سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنكيران يكشف محطات في علاقته مع الملك ولشكر يحذر من تفعيل لا ديمقراطيّ للدستور بنبعد الله يشدد على الدور الأساسيّ للمؤسسة الملكية في إخراج القوانين التنظيمية
تحولت خلوة علمية حول تنزيل الدستور والقوانين التنظيمية، نظمها مركز الشروق والإعلام وحقوق الإنسان، أول أمس في الرباط، إلى ساحة لتبادل الرسائل السياسية الصريحة والمشفرة بين المعارضة والأغلبية، وصلت إلى حد وصف الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، البرلمانيين ب«العفاريت» والتماسيح» حين تحدث عن وجود «عفاريت وتماسيح التشريع».. وقد تطرق عدد من المحللين السياسيين لآفاق إخراج القوانين التنظيمية وللدور الإستراتيجيّ والتوجيهيّ للمؤسسة الملكية في علاقة بهذه القوانين. لم يفوّت رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، فرصة تواجده في افتتاح الخلوة العلمية حول القوانين التنظيمية، إلى جانب حليفه السياسي نبيل بنعبد الله وزعيما المعارضة الاشتراكية والتجمعية ادريس لشكر وصلاح الدين مزوار، دون أن يعود إلى الحديث عن بعض المحطات التي ميّزت علاقته منذ تقلده منصب رئاسة الحكومة مع الملك محمد السادس. أما نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، فقد حذر من مغبة القفز على الصلاحيات التحكيمية والتوجيهية للمؤسسة الملكية في إعداد القوانين التنظيمية، والتي «لا يمكنها أن تأتيّ من أي جهة كانت دون أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الصلاحيات». الملك والدستور كشف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أن الملك محمد السادس قد اتصل به ذات يوم عندما بلغه خبر عن وجود شيء غير دستوريّ، «فطلب مني أن أكون دقيقا في احترام الدستور في جميع الأحوال، فقلت له يا سيدي إذا علم المغاربة بما وقع فسيتخذون هذا اليوم عيدا».. وفي المقابل، يضيف بنكيران، «راجعته بطريقة غير مباشرة بخصوص خطأ كان سيقع فأوقف ذلك، وهذا تحوّل أساسيّ ومهمّ، وليس إشكاله أنه مرتبطا بجلالة الملك، الذي هو فاعل أساسيّ في الدولة وفي موضوع الدستور، وهذا كلام لا يجب أن يكون هناك حرج في قوله». واعتبر رئيس الحكومة أن «الدستور وثيقة تأسيسية أساسية تأمينية، لكنّ ذلك لا يعني أنه مقدَّس، بل يمكن مراجعته، حيث سجّل أن الأهم في الدستور هو أن يُنزل بحق، بطريقة فيها صدق، حتى إذا جئنا بشخص من المعارضة وآخر من الأغلبية فكان فيهما من الإنصاف ما يكفي، فسيقولان تقريبا الشيءَ نفسه». وأشار إلى أنه «إذا استعمل الدستور للضبط أو للتحكم أو للمشاكسة وللمجادلة أو لاكتساب المواقع فنحن كنا في وضعية وسنبقى فيها، لكنه حين يصبح منطقا فيُرجع إليه ويُحتكَم إليه سيعرف المواطنون نصوصه». وأوضح زعيم الفريق الحكوميّ أن السنة التي مرت كانت سنة اكتشاف الوضع والتأقلم وانسجام الفريق، لأن المهمّ هو أن الدستور يؤرّخ لأمر أساسي يشعر المواطن به في عمقه، وهو الحرية، إذ لم يعد هناك موجب أو منطق أن يتخوف الإنسان من أن يدليّ برأي، ولو أن هذا الرأي يبدو أنه قد يزعج طرفا من الأطراف، لأن التحدي الذي نعيشه اليوم هو تحدّ عامّ، فإذا نجح الدستور ونجحنا في تطبيقه سننجح جميعا كدولة، بمختلف مؤسساتها، وإذا وقع العكس سوف نخسر جميعا. واعتبر أن «القول إننا لم ننزل إلا قانونا تنظيميا واحدا، وإذا سرنا بهذه الوتيرة سنحتاج إلى دهر من الزمن.. فهذا كلام لا يستقيم في منطق القانون، لأنه يمكن أن تنزّل في سنة قانونا تنظيميا واحدا، وفي