالات التي تنوي تنظيمها تطبيقا لبرنامجها الحكومي ومدى استجابة ذلك للانتظارات الشعبية، حتى يكون الجميع على بينة مما تنوي الحكومة تطبيقه خلال ولايتها. إن هذه العملية، بغض النظر عن أي موقف من سياسة الحكومة، تدل على الرغبة في خلق دينامية حكومية جديدة، مبنية على وضوح الرؤية وعلى أهداف محددة مسبقة. لذلك، فالأمر لا يمكن إلا أن يكون بداية لتقليد محمود نتمنى له الاستمرارية، خاصة من زاوية التقليص من هيمنة الأمانة العامة للحكومة وإرجاعها إلى حجمها الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون مهيمنا على عمل رئاسة الحكومة، إن لم نقل على الحكومة بأكملها. إرسال المخطط التشريعي إلى البرلمان لست أدري، في البداية، في أي خانة سيتم إدراج هذا الإرسال، فمقتضيات الدستور واضحة، كما أن اختصاصات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية واضحة. لقد جعل الدستور من البرلمان السلطة التشريعية الكاملة، فهو الجهة الدستورية الرئيسية لإصدار القوانين. ورغم أن المغرب اعتمد، منذ أول دستور، نظام العقلنة البرلمانية التي توسع من مجال تدخل الحكومة في العمل التشريعي وتجعل من السلطة التنفيذية «الممون» الرئيسي للبرلمان عن طريق مشاريع القوانين، فإن ذلك لا يمكن أن يرهن الزمن البرلماني المستقبلي. وتتمثل العقلنة البرلمانية في منح العديد من الوسائل والتقنيات التي تمكن السلطة التنفيذية من توجيه العمل التشريعي والتحكم في جدول الأعمال وتحديد الأسبقيات، بل والضغط على البرلمان للموافقة على مشاريعها... لكن رغم كل ذلك، فإن السيادة تبقى للبرلمان الذي يتعامل مع النصوص الحكومية وفق مساطره الداخلية. وبالرجوع إلى المخطط التشريعي للحكومة، نلاحظ أن إرسالَه إلى البرلمان، توجيهٌ وتأثير وضغط مباشر على السلطة التشريعية التي عليها أن تخصص الزمن البرلماني لهذا المخطط. ولهذا، فإنه من المهم هنا طرح السؤالين التاليين: - ماذا تبقى من الزمن التشريعي للبرلمان؟ لا أعتقد أن الهدف من إرسال المخطط التشريعي إلى البرلمان هو طلب المصادقة عليه، لأن هذا لا يدخل ضمن صلاحيات البرلمان كما هي محددة في الدستور. إذن، فالغرض بصفة عامة هو غرض إخباري فقط، وينبغي ألا يتعدى ذلك. لكن، لماذا أصرت الحكومة على هذه العملية؟ ينبغي هنا استحضار المعطيات التالية: إننا نعرف ما تبقى من ولاية مجلس النواب الحالي؛ ونعرف أن الدورات الخريفية يستحوذ عليها القانون المالي أساسا؛ كما ندرك أن النصوص المرتبطة بتطبيق الدستور ستأخذ الوقت الكثير من أشغال البرلمان؛ يضاف إلى ذلك أن العمل الرقابي التقليدي للبرلمان بمختلف أنواعه له حصة من الزمن البرلماني؛ أضف إلى ذلك الأشكالَ الرقابية الجديدة (جلسات الاستماع إلى تقارير بعض الهيئات الدستورية، تقييم السياسات العمومية،...) يلزمها نصيب من الزمن البرلماني؛ كما أن الدستور منح المعارضة نصيبها من عمل المؤسسة التشريعية؛ فماذا تبقى من الزمن البرلماني؟ - هل الهدف هو «حجز» حيز زمني مسبق للحكومة؟ أعتقد أن إرسال المخطط التشريعي للحكومة إلى البرلمان يدخل في هذا الإطار. ورغم «نبل» الفكرة، فإنها تدخل في خانة المزيد من التضييق على حرية البرلمان من اتخاذ المبادرات، من جهة، وقطع الطريق على مقترحات القوانين، من ناحية أخرى. لقد جرت العادة في العمل البرلماني على أن تتاح الفرصة لأعضاء مجلسي البرلمان للتقدم بمقترحات قوانين، إلا أن هذه الممارسة الجديدة، المتمثلة في وضع مخطط تفصيلي، ستقطع الطريق على هذه المبادرات الذاتية، وهكذا يصبح من حق الحكومة، ابتداء من الآن، أن ترفض أي مقترح قانون يتناول مجالا يدخل ضمن المخطط التشريعي، مع العلم بأن الدستور في الفصل 78 سوَّى بين رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان في التقدم باقتراح القوانين. فماذا تبقى لأعضاء مجلسي البرلمان والفرق والمجموعات النيابية؟ إن وجهة النظر هذه لا تعني، بأي حال من الأحوال، مصادرة حق الحكومة في تنظيم عملها الداخلي في مختلف المجالات، بما في ذلك الجانب التشريعي، لكن في نفس الوقت دون مصادرة حق البرلمان والتقليص من هامش تحركه وبشكل مسبق.