ابن كيران: اتصل بي جلالة الملك وقال لي أن أكون دقيقا في احترام الدستور في جميع الأحوال أين وصل تنزيل الدستور الجديد بعد عام من عمر الحكومة رغم أن الحكومة روجت لإعداد مخطط تشريعي يضم 243 قانونا من بينها 25 قانونا تنظيميا منذ مدة ليست باليسيرة؟ غير أنه إلى حدود اليوم ترى بعض القوانين النور بمبادرة من الحكومة دون أن يجد المخطط المذكور طريقه للوجود. وتصر حكومة عبد الإله ابن كيران على الحديث كل حين عن المقاربة التشاركية في صياغتها بينما ترد حيالها المعارضة بأنه يتم تغييبها حول هذا الموضوع ، جرى نقاش سياسي بمركز الشروق للديمقراطية والإعلام وحقوق الإنسان التابع لوزارة التجهيز النقل بالرباط أول أمس السبت تحت عنوان «تنزيل الدستور والقوانين التنظيمية وقد حضر هذا النقاش مجموعة من الفاعلين السياسيين من المعارضة والأغلبية. الرباط: مصطفى بوركبة منذ البداية، طرح محمد أوجار رئيس المركز أسئلة أمام عضوين من الحكومة وآخرين من المعارضة ممثلين في عبد الإله ابن كيران، نبيل بنعبد الله، صلاح الدين مزوار وإدريس لشكر، على أنه في حقل ملغم بالحسابات السياسية بين الأغلبية والمعارضة: ما هي أحسن السبل والصيغ لمواصلة النجاح الذي حققه المغرب بتبني دستور جديد عقب الحراك الذي شهده العالم العربي من خلال سن القوانين التنظيمية؟ وكيف يمكن للفاعلين السياسيين استحضار الروح التي واكبت إعداد الدستور الجديد خلال إخراج القوانين التنظيمية؟ وأكثر من ذلك، كيف يمكن للباحثين الأكاديميين تنوير طريق السياسيين لتضييق الهوة التي تفصل بين اللحظة الدستورية الأم وما رافقها من توافق وبين اللحظة الآنية التي تدبرها الحكومة بارتباك عكسه المتدخلون، بمختلف توجهاتهم، من خلال التعبير عن تخوفات وهواجس من عدم إكمال البناء الدستوري المحكوم باللحظة الأم وبالزمن الدستوري وبأشياء أخرى. الدستور مرجع للجميع بما أن الدستور ينظم علاقة الحاكمين بالمحكومين، فإن هذه العلاقة تتوضح أكثر على ضوء القوانين التنظيمية التي يفرزها البرلمان في لحظة أجمع عليها المتدخلون باعتبارها تأسيسية وانتقالية لا يجب أن تخضع للجدل السياسي حتى لا تغيب الروح التي رافقت لحظة صياغة الدستور في لحظة استكمال البناء الدستوري عبر القوانين التنظيمية. الوزير نبيل بنعبد الله سيستدعي المؤسسة الملكية في السجال الدائر حول بطء تفعيل القوانين التنظيمية حين شدد على كون القوانين التنظيمية لا يمكن أن تأتي هكذا ومن أية جهة كانت، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الصلاحيات التحكيمية والتوجيهية للمؤسسة الملكية. تفسير الأمين العام لحزب الكتاب سيذهب بعيدا حين جابه المنتقدين لبطء الحكومة في المصادقة على القوانين التنظيمية بكون: «الصلاحيات التوجيهية والتحكيمية للمؤسسة الملكية لا يمكن تجاهلها أو القفز عليها وهي مضمنة في الدستور وخاصة قضايا النصوص التنظيمية وبالتالي عندما نتحدث عن تأخر أو جدولة أو أمور من هذا النوع فإنه لا يمكن ألا نأخذ بعين الاعتبار هذا البعد الأساسي». موقع المؤسسة الملكية هو ما سيتطرق إليه أيضا رئيس الحكومة حين قال إن علاقته بجلالة الملك يحكمها سقف الدستور، الذي يعتبر وثيقة تأسيسية وتأمينية بما لا يعني أنه مقدس ويمكن مراجعته، ولكنه اليوم مرجع للجميع. وحتى يثبت للحضور أنه مرجع وحق للجميع، ضرب ابن كيران بواقعتين حين قال: « في مرة وقع شيء غير دستوري، فاتصل بي جلالة الملك عندما بلغه الخبر، وهذا حقه و واجب، فطلب مني أن أكون دقيقا في احترام الدستور، وقال لي في جميع الأحوال، فقلت له يا سيدي إذا علم المغاربة بما وقع فسيتخذون هذا