قطع وزير التربية الوطنية الشك باليقين، حول مسألة تدريس الأمازيغية بالمؤسسات التعليمية، عندما شدد على كون هذه القضية تعتبر اختيارا استراتيجيا لا رجعة فيه، يندرج في إطار تنزيل مقتضيات الدستور الجديد، الذي يسعى إلى ترسيخ الهوية الحضارية المغربية بمختلف مكوناتها و روافدها، إلا أن مسألة تنزيل مشاريع تدريس الأمازيغية لازالت تعرف العديد من المشاكل والمعيقات، التي نطرحها من خلال هذا الموضوع، انطلاقا مما سجله أساتذة خاضوا تجربة التكوين و تدريس الأمازيغية، وكذا شهادة المفتشة أغيغة التي له تجربة في هذا المجال . إسهاما منا في النقاش الدائر حول مدى نجاعة التجربة وكذا تنبيه المسؤولين لتجاوز معيقاتها. حين أكد وزير التربية الوطنية محمد الوفا، مؤخرا، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال في مجلس النواب، أنّ موضوع تدريس الأمازيغية في المؤسسات التعليمية يعَدّ خيارا إستراتيجيا لا رجعة فيه، مرتبطا أساسا بتنفيذ مقتضيات الدستور الجديد، وكذا اعتبارا لما يمثله هذا الأمر من ترسيخ للهوية الحضارية المغربية، بمختلف مكوناتها وأبعادها وروافدها، يكون الوفا قد قطع الشكّ باليقين حول هذا الموضوع الحساس، الذي يُسيل مدادا كثيرا في كثير من الأحيان، خاصة إذا صدرت بعض المواقف أو التصريحات من بعض مكونات المجتمع في إطار النقاش الدائر حول قضية الأمازيغية وتدريسها. كما شدّد الوفا على كون تدريس اللغة الأمازيغية يأتي باعتبارها لغة وطنية تحمل ثقافة وطنية وحضارة عريقتين وباعتبارها لغة مُتداوَلة على أوسع نطاق عبر التراب الوطني. في هذا الاتجاه، ومساهمة منا ضمن «الملحق التربوي» للجريدة في دعم النقاش الدائر حول عملية تنزيل المشاريع والبرامج المتعلقة بتدريس الأمازيغية في المؤسسات التعليمية المغربية ونقْلِ ما سجله أساتذة ومؤطرون خاضوا تجربة التكوين في تدريس اللغة الأمازيغية في الأقسام داخل عدد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أفاد بعض هؤلاء أنّ عملية تنزيل مشاريع تدريس الأمازيغية ليست الطريق أمامها مُعبَّدة، وأنّ عمليات التكوين، المرتبطة أساسا باستفادة أساتذة ممارسين في القسم من دورات تكوينية تؤهلهم إلى تدريسها، لم ترْقَ إلى المستويات المطلوبة في نظرهم، وأن بعضها عرف احتجاجات من طرف الأساتذة، بلغت حدّ الرفض في بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، للمطالبة بصرف تعويضات خاصة بهذا التكوين، خاصة أنهم يضطرون إلى التنقل من مناطق مختلفة لحضور دورات التكوين تلك.. كما أنّ عددا منهم لم يتجاوب بالشكل الذي كان منتظرا في تدريسها داخل الأقسام، معتبرا أنها مادة «إضافية» تتطلب صرف تعويضات خاصة، وهو الأمر الذي رفضته الجهات المعنية، معللة الأمر بأنه لم يتم إضافة ساعات أخرى إلى ساعات عمل الأساتذة القانونية، بل اجتزئتْ فقط حصصٌ من داخل الحصص المُسطَّرَة لتدريس الأمازيغية، ومنهم من طلبوا إسناد مهمة تدريسها إلى أستاذ واحد متخصص في كل مؤسسة أو في المؤسسات المتجاورة.. وقد أكد المتحدثون إلى «المساء» عن عزوف وتراجع من طرف الأساتذة الراغبين في الاستمرار في تلقي التكوينات وتدريس الأمازيغية بكثير من النيابات والأكاديميات، وحتى إنْ عبّروا عن رغبتهم