حسنا فعل رئيس حكومتنا حين رفع التكلف عن نفسه وبدأ، «واخا شوية حشمان»، في تحديد هوية العفاريت والتماسيح وكل المخلوقات المبنية للمجهول التي رأت النور مع عهده. بنكيران رفع الحرج وعرى قليلا المخفي في كلامه بعد أن أتحفنا لشهور بسياسة «عيني فيه وما قديت عليه»، والآن فقط فهمنا أن المعطلين والصحافيين والنقابيين هم رأس الحربة الذين يشوشون على عمل الحكومة، بالرغم من أن عملها الأول والأخير منذ ميلادها هو الزيادة في الأسعار، أما الفساد والاستبداد فقد أوكل بنكيران مهمة محاربتهما إلى النية الحسنة، نيابة عنه. فالمتابع لجميع طلعاته البهية في تجمعات الانتخابات الجزئية الأخيرة وعلى مقربة عام ونصف من عمر حكومته، يستطيع أن يستنتج بلا عناء أن السي بنكيران لا يزال ينوي محاربة الفساد، وقد كان ذكيا حين اختار شعار إسقاط الفساد والاستبداد للوصول إلى الحكومة، ثم صار أذكى بعدها مباشرة حين استدار نحو المثل الشعبي «دير النية وبات مع الحية» للتعايش مع غيران الفساد. والآن، نكتشف أن الصحافة والمعطلين والنقابيين المضربين أصبحوا، على عهد بنكيران، الثالوث المعني بالإسقاط والمحاربة، وليس الفساد والمفسدين كما وعد بذلك بنكيران المغاربة عشية الربيع العربي. وفي التجمع الانتخابي الأخير في سطات، اكتشف المغاربة أن لديهم رئيس حكومة عوض أن يوزع منجزات ومشاريع حكومته على الشعب، فضل في المقابل إعطاء الدروس للفتيات في «التزغريد». ولما حاصره العاطلون عن العمل من الشباب وطالبوا برحيله، خاطبهم بنكيران بقوله: «بعدو لهيه وغوتو». وعوض أن يفي رئيس الحكومة بالتعهدات التي التزمت بها الحكومة السابقة كتابيا والمتمثلة في توظيف هؤلاء المعطلين، قال لهم في سطات: «قولو ليا شكون صيفطكم؟». وإذا «كانت يدّين الحرة في الطعام يدام ويدين الخادم جذام»، فإن بنكيران، الذي أبان عن ازدواجية عجيبة في التعامل مع التزامات حكومة عباس الفاسي، هو نفسه الذي قبِل بمشروع «التي جي في» بأعين مُغمضة، ولم يقل للفرنسيين الذين فازوا بالمشروع بدون منافسة «شكون صيفطكم؟»، كما قالها للمعطلين. غريب كيف يقول بنكيران لمعطلي بلده الذين التزمت حكومة الفاسي بتوظيفهم أن «لا عمل بدون مباراة»، بينما يبلع لسانه في مشروع «التي جي في»، الذي فازت به شركة «ألستون» الفرنسية بشكل مباشر وبدون صفقة عمومية، ولا يقول للفرنسيين «لا صفقة بدون منافسة». أما حكاية مطالبة رئيس حكومتنا المواطنين بالبصق في وجهه إن ضبطوا عليه «شي دغل»، فإنه فعلا لأمر غريب أن يدعو رئيس حكومة الشعب إلى القصاص بنفسه من السياسيين كما لو أن البلاد ليست فيها محاكم مستقلة باستطاعتها أن تحاكم الوزراء المفسدين. لكن يعلم الله كيف ستتعامل حكومة بنكيران، التي تحاكم الصحافيين وشباب 20 فبراير وترميهم في السجون بسبب أغنية تافهة أو قطعة حشيش رديء في الجيب، مع مواطن «طلعات ليه هاد الحكومة في الراس» فأخذ بوصية بنكيران وبصق في وجهه؟ و الحال أنه في أول يوم وضع فيه بنكيران ربطة العنق «بان العربون»، ومع أن «الجالس على الجرف خصو يكون عوام»، فرئيس حكومتنا فضل ربط عنقه على ربط عنق الفساد وتكبيله. واليوم، يقول إن وسيلته في إسقاط الفساد هي النية التي يعتبرها أبلغ من العمل، حتى صدق عليه اليوم لقب «رئيس حكومة النوايا الحسنة»، لأنه تبين بالملموس أن بنكيران، بعد أن دار عليه الحول في الحكومة، قبِل بتسلم بيت مليء ب»الرتيلا» دون أن تكون في حوزته «العزَّافة» الطويلة للوصول إلى العناكب. والسي عبد الإله، الذي يشكو الصحافيين والنقابيين والمعطلين إلى المواطنين ويقول لهم «كُولو ليهم ايتفرقو معانا»، نسي أن المغاربة قالوا قديما «إلى غلبوك بالجديد غلبهم بالصابون».