لقد حل «اليوم العالمي للمرأة» كما حلت قبله أيام وتوارت أخرى تاركة وراءها حناجر نساء بحَّتْ، ولافتات كُتبت، وقلوب أُدْمِيَتْ، وحقيقة غائبة عن الباحثات عن الحرية والمساواة والكرامة. لقد حملت نساء في أقصى الكرة الأرضية «كَفَنَ» العائلة في حروب قذرة صنعتها يد السياسة وتلقفها سماسرة الأسلحة، فيُتِّمَتْ ورُمِّلَتْ وثُكِّلَتْ... لقد انسابت الدموع كطلقات محارب على وجنتيها حتى جفت مدامعها وخرج صوتها عويلا وصراخا وأنينا وهي تحصي قتلاها، ترثي حالها وحال الوطن... وفي الجهة الأخرى، هناك شبيهات نساء يحملن أشباه أطفال وينتظرن قيام الساعة ويوم الحساب... أجساد فلذات أكبادهن قد نخرتها الأمراض والمجاعة واتسع بؤبؤ أعينهم لكي يقول للعالم «ما زلنا هنا»، لم يتبق لهن من الأنوثة والكبرياء شيء... كان قدرهن أن يولدن وليست في أفواههن ملاعق من ذهب ولا لقمة عيش، وأن تتحد الجغرافيا والبيئة والحروب الأهلية لتعطينا جيلا من المشردين، الجائعين، الخائفين... قد غدا حقلا للتجارب الطبية والبيولوجية بدلا من الجرذان والضفادع التي انتصبت جمعيات الرفق بالحيوان للدفاع عنها. لقد ماتت فينا القيم والأخلاق، ويبست فينا عروق الكرم والإخاء، وأصبحت «المصلحة» عشيقتنا التي كنا ننكر يوما وجودها، نمشي معها جنبا إلى جنب، بعد أن طلقنا بالثلاث مبادئنا وأخلاقنا... أتى العيد لم تتزين المرأة ولم تكحل عينيها ولم تخضب بالحناء يديها، فهذا العيد ليس عيدها ولا اليوم يومها، إنه إسكات لصوتها.. فكيف تحتفل بالعيد وقد نزعوا الابتسامة من على وجهها والفرحة من قلبها والحليب من ثديها، لن تتلقى الورود ولا الهدايا ولا بطاقات التهاني... فتحت قدميها زرعت الأشواك والألغام... أيتها الباحثة عن الحرية.. فللحرية عندك مفاهيم عديدة: عند بعضكن حرية الرأي والفكر، ونبذ للعنف والموروثات القديمة. عندما كانت المرأة عبارة عن عورة من رأسها إلى أخمص قدميها... كلامها عورة والأخذ برأيها فقدان للرجولة والتعبير عن أحاسيسها خروج عن الأعراف والتقاليد؛ لقد كانت مصنفة في خانة الممتلكات مثلها مثل الأنعام والأبقار وأكياس الذهب والدنانير، والجميلات فقط من ابتسمت لهن الأقدار في ذلك الزمن الأغبر ليتدرجن في مراتب «الحريم» من الجارية إلى المحظية، إلى الحليلة، أما القبيحات (في نظر الآخر) فحظهن كان أسوأ ومكانهن الخدمة والسقي.. وشكرا للقدر الذي لم يضع عالمة الفيزياء ماري كوري ولا المفكرة نوال السعداوي أو السياسية أنديرا غاندي (والقائمة طويلة جدا من النساء العظيمات...) في أيدي النخاسين إذن لكن أصبحن في خدمة أسياد مخهم يساوي مخ بعوضة... هناك أخريات يبحثن عن الحرية عند غروب الشمس، وما بين الأرصفة وطاولات الفنادق يتمنين ألا تشرق الشمس أبدا، ففي شروقها قطع لأرزاقهن ووأد لأنوثتهن، يدافعن عن مجتمع خال من المشردين والمرتشين والمدمنين والبخلاء.. حيث لا صوت يعلو على صوت أكعاب أحذيتهن وهن يترنحن في مشيتهن. أيتها المرأة العظيمة أنت كائن غريب الأطوار، تلعبين جميع الأدوار في مسرحيات الحياة العديدة تتدخلين في الإخراج والديكور والمونتاج، وأحيانا أنت مجرد كومبارس يقبع في إحدى الزوايا ينتظر التفاتة من مخرج أو منتج. أنت من ألصقت بك أول جريمة: إغواء آدم بأكل التفاحة فغيرت مجرى الحياة والطبيعة وأنزلت البشرية إلى كوكب الأرض ليعيش