يشهد الأسبوع الأخير في سوريا ولبنان ببدء مرحلة جديدة من الأزمة التي مركزها دمشق. أضاع الوسطاء من قبل الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية شهورا طويلة في تصور أن حل الأزمة يقتضي أن تشارك إيران في الإجراءات إلى جانب دول أخرى في المنطقة. وقد أيدت روسيا هذا التوجه من البدء، أما الولاياتالمتحدة فعارضته. وأخذ يتضح في هذه الأيام أن إيران هي اللاعبة المركزية التي تُخلد المشكلة. إن إيران هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحارب قواتها على أرض سوريا. وهي ترى سوريا دولة ترعاها، ولهذا أعلنت في الأسبوع الأخير أنها سترى في كل هجوم على سوريا من طرف جهة أجنبية هجوما على إيران. وكلما زادت طهران في تطرف تصريحاتها الحربية زاد تعلقها بنظام الأسد وربطت مصيرها بمصيره. وليست لها رجعة عن ذلك كما ليس لحليفها اللبناني، حزب الله، رجعة عنه. إن كل يوم قتال قاس لوحدات حرس الثورة ووحدات قوة القدس مع محاربي حزب الله للمعارضة السورية على اختلاف فصائلها يضائل احتمال أن يستطيع الإيرانيون في المستقبل الاستمرار في التمسك بالأرض السورية إذا سقط بشار الأسد. إن إيران تحارب حربها من أجل مستقبل مكانتها في الشرق الأوسط على ظهر السكان السوريين، ومستقبلها في الشرق الأوسط متعلق بمصير المعركة الحالية. سيكون للبعد الدولي للأزمة السورية، وبخاصة علاقة الولاياتالمتحدةوروسيا بما يحدث، سيكون لذلك البعد بلا شك وزن مهم في صوغ نتيجة المعركة النهائية. إن لموسكو ولواشنطن شبكة تقديرات ومشكلات تؤثر في مواقفهما المبدئية وفي سياستهما العملية. وليس لروسيا، اليوم، سيطرة كاملة على معيلها الاسد الذي يحارب حرب انسحاب عن وجود نظامه وعن بقائه الشخصي. وقد كثرت الخطوات التي خطاها أو التي قدّر أن يخطوها والتي تعارض إرادة القيادة الروسية، وفي مقدمتها حرية استعماله للسلاح الذي أُعطي له بسخاء طوال سنين، ويشمل هذا الآونة الأخيرة. وتوجد علامات أولى على أن روسيا تخطو خطوات أخذت تكثر وإن تكن حذرة للاستعداد للفترة التي تلي سقوط مرعيها في دمشق. وفي مقابل هذا، تزيد الولاياتالمتحدة على الدوام مشاركتها في الأزمة، وتحاول خلال ذلك الامتناع عن خطوات تدهورها نحو قتال على أرض سوريا أو في مجالها الجوي. وليست العلاقات بين الولاياتالمتحدةوروسيا حسنة على العموم في هذه الفترة؛ فهل تقتضيهما ضرورات الأزمة السورية التوصل إلى تفاهم وتعاون على هذه القضية؟ سنعرف هذا قريبا. ليست إسرائيل مشاركة في الحرب الأهلية السورية وفي القتال الإيراني على أرض هذه الدولة. وكانت تفضل من البدء ومن جميع الجهات ألا تنشب هذه المعركة، وأن تستمر في التمتع بالهدوء النموذجي الذي ميز الواقع على طول خط الفصل الذي تقرر بين الدولتين في أعقاب حرب يوم الغفران قبل نحو من أربعين سنة، ولهذا أظهرت ضبطا للنفس في أعمالها وتقليلا من تصريحاتها الرسمية أيضا. إن الشيء المشترك اليوم بين جميع جارات سوريا تركيا والعراق والأردن وإسرائيل ولبنان وإلى جانبها جميع دول الخليج، ومنها العربية السعودية، ومصر أيضا هو أن احتلال إيران وحزب الله لسوريا يعارض المصلحة الاستراتيجية لكل واحدة منها ولجميعها معا، وأنه من الحيوي السعي إلى وضع حد لهذا الوضع. وهذه مصلحة واضحة أيضا للولايات المتحدةوروسيا ودول أوربا جميعا. لم ينشأ قط تحالف مدهش قوي كهذا في مواجهة إيران وفي موضوع محدد بهذا القدر. وقد أصبح ضمان الإنجاز المطلوب هو التحدي الفوري لقيادة إسرائيل واستراتيجيتها في الأمد القريب المباشر. حينما يزول الحبل الخانق الإيراني حول عنق دمشق، وإذا زال فقط، سيبدأ عصر جديد واعد في الشرق الأوسط. وستتنفس كل الدول التي ذكرتها الصعداء. وهذا في متناول اليد..