هي حكايات لنساء اتخذن من أرحامهنّ وسيلة لضمان حقهنّ القانوني في الإقامة في بلاد المهجر، موليات ظهورهن لما يمكن أن يُلحقنه بفلذات أكبادهنّ نتيجة استغلال براءتهم والتلاعب بها.. هنّ أمهات ادّعين إنجابهن من سفاح، رغم وجود أزواجهن الشرعيين، طمعا في تأمين لقمة العيش الرغدة في بلاد المهجر، حيث تمكن هذه الأخيرة الأم العازبة أو المطلقة من مجموعة من الامتيازات: الشقة، ثم الإعانات الشهرية التي تقدّمها لهن المؤسسات ذات الطبيعة الاجتماعية، حكومية أو غير حكومية. ووظفت نساء أخريات أرحامهنّ للحصول على طفل من أب غير شرعيّ لضمان الحقوق نفسِها، غير مباليات بما يلحقنه من أذى بأبنائهنّ، والذين يجدون أنفسهم، في ما بعدُ، ضحايا أمّهات انسلخن عن أعراف مجتمعهنّ الأصلي ليُتاجرن في أعراضهنّ وبراءة أطفالهن، الذين إما يتم تسليمهم لأسر أجنبية، بغرض تبنيهم، أو أنهم يجدون أنفسهم في الملاجئ من غير سند يرأف لحالهم، ولا حتى من ينصت إلى معاناتهم أو في يد شبكات تستغلّ براءتهم إما في الجريمة أو الدعارة. "المساء" رصدت محنة شباب وأطفال مهاجرين من خلال حكايات مغاربة زودتنا بها جمعية "حركة المغاربة الديمقراطيين القاطنين بالخارج"، تعددت تفاصيل حكاياتهم، لتتوحّد في كونهم ضحايا آباء وأمهات اتخذت من التحايل على قوانين البلدان المضيفة وسيلة لتحقيق حلمهنّ في الإقامة في بلاد الغربة والحصول على الإعانات والمساعدات المادية عند متم كل شهر، ولو على حساب حقوق غيرهم من "الأبناء"، وحتى نساء البلد الذي يقمن فيه. تتعدد وتتنوع مبررات النساء اللواتي فضّلن الاستثمار في فلذات أكبادهن من أجل الحصول على ما يعتبرنه امتيازا في بلاد المهجر، مما يجعل الطفل المغربي في هذه الأخيرة ضحية إكراهات اجتماعية متعددة، بدءا بتلك التي تطرحها كفالته بوصفه مهملا من قِبل أجانب في غياب قوانين صارمة لمتابعة الأسر المتكفلة ومدى رعايتها للطفل والحيلولة دون تعريضه لصعوبات ومخاطر مرتبطة بقسوة المعاملة وممارسة العنف، بكل أشكاله، وعدم التكفل بمتطلباته التعليمية والصحية، وتعرّضه للتنصير.. مرورا بالإشكالات القانونية والنفسية والشرعية التي يطرحها موضوع الأمهات المغربيات العازبات بالنسبة إلى الأبناء ممن يَدّعين أنهن كذلك أو مطلقات، ناهيك عن مختلف المشاكل التي يواجهها الطفل في حالة حدوث طلاق بين والديه، على مختلف المستويات (إثبات النسب والحضانة مثلا).. وخاصة في حالة الزواج المختلط، وصولا إلى المشاكل والصعوبات التي يعيشها الأطفال المغاربة المهاجرون سريا إلى أوربا على مستوى تعرّضهم لمظاهر مختلفة من العنف والتعذيب والحرمان من الحقوق والحاجيات الأساسية وتقييد الحرية والاعتداءات الجنسية والاستغلال الاقتصادي.. بعدما تنامت ظاهرة تدفق القاصرين المغاربة المهاجرين سريا نحو أوربا بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة. كما تزداد معاناة هذه الفئة مع الإشكالات التي تحيط بعمل مراكز الإيواء في أوربا من حيث تدبيرها شؤونها وبرامجها التربوية التي لا تستحضر