معذبا ويعيث في الأرض فسادا، أنت من حملت في رحمك النقيضين هابيل وقابيل ومن تربى بين أحشائك العظماء والحكماء والطغاة والجبابرة فعاتبوك بسبب سوء تربيتك.. أنت من هي الجنة تحت أقدامها ومن جهنم ملئت بجنسها، أنت الفاتنة في قصص سندريلا، والعجوز الساحرة، وأمنا الغولة. إلهة الحكمة والحب والجمال عند الإغريق والرومان وبلقيس وشجرة الذر وماري أنطوانيت ووصمة عار على جبين حكام، سُحبت الكراسي الوثيرة من تحتهم بسببك. أنت الخطيئة بعشقك والعفيفة عند أول مأذون، مغارة علي بابا والدجاجة التي تبيض ذهبا وصندوق التوفير الأبيض الذي ينفع في اليوم الأسود عند البخلاء، وسارقة المناصب وحجر العثرة أمام نجاح الآخرين وهم القوامون عليك... هام من أجلك الشعراء وجن العقلاء وجعلت قيس شاعرا وسقراط فيلسوفا والكافر مسلما ومن ارتدت على يديها أقوام بحثا عن أوراق إقامة في بلدان أعجمية... أنت أيقونة الحياة والقلب النابض في جسد ميت، ضلع أعوج وكائن ناقص وأنت نصف المجتمع حينا والربع أحيانا حين يطمع الأخر في ربعك..أنت بداية الزمن الجيولوجي الرابع والوقت الضائع عند الانتهازيين والشوط الأخير في مبارة مملة وفاشلة. تتحكمين في كل شيء بجاذبيتك! إذن فأنت أمّنا الأرض وأنت الكون بمجراته والوجود والعدم، أنت من صمتك حكمة وصوتك عورة وثورة وكلامك ثرثرة... أنت من لعبت بها الأقدار لترمى على رصيف الحياة تندب حظها، ومن لعبت هي بالأقدار وتسلقت سلالم المجد والشهرة بحبال طرزان ومصباح علاء الدين، أنت بحر عميق أعمق من حفرة ماريانا هادئ وجميل يقذف طحالب وسرطانات البحر، وفي بعض الأحيان جثث بحارة قد وضعهم حظهم العثر بين أمواجك... أنت من قامت من أجلها حروب ( طروادة، البسوس،..) ومن داست عليها حروب وتركتها جثة هامدة، المتهمة دون أن تثبت إدانتها والضحية التي تحمل وزر جلادها، يا من تحاكم من أجل مفاتنها وأنوثثها الزائدة، أنت عورة في عيون الماجنين، ضريبة على الدخل عند البخلاء، شر لا بد منه في عيون من يريدون إتمام نصف دينهم، أنت حائط المبكى الذي يتكىء عليه رجل ويعترف بندمه على الزواج الأول... فتواسيه. أنت السعادة والتعاسة التي تبدأ بشهر عسل وتنتهي بأشهر العدة.. أنت العنكبوت التي تغوي الضحايا بخيوط من الحرير وترمي بقاياهم دون أدنى رحمة. أنت من تحمر وجنتاها خجلا حين كان الخجل سمة ومن تُحَمِّرُ وجنتاها لكي تساير الموضة، وحدت بين القبائل بزواجك وفرقت بين الأسر بشعوذتك وسحرك، يا من جعلت التسامح في لباسك وأنت تجمعين بين جينز الأمريكان ووشاح الأفغان. أنت عظيمة وأنت تقودين طائرة أو باخرة، وساذجة حين تصدمين سيارتك فتبحثين عن رقم تلفون قد يكون لأب أو زوج أو أخ... أنت من ترتعد فرائصها حين يمر فأر تعيس بقربها، وتنتفضين كطائر الفنيق الذي ينبعث من رماده حين يصلك صراخ طفلك مع أطفال الجيران، فتشحذين لسانك وتتأبطين شرا... أنت جرة قلم أمام قاضي الشقاق ووصمة عار حين تأخذين القرار، أنت الأنثى التي ظلت دوما أنثى والخنثى التي دخلت رغما عنها معترك الرجال نصيحة: إبحثي عن الحرية بعيدا عن نصفك الآخر لأنه قد أضاعها في لحظة غفوة، استفاق منها ليجد عالما جديدا ومتناقضا فيبحث عن يوم يخلده أيضا قبل أن يطاله النسيان... ولنتذكر قول المتنبي: فما التأنيث للشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال