مرة أخرى، تعزف أحزاب، من الأغلبية والمعارضة، سمفونية التزوير في الانتخابات التشريعية الجزئية التي جرت في خمس دوائر انتخابية، وتبودلت الاتهامات بين الفريقين حتى اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد يعرف من زور لمن. لقد مرت الانتخابات التشريعية الماضية، التي دفعت بحزب العدالة والتنمية إلى واجهة التدبير الحكومي، وسط تثمين جميع الأحزاب، ولم يفتح أحد، وقتها، فمه بالحديث عن خروقات أو تزوير لهذا الطرف أو ذاك. كان الربيع العربي وتداعياته، مغربيا، دافعا للطبقة السياسية كي تلوذ بلغة الإجماع. واليوم، حين بدأت الورود تذبل، عادت اللغة القديمة لتحتل مكانها السابق، حتى إن ما قيل عن أساليب تزوير في مناطق محدودة وفي ظل مشاركة في حدها الأدنى، فاق ما قاله مالك في الخمر. إن هذا يعني أحد شيئين، فإما أن «داء العطب مقيم» ومن ثم وجب قطع دابره بإجراءات مستعجلة، بالتحقيق العاجل في كتيبة التزوير المتهمة، والتي تدعي أحزاب أنها أفسدت اللعبة الانتخابية؛ وإما الإقرار، رسميا، بأن «سنة التزوير» هي ركن ثابت في الحياة السياسية المغربية، وأنها الملح الذي يغذي الخرائط ويخفف من نزول «المقادير» ويجعل الخريطة الانتخابية تحت الضبط وخارج كل مفاجأة غير محسوبة العواقب. وفي الحالتين معا، فإن تركيز الاتهامات من طرف الأحزاب المشاركة في الانتخابات حول «عودة التزوير»، يجعل المغرب لا يتقدم خطوة إلى الأمام في اتجاه الشفافية، ويعطي صورة تقريبية لما يمكن أن تكون عليه الانتخابات الجماعية المقبلة، حيث يجد المال وغيره العش المناسب للتفريخ. فما هو الحل؟ وأين هو عمل الأجهزة والمراصد وجمعيات المجتمع المدني؟ وكيف ستقنع الأحزابُ الناخبين بالذهاب للتصويت لفائدتها، وهي السباقة إلى رفع العقيرة بالشكوى من تحريف إرادة الناخبين والحجر عليهم وتهريب الصناديق لصالح جهات أخرى، وهذا هو بيت القصيد؟