في البداية سرعان ما يتراجع عن ذلك، معتبرين أنّ المهمة إضافية وغير مُحفِّزة بالنسبة إليهم، فيما ذهب آخرون إلى ضرورة بناء العملية من مراكز مهن التربية والتكوين وتخصيص شعبة خاصة لتكوين أساتذة متخصصين في مجال تدريس الأمازيغية داخل المؤسسات التعليمية. وقال هؤلاء، في تصريحات متطابقة، إن جولة بسيطة على المؤسسات التي يتم فيها تنزيل هذا المشروع ستؤكد للمسؤولين أن الأمور لا تسير كما تم التسطير لها، بسبب الإكراهات المختلفة التي تعترض التنزيل السليم للعملية، خاصة في العالم القروي. من جانبها، قالت رقية أغيغة، مفتشة التعليم الابتدائي والمشرفة على مشروع تدريس الأمازيغية في إحدى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، «إن مشروع تدريس الأمازيغية في المدرسة العمومية انطلق منذ 2003 و2004، وكانت البداية -على الأقل- بمؤسستين في كل نيابة، خاصة ف المستوى الأول، وكانت تصْدر مذكرات منظمة لعمليات تنزيل هذه العملية، بلغت حد التأكيد على تعميم تدريسها في باقي المستويات التعليمية.. وانخراط الأستاذ في هذه العملية مقترنٌ أساسا بتعبيره عن رغبته في تدريس الأمازيغية والاستفادة من التكوين لإدراج اسمه ضمن خريطة الأساتذة المُدرّسين للأمازيغية في كل نيابة، واستمررْنا في هذا الأمر مدة، لكننا اكتشفنا أنّ الأستاذ وجد صعوبات في تدريس الامازيغية فوق المواد التي يُدرّسها، فشرعنا في المطالبة بالأستاذ المتخصص في تدريس الأمازيغية.. لكنْ، للأسف، ما زالت بعض الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لم تستجب لهذا الأمر، رغم نجاح التجربة في عدد من الأكاديميات، وكان تصورنا في هذا الاتجاه يسعى إلى تكوين أساتذة متخصّصين يقومون بتدريس حصص الأمازيغية فقط لكافة المستويات المتواجدة في المدرسة وفق استعمال زمن خاص بهم، على أن يقوم أستاذ القسم في تلك الحصة بأنشطة أخرى موازية داخل المؤسسة بتنسيق مع المديرين، رغم أنّ هناك صعوبات تتعلق أساسا بتنقل الأساتذة المتخصصين، خاصة في العالم القروي، واقترحنا حلولا في هذا الأمر، لكنها ما زالت تراوح مكانها». وأضافت أغيغة أنّ هناك تجارب ناجحة في بعض المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، التي تم فيها إسناد مهمّة تدريس الأمازيغية إلى الطلبة الأساتذة الذين سيكونون مُلزَمين بتدريسها بأقسامهم بعد التخرج. وقالت أغيغة إنها ما زلت تطالب بتخصيص شعبة خاصة بتكوين أساتذة مُتخصّصين في تدريس الأمازيغية، وسجلت -بأسف- تكوينَ أساتذة ممارسين من 15 يوما من التكوين في تدريس الأمازيغية، «يُهملون» تلاميذهم طيلة هذه المدة، وبعد الانتهاء من فترة التكوين يعتذرون عن تدريسهم الأمازيغية بدعوى أنهم لا يستطعوا تدريسها ويطلبون الإعفاء من هذا الأمر، رغم أنهم عبّروا في البداية عن رغبتهم في الاستفادة من التكوين وعن استعدادهم لتدريسها.. ولم تنفِ أغيغة وجود تجارب ناجحة لبعض الأساتذة الذين تجاوبوا مع تدريس الأمازيغية بشكل جيد، كما طالبت هذه المفتشة بتوفير الكتب والمراجع المتعلقة بتدريس الأمازيغية في السوق، «لأنها غير متوفرة في عدد من الجهات». كما تساءلت عن أسباب توقيف التكوين المستمر في مجال تدريس الأمازيغية، خاصة للمُمارِسين حاليا.