ما هو الأمن القضائي؟ ما هو الأمن القانوني؟ ما هي العلاقة بين الأمن القانوني والأمن القضائي؟ ما هي علاقة السلطة القضائية والقضاة بالأمن القضائي؟ وبالأمن القانوني؟ في مفهوم الأمن القانوني إن الأمن القضائي له علاقة وطيدة بالأمن القانوني، معظم التشريعات المقارنة لم تعرف مفهوم الأمن القانوني، سواء كان تشريعا أساسيا (الدستور) أو تشريعا عاديا (القانون)، ولذلك فإن تحديد المفهوم ينطوي على عدة مخاطر نظرية قد يصعب معها تعريفه بشكل دقيق؛ وذات الأمر ينطبق على الأمن القضائي، لهذا فإن تعريفه ذو مصدر فقهي، اعتمد على مجموعة من المبادئ والحقوق، يجب أن تسود أو تضمن في القوانين بشكل لا تتعارض فيه مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وأهم هذه المبادئ هي: مبدأ المساواة، وضوح القاعدة القانون، عدم تناقض النصوص القانونية، استقرار العلاقات التعاقدية، الطابع التوقعي للقانون، احترام الحقوق المكتسبة، احترام المراكز القانونية، عدم رجعية القوانين، احترام مبدأ الثقة المشروعة. ولقد أكدت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان أن القانون يجب أن يكون توقعيا وسهل الولوج، وهو ذات المبدأ الذي أكد عليه مجلس الدولة الفرنسي في تقريره لسنة 2006، وكذا المجلس الدستوري الفرنسي في قراره الصادر بتاريخ 29/12/2005، تحت عدد DC491-99، الذي أعاد التأكيد على أهمية الولوجية والوضوح في القواعد القانونية. في ضمان الأمن القانوني إن ضمان أو تحقيق الأمن القانوني يعتبر المدخل الأساسي والمركزي لتأمين الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، وهو ما يقتضي دسترة مبدأ الأمن القانوني، وهو الاتجاه الذي أخذت به بعض الدساتير، ومن أهمها الدستور الألماني الذي أكد على مبدأ الأمن القانوني منذ الستينيات من القرن ال20؛ وهو ما أخذت به أيضا المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، وكذا مجلس الدولة الفرنسي، والمجلس الدستوري الفرنسي؛ لكننا لا نجد في الدستور الفرنسي أو في الدستور المغربي ما يرجح هذه الفرضية، ولا في القوانين الوطنية. وهكذا فإن المحاكم الدستورية أو المجالس الدستورية هي من يتولى وظيفة ضمان الأمن القانوني، إلى جانب المحاكم الأخرى، تبعا لنظام الرقابة المعتمد على دستورية القوانين من عدمها، والتي قد تكون قبلية أو لاحقة، مركزية أو قضائية. في مفهوم الأمن القضائي لم تعرف الدساتير السابقة لدستور 2011 مفهوم الأمن القضائي، وهو ذات التوجه الذي عكسه دستور 2011 أيضا، لكنه أشار في الفصل 117 «يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون». وأضاف الفصل 115 منه «حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون».. «كل قرار اتخذ في المجال الإداري، سواء كان تنظيميا أو فرديا، يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة». يستخلص من أحكام الدستور أنه أكد على أهمية الأمن القضائي، لكنه لم يورد تعريفا للمفهوم، كما لا نجد له تعريفا في الاجتهاد القضائي المغربي؛ وبالمقابل، فإن الملك محمد السادس، بوصفه رئيس للدولة، شدد في خطاب العرش بتاريخ 30/07/2007 على أنه «يتعين على الجميع التجند لتحقيق إصلاح شمولي للقضاء لتعزيز استقلاله الذي نحن له ضامنون (الفصل 108 من الدستور)، هدفنا ترسيخ الثقة في العدالة وضمان الأمن القضائي الذي يمر عبر الأهلية المهنية والنزاهة والاستقامة وسبيلنا صيانة حرمة القضاء وأخلاقياته ومواصلة تحديثه وتأهيله». إن الملك أكد على مبدإ الأمن القضائي، الذي تعود جذوره إلى فترة التأسيس لمبدأ فصل السلطات مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن عقب الثورة الفرنسية في 1789، ومع نظرية مونتيسكيو، في كتابه روح القوانين، الذي ناهض تجميع السلطات في يد سلطة واحدة، ودافع عن توزيع السلطات بهدف حماية الحقوق والحريات. لقد عرف جانب من الفقه الأمن القضائي بأنه يعكس الثقة في السلطة القضائية وفي القضاة، بالاطمئنان إلى ما يصدر عنهم من أحكام وقرارات وأوامر قضائية، لأن القضاء هو الجهة الوحيدة المخولة لها حماية الحقوق والحريات من أي خرق مهما كان مصدره، وكذا إقامة التوازن بين حق المجتمع في الحماية والأمن، وحق الفرد في محاكمة عادلة. إن وظائف القضاء متنوعة، وتتجلى أهميتها