الخصوصيات الثقافية والدينية للطفل المهاجر... مشاكل عديدة ومتشعبة عن أولئك الأطفال الذين اختارت أمهاتهنّ تحديد مصيرهم بأنْ جعلن من براءتهم وسيلة لتحقيق مآربهنّ في بلاد المهجر، ليجد الأبناء أنفسَهم حين بلوغ سن الرشد أو حتى قبله، وقد وسموا بعار الابن "اللقيط" حتى في وجود الأب الشرعي، ما دام لا يحمل اسمه وينتسب إلى أمه فقط، من خلال شهادات آباء حُرموا من حقهم في انتساب أبنائهم لهم وأيضا ضحايا هذا التحايل القانونيّ الذي قد يتم في أحيان كثيرة بالتوافق بين الأم والأب معا، والسبب الطمع في الإعانات الشهرية وأيضا في السكن. أبنائي لكن لا يحملون اسمي أبنائي لكن.. بهذه العبارة التي تعبر عن ألم أب مكلوم في أبنائه الثلاثة، حيث لا يحملون لقب والدهم الذي كان سببا في مجيئهم إلى الحياة، بدأ عزيز "حكايته"، حيث سلبته القوانين المخالفة للأعراف المغربية حقوقه في انتساب أطفاله إليه، جراء غضبه من زوجته وتعنيفه لها، بصفعة على خذها.. حرمته أجمل ما يتمناه كل أب في أن يحمل أبناؤه نسبَه باعتبارهم امتدادا له في حياته وبعد مماته.. في ذلك اليوم، يقول عزيز، حينما طلبنا شهادته في الموضوع بوصفه أحد المهاجرين الذين حُرموا من حقهم الطبيعي في حمل أبنائهم نسبَ آبائهم، غضبت كثيرا من زوجتي مغربية الأصل، كندية الجنسية، فقمت بلطمها على خذها، فأبلغ عني الجيران بدعوى أنني أعنّف زوجتي، فباشرت السلطات الكندية ترحيلي من كندا وحرماني من زوجتي لما يزيد على الثلاث سنوات، حيث كانت تزورني فقط في عطلتها الصيفية لتعود وهي حامل، وتلد في كندا وتسجل الأبناء باسمها على اعتبار أنها أم عازبة، لتستفيد من مجموعة من الامتيازات والحقوق التي تضمنها كندا للمرأة في مثل وضعيتها الاجتماعية، غيرَ مكترثة بما يمكنه أن يلحق بي، نفسيا على الأقل، جراء حرمان أطفالي من الانتساب إلى أبيهم الشرعي، دام الحال يواصل عزيز لما يزيد على أربع سنوات، حيث أنجبت زوجتي أبنائي الثلاثة، إلى حين عفو السلطات الكندية عني والتحاقي بأبنائي وزوجتي، التي تزوجتُ منها بعقد مغربي ووفق الدين الإسلامي والتقاليد المغربية، لأعيش معها وأبنائي وكأني خليل لها، بعد معاناة طويلة مع الترحيل الإجباري الذي تعرّضت له، عدت إلى كندا سنة 1997.. وكانت لديّ رغبة مُلحّة في تسجيل أبنائي في سجلات الحالة المدنية في المغرب، لكنّ والدتهم رفضت ذلك، ليظل أبنائي في وضعية الأبناء غير الشرعيين رغما عني، استجابة لرغبة أمهم في استمرار تمتعها بمختلف الامتيازات لكونها أما عازبة لثلاثة أبناء. الشقة.. مقابل نسب 5 أبناء دفع خمسة أبناء مغاربة ثمنَ طمع والديهم في الحصول على شقتين للسكن، وبدأت الحكاية حينما تحايَل الزوجان على القانون الهولندي بعدم تسجيل طفلهما البكر في الحالة المدنية وتسجيله باسم أمه بوصفها مطلقة.. رغبة منها في الحصول على تعويضات مادية وأيضا شقة، إلى جانب الشقة التي حصل عليها الزوج، غير مكثرثين لعواقب فعلتهم على ابنهم والأبناء الذين تم إنجابهم بعده، بوصفهم أبناء لا ينتسبون إلى أبيهم الشرعيّ، وعلى البكر منهم الانتظار إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني (18 سنة) من أجل تقديم طلب لوزير العدل الهولندي للانتساب إلى والده.. ويعاني من الوضع نفسِه إخوته الأربعة الآخرون.. يعاني "س. ك."