عفوا سيدي، عزيز الرباح وزير التجهيز والنقل، ليس مقتل 4000 مغربي مسؤوليتنا جميعا، كما تؤكد مضامين شعار الأسبوع الوطني للسلامة الطرقية المنظم بشراكة مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير ووزارة التربية الوطنية، لسنا مشاركين في المجزرة الرهيبة التي تعرفها طرق المملكة والتي أودت بحياة آلاف مستعملي الطريق وألحقت أضعاف هذا العدد بجيش المعاقين، نحن أبرياء من تهمة المشاركة في التقتيل الطرقي ولا يد لنا في قضية عدم التبليغ التي تحاول أن تقحمنا فيها. حين يلقى 4000 شخص حتفهم كل سنة في حوادث السير، فإن هذا الرقم لا يحتاج إلى يوم وطني لتخليده، بل إلى حداد وطني في كل ربوع المملكة تنكس فيه الأعلام من قبل وزارة التجهيز والنقل وتغلق فيه وكالات الفحص التقني ومدارس تعليم السياقة الخصوصية بالشمع الأحمر، لأن الرقم مخيف جدا ويوازي عدد القتلى في سوريا خلال السنة الأولى وفي مصراته خلال الحرب ضد كتائب القذافي، وفي اليمن، الذي يسمى تجاوزا باليمن السعيد، وفي العراق أثناء معارك الجيش الأمريكي ضد صدام حسين. حجم الاقتتال يؤكد أن المغرب يعيش اضطرابات تهدد أمنه واستقراره، ولاسيما أن القتلى مدنيون بينما أرقام الإبادة في الدول سالفة الذكر تشمل العساكر وتتعلق بحروب استعملت فيها قنابل عنقودية. يبدو أن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران كان أكثر قلقا من وزيره حين كشف عن نيته الاستقالة مباشرة بعد حادثة تيشكا التي أودت بحياة أزيد من 42 شخصا إثر سقوط حافلة ركاب في منحدر جبلي، بل إن الوزير طرح قضية الاستقالة في مجلس للحكومة، لكن الوزراء اعتبروا الأمر مجرد هلوسة ناتجة عن ضربة شمس، وقالوا لرئيسهم لا عليك يا بنكيران سنعوض ال»كيران» بال»تي جي في» وتنتهي حرب الطرق. في العام الماضي، بحثت وزارة الرباح عن طرق جديدة لتحسيس المواطنين بحرب الطرقات، ودعت الفنانين ورجال الدين إلى يوم دراسي قدم فيه الأئمة والموسيقيون ورجال المسرح مقترحاتهم لمنظومة تحسيسية تشاركية، بعيدا عن شعار «الطريق تقتل» الذي يبدو أنه أصيب في حادثة سير بعاهة مستديمة. وحين تبين أن المقاربة الوقائية لا تحيى إلا بمقاربة علاجية موازية، اهتدت الوزارة إلى الرادارات الذكية لمراقبة السرعة، مع ما يعترض هذا المشروع من معيقات، حيث دخلت الاستخبارات على الخط الطرقي ورفضت تفويت الصفقة إلى شركات الخواص، معتبرة تفويت شأن أمني إلى الخواص «كسيدة» حقيقية تجعل قاعدة البيانات الخاصة بترقيم السيارات متاحة لشركة أجنبية. دعونا نفكر في أفضل السبل للحد من التقتيل الطرقي، ونؤمن بأن المدونة لم تغير سلوكنا، بعيدا عن التهديد بالاستقالة التي تعتبر بدعة أوربية تقع بعد كل كارثة، فالحكام العرب لا يستقيلون إلا بالموت أو الترحيل، لكن وزراءهم يستقيلون، وأحيانا تكون حرب الطرقات دافعا إلى الانسحاب السلس من المسؤولية. استقال وزير النقل المصري ورئيس هيئة السكك الحديدية بعد حادثة قطار أسيوط، التي بلغ عدد قتلاها 50 قتيلا، لكن الوزير وقبل استقالته عين مستشارا له في الوزارة يحافظ له على كامل مستحقاته المالية إلى أن يداهمه التقاعد؛ وفي طانزانيا استقال وزير النقل البحري لمجرد غرق عَبّارة في أرخبيل زنجبار، تبين أن من بين ضحاياها صهره؛ وأقيل وزير النقل السوداني السابق بسبب حادث مرور سياسي، حين اختار تأسيس حزب معارض استدعى تحرير مخالفة في حقه بسبب السرعة المفرطة في الطموح السياسي؛ وفي الجزائر فكر وزير النقل مليا في الاستقالة بعد مقتل 22 شخصا في حادث سقوط حافلة بأحد الوديان القريبة من بلدة تيارات قبل أن يتراجع لأن حادثا مماثلا في تيشكا المغرب تضاعف ضحاياه دون أن تتضاعف نوايا الاستقالة. حوادث السير لا تقع فقط في طرقات المملكة، ولا ترتبط بالسرعة المفرطة وسوء الوضعية الميكانيكية كما تقول البلاغات الرسمية؛ هناك حوادث أكثر إيلاما حين يسقط ضحايا في مسيرات العاطلين دون تحرير محضر معاينة، أو في عزلة المناطق المنكوبة، وفي الاستغلال البشع لخيرات البلاد من طرف علية القوم في أكثر الحوادث الاقتصادية تأثيرا على البلاد والذي يسمى الريع، وأشد «لكسايد» خطورة تلك التي يسقط فيها المدرسون صرعى على أيدي التلاميذ، أو عندما تتعرض الأمهات للنحر والجلد على يد فلذات الأكباد في تجسيد معكوس لرضى الوالدين.