في ضمان الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، بحماية استقرار المعاملات وتوفير مناخ قضائي يطمئن إليه المستثمرون، وكذا حماية الأفراد من تفشي الجرائم. ويستخلص مما ذكر أن الأمن القضائي تعبير كاشف عن مدى ممارسة الفرد لحريته بكافة أشكالها: حرية التعبير، التنقل، الشفافية في الصفقات العمومية، قوانين استثمارية عادلة، حماية العمل السياسي، تامين مبدأ الثقة في القضاء والقضاة. ويفهم من الدستور أن السلطة القضائية هي المصدر الأساسي للأمن القضائي، يتولاه القضاة، لأن الأمن القضائي يتحقق عند شيوع الثقة في القضاء (مؤسسة وقضاة)، التي تعكسها استقلالية السلطة القضائية (الاستقلال العضوي) واستقلال القضاة (الاستقلال الشخصي)، جودة الأحكام، سرعة الفصل في النزاعات، تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإدارة، لأن الغاية من الأمن القضائي هي ضمان سيادة القانون للإسهام في التنمية الاقتصادية والسلم الاجتماعي، اعتبارا لكون المستفيد من الأمن القضائي هو المجتمع والدولة. إن مناط السلطة القضائية هو تطبيق القانون. ولتأمين الأمن القضائي من طرف القضاء، يتعين وجود منظومة تشريعية متكاملة، متلائمة مع التشريعات الدولية ومتطابقة مع مقتضيات الدستور. ولقد اعتبر المؤتمر الثاني لرؤساء المحاكم العليا العربية أن الأمن القانوني مفهوم واسع يختلف من دولة إلى أخرى لاختلاف الأنظمة القانونية، ولأن الغاية من القانون هي تحقيق الأمن بمفهومه الواسع (الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي،... إلخ). الأمن القانوني والأمن القضائي مبدآن أساسين في دولة القانون من المعلوم أن القاعدة القانونية يجب أن تكون واضحة، دقيقة، توقعية، غير منفصلة عن مبدأ الحق؛ ففي فرنسا يعتبر الأمن القانوني ضرورة في دولة القانون. أحيانا تشكل القوانين مصدر للأمن القانوني عندما تكون متضخمة، وهذا ما أشار إليه تقرير مجلس الدولة الفرنسي سنة 1991، خاصة عندما نكون أمام نصوص قانونية رديئة؛ كما أن إصدار قوانين تتسم بالرجعية تشكل أحد أسباب اللاأمن القانوني، وهذا ما يخالف مقتضيات المادة 2 من القانون المدني الفرنسي، وهو المبدأ الذي تبناه المجلس الدستوري الفرنسي بقوله إن المشرع بإمكانه اتخاذ تدابير رجعية في سائر القوانين باستثناء المادة الجنائية، لكن شريطة إثبات أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، لأن أمر رجعية القوانين مخالف للشرعية. علاقة القضاء بالأمن القضائي إن من أسس ومبادئ دولة القانون التقيد بمبدأ الشرعية الذي يقتضي استقلالية القضاء وإخضاع الكل، حاكمين ومحكومين، لسلطة القضاء، بإعمال مبدإ أن المسؤولية تقتضي المساءلة. إن القاضي ملزم بتطبيق القانون، وكل إخلال بذلك هو مساس بالأمن القضائي، وكذا الأمن القانوني. واستقلال القضاء يجب أن يكون عن سائر السلطات (تنفيذية وتشريعية وغيرهما)، وعن جميع العلاقات الشخصية المؤثرة، وعن جميع مجموعات الضغط، وعن التجاذبات السياسية أو المذاهب الفكرية أو الدينية. إن التصرفات المعيبة للقاضي وانحراف القضاء عن تحقيق العدل هو إخلال جوهري بالأمن القضائي، لأنه يمس بالمصلحة العامة، وهو ما يتطلب ضرورة تخليق القضاء. مظاهر الأمن القضائي من أهم مظاهر الأمن القضائي ضمان قيام استقلال القضاء واستقلال القضاة، بما يؤكد توفر الشروط الدستورية والقانونية للاستقلال العضوي وللاستقلال الشخصي والاستقلال المالي والإداري والمؤسساتي. إن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، لأن الدولة يجب أن تخضع للقانون، ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقيع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. إن أهم مظاهر الأمن القضائي والأمن القانوني هو عدم التنصيص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء. كما أن الأحكام القضائية يجب أن تنفذ، وكل تعطيل لتنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين هو جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون. وللمحكوم له في هذه الحالة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة. من المعلوم أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفق القانون، وهذا ما يتعين أن يتحقق مع المحاكم المغربية.