، وهو شاب في الثالثة والعشرين من عمره، الوضعَ ذاتَه، فقد كُتب له أن يعيش الغربة مرتين، مرة حين انفصل والداه في هولندا، والثانية لكونه لا يحمل لقب والده الشرعيّ، الذي أبى تسجيله في سجلات الحالة المدنية في المغرب حيث ولد، الامر الذي يجعله عرضة للتهجير من الديار الهولندية فور انتهاء صلاحية جواز سفره، الذي تشترط السلطات لتجديده حصوله على نسخة من عقد الولادة من المغرب، لكنه لا يتوفر عليها. أطفال الهجرة السرية "م. ن." شاب مغربي، اختار الرحيل إلى بلاد لَشدّ ما راودته في حلمه فقط، بوصفها "أحلى من عسل البلاد"، ما جعله يغتنم أول فرصة تمكنه من تحقيق الحلم، بأن ركب أمواج الهجرة السرية، التي رمت به في أحضان هولندا، وهناك احتضنته السلطات الهولندية على اعتبار أنه قاصر وغير مرافَق رغم كونه ليس كذلك. استبشر "م. ن." خيرا من تمكنه، بفضل قصر قامته وملامحه الطفولية التي لا تحيل على سنه الحقيقي، من أن "يخدع" السلطات الهولندية، التي اعتبرته قاصرا واحتضنته رغم كونه راشدا.. مرت السنوات والغبطة لا تفارق محياه، لإحساسه المتواصل بنجاحه في تضليل السلطات الهولندية، لكنّ الفرحة لم تدم طويلا، حيث باغته مرض الفشل الكلوي المُزمن، ما جعله يحتاج إلى رعاية خاصة وإلى حضن والديه، اللذين يعجز عن رؤيتهما، لانتهاء صلاحية وثائق إقامته في هولندا ورغبته في تجديدها، ليصطدم بواقعة تزييفه تاريخَ ميلاده، الذي إن اكتشفت السلطات الهولندية أمرَه فستقوم بطرده، خاصة أنه لا يتوفر على الجنسية الهولندية، ليعيش يتيما محروما من النظر إلى وجه والديه، والسبب تحايله على القانون الهولندي بتغيير تاريخ ميلاده، الذي لا يوافق نظيره في سجلات الحالة المدينة في المغرب، موطن ميلاده. تزوير شهادة الميلاد يعيش المعاناة نفسَها شابٌّ يقيم في هولندا، تعاني والدته في صمت نتيجة عجزها عن إخباره بما ينتظره من معاناة وصعوبات قانونية، نتيجة تحايلها على القانون من أجل تهجيره إلى هولندا، معتمدة على نسخة إدارية لعقد الازدياد، حصلت عليها بطرق "ملتوية"، رغبة منها في مرافقة ابنها إلى حيث تقيم في الديار الهولندية، علما أنها أنجبته من زوج عقد قرانه عليها في المغرب من غير توثيق، أي وفق ما يُعرف ب"زواج الفاتحة"، ليحصل ابنها -بناء على وثيقة الميلاد المزورة-على جواز السفر وأيضا على بطاقة الإقامة، التي هو مهدَّد بأن تُسحَب منه حين بلوغه سن ال21، لاستحالة تجديدها في غياب نسخة أصلية من عقد الازدياد في المغرب، وأيضا بطاقة الإقامة، لارتباطهما بالمعطيات التي يحملها جواز السفر المغربي، الذي أصبح بفضل النظام الجديد للجواز البيومتري أكثرَ تعقيدا، الأمر الذي سيجضع الشاب أمام مشكلة كبيرة، خاصة أن أمه تعاني مرارة عدم قدرتها على إبلاغه أنه غيرُ مسجَّل في سجلات الحالة المدنية في المغرب.. الحمل سفاحا للحصول على "شينغن" كثيرات هنّ النساء اللواتي فضّلن الإنجاب بطريقة غير شرعية من أجل التمتع بوضعية قانونية شرعية.. والحصول على أوراق الإقامة، حيث سلمت ثريا نفسها لإيطاليّ بهدف الحمل والحصول على أوراق الإقامة في إيطاليا، وكذا الإعانات من مختلف المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، التي تقدّم الدعم المادي والمعنوي للأمهات العازبات ولأطفالهن الذين يتابعون أوضاعهم النفسية والاجتماعية، ما يجعل العديد من الأمهات اللواتي حصلن على الوثائق يجدن أنفسهن وقد حُرمن من فلذات أكبادهنّ الذين يُسلَّمون لأسر أجنبية من أجل توفير "الأمان" الأسريّ لهنّ في بلد المهجر.
جمال الدين ريان: رئيس جمعية "حركة المغاربة الديمقراطيين القاطنين بالخارج
تعتبر الهجرة البشرية من منطقة إلى أخرى عبر التاريخ من أهمّ القوى المحرّكة للتطور الإنساني، ولعل أوربا خير مثال على ذلك، إذ شهدت موجات متعاقبة، من الهجرات لأسباب اقتصادية بامتياز، إذ كلما ضاقت سبل العيش في منطقة ما، يهاجر أبناؤها بحثا عن آفاق جديدة، ولو بعيدا عن مواطنهم الأضلية، وبشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية. والملاحَظ أن البطالة تمسّ الأفراد من جميع المستويات العلمية والمهنية وحتى الحاصلين على شهادات عليا، وأن عدم قدرة سوق العمل الوطنية خاصة على تأمين هذه الطلبات المتزايدة على العمل يجعل الأفراد يتجهون إلى طلبها في الخارج، ولو في ظروف صعبة، إلى جانب صورة النجاح الاجتماعي الذي يظهر بها المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث "يتفنن" في إبراز مظاهر الغنى: سيارة، هدايا، استثمار في العقار... إلخ. وكلها مظاهر تغذيها وسائل الإعلام المرئية.. مع مرور الوقت تتفاقم المشاكل في بلد الإقامة، ويفكر بعض المهاجرين في التحايل على القانون من أجل الحصول على تعويضات إضافية، وبشتى الطرق من أجل الحصول على مسكن إضافيّ يتم كراؤه بطريقة سرية وكذا للحصول على الإعانات، إلى درجة أن بعض المهاجرين يُصرّحون لسلطات البلدان المضيفة بأنهم مطلقون رغم كونهم متزوجين، ليتم تسجيل الأبناء الذين يولدون بعد هذا التصريح باسم الأم أو باسم عائليّ آخر، مخالِف لاسم أبيهم.. مما يجعل الأبَ عاجزا عن تسجيلهم في سجلات الحالة المدنية المغربية، لأنهم يحملون اسما عائليا مغايرا لاسم أبيهم.. وللإشارة فقط فإنه لا يمكننا أن نتجاهل البثة القوانين الزجرية التي سنتها الدول الأوربية لمعاقبة المتحايلين على القانون وأيضا للحيلولة دون تكرار مثل هذه المآسي، لكنّ الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك، أي التوعية داخل أوساط الجالية المغربية، باعتبارها الفئة المُستهدَفة والضحية في الآن نفسه، لشرح العواقب الوخيمة للتحايل على القانون، وخاصة حينما يتعلق الأمر بفلذات الأكباد الذين يصطدمون بواقع مرّ، حين بلوغهم سن الرشد القانونيّ، حيث يجدون أنفسهم غرباء في وطن قضوا فيه عمرهم، وأيضا غرباءَ في وطنهم الأصلي..