لأن «الوجه المشروك ما يتغسل»، فقد تابع المغاربة باستغراب السرعة التي انفرط بها عقد السبحة بين يدي الأغلبية مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الجزئية الأخيرة، ولم يفهم حتى الآن كيف لحكومة بأغلبية أكثر من مريحة في البرلمان أن تتقاتل في ما بينها على فتات من خمسة مقاعد على المائدة السياسية ويتهم بعضها بعضا بالتزوير. وقد أحيانا الله بعد وفاة السي إدريس البصري إلى أن عشنا التزوير في زمن بنكيران، وفي سطات بالتحديد، وكأنهم يقولون لنا «واش ما توحشتوش التزوير؟». وحده السي حميد شباط كان بليغا فصيحا في توصيفه لنتائج هذه الانتخابات الجزئية حين قال إن «الرابح فيها هو وزارة الداخلية». ولعلها المرة الأولى في تاريخ التزوير الانتخابي الوطني التي نسمع فيها بأنه عُثر على أن مهاجرين خارج أرض الوطن كانوا من بين المصوتين على مرشح حزب وزير الداخلية في سطات؛ فحتى في زمن البصري، الذي كان أعوان السلطة يكتفون فيه بفتح صندوق الاقتراع وملئه بما شاؤوا قبل إحالته على عملية الفرز واحتساب الأصوات، لم نكن نسمع بأن الحملات الانتخابية كان يستعمل فيها النشيد الوطني حتى سمعنا ذلك وشاهدناه في سطات وفي حضرة وزراء من حزب وزير الداخلية. وليس حزب وزير الداخلية العنصر فقط من استعمل الرموز الوطنية، من خلال النشيد الوطني، في حملته الانتخابية في سطات، بل حتى السي عبد الإله بنكيران كان يقدم، عبر حوارييه في الحزب، فواصل دينية بين خطبة وأخرى، وقد شاهدناه وسط بسطاء المواطنين بينما حواريوه أولئك يصيحون فيهم بصوت عال في مكبرات الصوت بقولهم: «تكبير»، فيردون عليهم: «الله أكبر»، حتى اختلطت علينا الحملة الانتخابية بحملة طواف الإفاضة. وبنكيران، الذي أصبح يخطب في الناس متوعدا متهجما بيديه وقسمات وجهه، أضحى يشبه في ذلك الراحل عبد الله غيث وهو يؤدي دوره في فيلم «الرسالة» وليس رئيس حكومة مفروض فيه التحلي بخصال رجل الدولة وليس رجل الحزب. وحتى الآن، يبدو أن سكن بنكيران في بيت الحكومة لم يجعل منه رئيس حكومة لكل المغاربة؛ فالرجل لازال يتصرف كزعيم حزبي ودعوي يوزع توصياته حتى على الذين لا يحملون بطاقة الانتماء إلى العدالة والتنمية. وكما قال المغاربة «الزيارة زار والقفزة مازال فيه»، فلا زال بنكيران يحن إلى زمن اليد المطلقة على الحزب، والحال أنه مؤتمن اليوم على مصير وطن وليس على مصير جماعة داخل مقر حزبي. وحتى حين يلاقي بنكيران كبار المسؤولين الأجانب ورؤساء الدول لا نعلم ما إن كان يصغي إليهم ويحدثهم ويدافع عن مصالح المغرب ووحدته الترابية أم يسبح أم يزاوج، بقدرته العجيبة على ذلك، بين التسبيح لله والتوجه بالكلام إلى العبد؟ وحتى الآن، أطلعنا بنكيران فقط على التصريح الخاص بممتلكات الوزراء، في حين أن من حق المغاربة أن يطلعهم رئيس الحكومة كل سنة على الأقل على بيان طبي شامل عن وضعه الصحي، لأن السي عبد الإله، الذي يمضي وقته داخل البرلمان وفي التجمعات الخطابية في قمة انفعاله وغضبه وصياحه وتهجمه على المخلوقات الحيوانية التي تتراءى له لوحده، أصبح في وضع صحي يستدعي طمأنة المغاربة عليه. وإذا «كان حتى ثور ماعياوه قرونو»، فإن القرون التي يضعها شباط فوق رأس الحكومة أصبحت متعبة ومنهكة لصحتها، خاصة بعد أن قال شباط أمس إنه سيستمر في دار العرس مع بنكيران حتى 2016، موعد الطلاق و»ترياب الخيمة». وحين نعلم بأن المغاربة دعوا ذات زمان بالمثل الشعبي «نقضيو بالتقعقيعة على ما يجب الله التبعبيعة»، نفهم خروج القيادي في العدالة والتنمية أفتاتي ليقول إن مرشحين في سطات رموا 3 مليارات سنتيم من النوافذ من أجل الحملة الانتخابية الجزئية، لنتأكد معه أن إدريس البصري لم يدفن بعد أو، على الأقل، هناك من أراد أن يذكرنا به على سبيل التكريم، في زمن حكومة التسبيح.