سنة أخرى يمكن أن تنزل 10 أو 15 قانونا آخر، ولن تنتهي الولاية إلا وقد تكون قد أكملت ذلك». وفي السياق ذاته، سجل نبيل بنعبد الله أن هذه القوانين يجب أن تأخذ بعين الاعتبار، بشكل أساسيّ، أنّ هناك المؤسسة الملكية، التي لها صلاحيات تحكيمية وتوجيهية، والتي لا يمكن لهذه القوانين أن تأتيّ من أي جهة كانت دون أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الصلاحيات التحكيمية والتوجيهية». وأكد أن «هذا أمر لا يمكن أن نتجاهله أو القفز عليه، وهو مضمّن في الدستور الذي صادقنا عليه، وخاصة في القضايا المتعلقة بالنصوص التنظيمية، وبالتالي عندما نتحدث عن تأخر أو جدولة فإنه لا يمكن ألا نأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الأساسيّ، والذي يمكن في بعض القضايا، التي يمكن أن تطرح، بعد أن ندخل في مناقشة المناصفة أو الأمازيغية أو قانون تنظيمي آخر، فسنكون ربما في حاجة، في مرحلة ما، لنفعل هذه الصلاحيات التحكيمية التوجيهية التي ينصّ عليها الدستور». غياب روح الدستور لم تغب إشكالية التشارك والتشاور في إعداد القوانين التنظيمية عن كلمة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، التي ضمنها انتقادات مبطنة لطريقة التعامل مع موضوع القوانين التنظيميّ، حيث أكد أن المنطق يستدعي أن الروح التي سادت في وضع الدستور هي التي تسود في وضع القوانين التنظيمية، لأن هذا لا يتعلق بحكومة بنكيران أو مكونات الحكومة، بل هذا دستور يساهم في وضع الأسس التي سيشتغل بها المغرب لعشرين أو ثلاثين سنة المقبلة أو أكثر، وبالتالي لا يمكن للقوانين التنظيمية أن تخضع لمنطق آخر غير هذا المنطق». واعترف بنبعد الله بوجود جو لا يساهم في تحقيق هذا الاتجاه، إذ شدّد على ضرورة معرفة الطريقة التي تتم بها مقاربة القوانين التنظيمية وكيفية إتاحة فضاءات مثل هذه الخلوة لمناقشة بعض القضايا الشائكة وإيجاد الصيغ التي تنطلق من الرغبة نفسها والمنطق الذي اشتغلنا عليه في دستور 2011. وفي سياق حديثه عن بعض المبادرات البرلمانية الخاصة بالقوانين التنظيمية، حذر بنبعد الله من جعل القوانين التنظيمية «مجالا للتسابق السياسي»، لكنه عاد ليقول: «لا أعتقد أن قوانين من هذه الأهمية يمكن أن تخضع لهذا المنطق، وبالتالي فهذه الأمور يجب علينا جميعا أن نتحكم فيها حتى لا تذهب في هذا المنطق». حدود التوافق والتشارك أثارت منهجية العمل الحكوميّ في مجال القوانين التنظيمية ردود فعل قوية، كانت أبرزها مداخلة ادريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، التي هاجم المنهجية التي مر بها القانون التنظيميّ للتعيينات، واعتبرها «لا تطمئن نهائيا بأنّ هذه الحكومة ستُفعّل هذا الدستور بشكل ديمقراطيّ، لأن الحكومة اختارت عكس المنهجية التي تم اعتمادها في الوصول إلى هذا الدستور».. وسجل أن «المنهجية التي اعتمدناها في الدستور هي المنهجية التشاركية وإشراك الشعب المغربي برمته، وحتى في الحكومات السابقة فقد كانت القوانين المؤطرة للمؤسسات تتم فيها المنهجية التشاركية عن طريق حوار لا يشمل الأغلبية فقط، بل يشمل أساسا المعارضة، لكنْ مع كامل الأسف لم نطلع على القانون التنظيميّ المتعلق بالتعيينات إلا في اللجنة، حيث طُلب منا كمعارضة أن نحسم الأمر في أيام، إنْ لم نقل في ساعات، لولا مقاومة النواب الذين فرضوا أجندة أخرى». واعتبر لشكر «أنه من غير المفهوم أن تمر أكثر من سنة على عمل الحكومة دون أن يصدر القانون التنظيميّ للعمل الحكومي، وهو الذي لا يحتاج إلى رصد أموال أو عمل فقهي قانونيّ، وأيضا المحكمة الدستورية، التي هي الضامن للعلاقات بين المؤسسات والمعارضة والأغلبية والديمقراطية والتوازن، ولم يبقَ إلا ثلاث سنوات ونصف من هذه الولاية التشريعية، ولم تر النور وليس هناك أثر يدل على أنّ هناك عملا». من جانبه، سجل الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، أن موضوع التوافق لا يجب أن يُفرغ المحاسبة من مضمونها كالتزام دستوريّ، لأن الحكومات تناقش وتستوعب وتفهم وتتفاعل مع النخب، وفي الوقت نفسه على أن تهتم بانشغالات الفئات الواسعة داخل المجتمع، والمعارضة يجب أن تقوم بدورها والحكومة ملزمة دستوريا بأن تستشير لكي تأخذ من المجتمع خيرة ما فيه من أفكار وطروحات وتأتي بمشروعِ قانونٍ ناضج ومكتمل، لكنّ ذلك لا يسقط عنها المسؤولية السياسية في الدفاع عن مشروعها. واعتبر الشوباني أنه «إذا تم الدخول في المنطق العائم المائع للتشاركية فلن يكون هناك معنى للانتخابات وصندوق الاقتراع والأغلبية»، مشيرا إلى أنه «إذا أردنا أن نشرك المعارضة في جميع القرارت فيجب أن تسقط حقها في الرقابة، وما دامت متشبثة بذلك باعتباره حقا دستوريا فلا يمكن لها المشاركة في كل شيء، لكنْ يجب طرح السؤال حول حدود المشاركة وآلياتها لأنّ كل ذلك لا يُسقط حق الحكومة في أن تتحمل مسؤوليتها الحكومية كبرنامج سياسيّ يتحمل مسؤوليتَه فاعلون سياسيون أمام البرلمان والمجتمع». وأكد الشوباني، ردا على مداخلة تحدثت عن وجود تضخّم في الدستور، أنه لا يجب أن نكون دستوريين أكثرَ من الدستور، بل يجب على الجميع أن ينظر إليه كحلم يهندس للمجتمع لعقود قبل أن يدخل، كأي وثيقة غير سماوية، في منطق التعديل والمراجعة، وهو حلم صنعه المغاربة في سياق معيّن وضمنوه أحلامهم وضمانات لتمنيع المجتمع من التهديدات التي قد تهدد استقراره وأمنه». الملك فاعل إستراتيجيّ إلى ذلك، تحدث عبد الله ساعف، أستاذ العلوم السياسية وعضو لجنة إعداد دستور 2011، عن الدور الإستراتيجي للمؤسسة الملكية وحضورها في مسألة إعداد القوانين التنظيمية. وسجل ساعف أن من بين التمييزات الموجودة في الدستور تمييز الموقع الملكيّ وأدواره الإستراتيجية، والجهاز التنفيذي، الذي يدبّر السياسات العمومية ما بين استحقاقين لخمس سنوات، لكن الدور الإستراتيجي للمؤسسة الملكية يتم بقواعد وبتأطير مؤسسات ويخضع للمقاييس الديمقراطية الدولية. وأكد ساعف أن الحضور الملكي في القوانين التنظيمية مسألة تفرض نفسها، لأن المسألة الدستورية مسألة إستراتيجية بامتياز، لكنه عاد ليؤكد أن المشكل هو أنه عندما ستنتهي عملية إنجاز القوانين التنظيمية فماذا سيبقى للفاعل الإستراتيجي؟ وهل ستتقلص بعد أن تخرج جميع القوانين التنظيمية ويعين في مختلف المناصب؟ يجيب أستاذ العلوم السياسية بأنّ الفعل الإستراتيجي يتطور على وتيرة تطور الحقل السياسي، لأن هناك مواقع مختلفة يشتغل فيها الدور الإستراتيجي أكثر من المواقع التي تمّت تغطيتها في المراحل السابقة، والصلاحيات التوجيهية الإستراتيجية تفرض نفسها لأنّ الرهان هو أن تشتغل المؤسسات في اتساق وانسجام في أفق تطويرها. وقال ساعف: «لا أتخيل أننا سنستطيع أن ننتج قوانين تنظيمية تعكس تماما ما فكر فيه أولئك الذين وضعوا الدستور، ولكنْ هناك الأفكار الرئيسية والإطار العام، ولم أفاجأ بتغييرات وتوجهات لم تكن بارزة في اللحظة الدستورية الأم»، معبّرا في الآن ذاته عن تخوفه من التنسيق والاتساق العام بين المتدخلين في إنجاز القوانين التنظيمية، في ظل ما يبدو من تشتت بين القطاعات.
ساعف: الدستور ميز الموقع الملكي بأدواره الإستراتيجية لشكر: منهجية إعداد قانون التعيينات لا تطئمن بأن الحكومة ستفعل الدستور ديمقراطيا بنعبد الله: لا يمكن القفز على دور المؤسسة الملكية في القوانين التنظيمية الشوباني: إذا أرادت المعارضة أن نشركها في كل شيء فعليها ألا تقوم بالرقابة بنكيران: الملك اتصل بي لاحترام الدستور وتدخل لوقف خطأ كان سيقع
الشوباني: بلغة بنكيران أقول إن هناك تماسيح وعفاريت تشريعية
وجّه لحبيب الشوباني، الوزير الملكف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، رسائل سياسية «قوية» إلى من يهمّهم الأمر في المؤسسة البرلمانية، حين تحدث عن وجود ريع تشريعيّ، وما أسماه «تماسيح وعفاريت في التشريع». وشدّد الشوباني على «ضرورة تحديد نوع اليقظة المجتمعية التي ستتصدى لأي تحريف في تفعيل أو تنزيل الدستور وتمنع المغرب من أن يعيد سياسيات وتحكمات قد تكون اليوم «ناعمة»، بعدما كانت في الأمس خشنة وشرِسة، إنتاج وضع قد لا ينفجر إلا بعد عقود لكنْ أن نؤسسه. ووصف الوزير الملكف بالعلاقات مع البرلمان الكتابات الجامعية العلمية حول الواقع السياسي ب»غير الجريئة»، وفي المقابل سجل أن «السياسيين يتصارعون، وقد يشتطون في الصراع أحيانا، وتنسيهم حسابات وصراعات السياسة الأهمّ وينشغلون بالأقل أهمية، وبهذا المعنى وهذا السلوك تنحط صورة السياسيّ لدى الشعب». واعتبر الشوباني أنه «إذا كان اليوم من خوف يمكن أن يتسرب إلى الإضرار إلى إنتاج الدستور كإنجاز وطني فهو أن يصمت أو يسكت أو يتراجع أو يخفت صوت الفاعل العلمي الذي أؤمن بأن سلطته هي أقوى السلط في المجتمعات المتحضرة، وأن السياسيين عندما يواجهون قول وسلطة العلم لا يمكن إلا أن يختاروا أحد أمرين: إما اختيار يرفعهم وهو استلهام النظر العلميّ وإدماجه في العامل السياسي، واختيار ينزل بهم إلى أسفل السافلين، وهو أن يولوا ظهورهم للنظر العلميّ وأن يشتغلوا بسفاسف الأمور وبالحسابات الصغيرة. وأكد الوزير أن الدستور ليس وثيقة جاءت في إطار ولادة عادية وتطور عادي، بل ولد ولادة قسرية، «وأحسن الحالمين بتغيير الدستور في مرحلة معينة لم يكن يحلم بالذي جاء فيه، والمخطط التشريعي هو فكرة لتحصين منطق التشريع في ظل التحولات، لأن التشريع كان ضمن آليات التحكم»، مشيرا إلى أن «المخطط التشريعي سيحرر التشريع من التحكم والغموض». وتساءل الشوباني إنْ كانت آليات الاشتغال تجعل من الدستور موضوعَ تنافس لتمكينه في علاقته بالواقع أن يأخذ أوسع تأويل ديمقراطيّ أم إنه سيكون هناك صراع، وأيضا كان كل طرف سيقوم بدوره أم إنه سيُنزل سقف النقاش لكي يكون موضوع تسويق مخاوف وافتعال معارك؟.. وفي سياق حديثه عن دور المعارضة، انتقد الشوباني مقترح القانون التنظيميّ للجنة تقصي الحقائق، حيث تساءل: هل يمكن بنصّ دستوري يطرح النسبية كمبدأ لتحديد وضع المعارضة وفي ضبط علاقتها مع الأغلبية أن يأتيّ هذا القانون ليطرح سؤال المناصفة بينهما في بناء لجن تقصّي الحقائق؟ هل يمكن لهذه اللجن أن ترأسها المعارضة ونصف أعضائها من المعارضة؟ يتساءل وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.