اليوم عيدا، بالمقابل راجعته بطريقة غير مباشرة بخصوص خطأن فأوقف ذلك ». على أن إعطاء ابن كيران لهذين المثالين يرى فيهما تحولا أساسيا ومهما معتبرا أن: «إشكاله ليس لأنه مرتبط بجلالة الملك الذي هو فاعل أساسي في الموضوع ديال الدولة وفي موضوع الدستور، وهذا كلام لا يجب أن يكون هناك حرج في قوله ولا يجب أن نتحرز من قوله». وسيقوم رئيس الحكومة والأمين العام لحزب «العدالة والتنمية» بالتفريق بين الدساتير السابقة التي وصفها بكونها كانت تصاحبها بعض الضمانات وبين دستور فاتح يوليوز 2011 حين أشار إلى الحضور الذي ضم برلمانيين من مختلف الأحزاب بأن تنزيل الدستور مرتبط بهم مع تشديد على أنهم في الحكومة سيحترمون ما سماه المسار: «الدستور المهم فيه هو أن ينزل بحق، بطريق فيها صدق، حتى إذا جئنا بشخص من المعارضة وآخر من الأغلبية، فكان فيهما من الإنصاف ما يكفي، فسيقولان نفس الشيء أو تقريبا نفس الشيء، مشيرا إلى أنه إذا استعمل الدستور للضبط أو للتحكم أو للمشاكسة وللمجادلة أو لاكتساب المواقع، فنحن كنا في وضعية وبقينا فيها، لكنه حين يصبح منطقا فيرجع إليه ويحتكم إليه وسيعرف المواطنون نصوصه». أدوار مختلف الفاعلين في التأويل الديمقراطي للدستور يراها عبد الله ساعف من خلال تمييز أساسي بين الموقع الملكي والأدوار الاستراتيجية والحكومة التي تدبر السياسات العمومية عبر توزيع المهام. في هذا الصدد، سيشدد ساعف على أن «حضور المؤسسة الملكية فارضة نفسها داخل إطار المسألة الدستورية التي تعتبر استراتيجية بامتياز، كما أن الصلاحيات التوجيهية للملك فارضة نفسها، أما مسألة التحكيم فهي شيء آخر». الزمن الدستوري مرور سنة من عمر الحكومة والمصادقة على قانون تنظيمي واحد فقط يهم التعيين في المناصب العليا ظل يطرح تساؤلات كثيرة حول قدرة الجهاز التنفيذي على احترام الآجال التي حددها الدستور لاستكمال البناء الدستوري والتي لا يجب أن تتجاوز ظرف 5 سنوات. هذه التخوفات رد عليها رئيس الحكومة بصيغة من يحاول أن يطمئن الرأي العام: «القوانين هي شيء ليس رياضيا، يمكن أن تنزل في سنة قانونا تنظيميا واحدا وفي سنة أخرى يمكن أن تنزل 10 أو 15 قانونا آخر، ولن تنتهي الولاية إلا وقد تكون أكملت ذلك وأكثر، المطر يبدأ قطرة وينهمر» يقول عبد الإله ابن كيران. لكن بغض النظر عن التطمينات التي حرص المسؤول الأول على الجهاز التنفيذي التأكيد عليها، فإنه تجاوز أمر تفعيل القوانين التنظيمية إلى تبرير البطء في السنة الأولى إلى كونها كانت سنة اكتشاف الوضع والتأقلم والبحث عن انسجام الفريق. غير أنه شدد على أن الدستور أكثر من مجرد نصوص لأنه: «يؤرخ للحرية، ولم يعد هنالك موجب أو منطق لكي يتخوف الإنسان حين يدلي برأي، ولو أن هذا الرأي يبدو أنه قد يزعج طرفا من الأطراف، لأن التحدي الذي نعيشه اليوم هو تحدي عام، إذا نجح الدستور ونجحنا في تطبيقه سننجح جميعا كدولة بمختلف مؤسساتها ولا قدر الله إذا وقع العكس سوف نخسر جميعا». هاجس الزمن الحكومي هو ما سيركز عليه كذلك صلاح الدين مزوار الأمين العام لحزب «التجمع الوطني للأحرار» بصفته يمثل أكبر فريق نيابي للمعارضة بالبرلمان، حيث عاد ليذكر بالسياق الذي رافق وضع الدستور. مزوار عاد ليطرح سؤالا كبيرا في وجه ابن كيران: «هناك إشكالية الزمن الدستوري من 25 قانون تنظيمي أنجز واحد فقط. هل هذه هي المنهجية السليمة علما أن الدستور أسسناه جميعا في إطار التوافق والتشارك». وما يراه الأمين العام لحزب الحمامة من عدم اكتمال البناء الدستوري المحدد بسقف زمني، هو ما سيخلص من خلاله بأنه: «من المنطقي أن يكون هناك تخوف ومنطقي أن تكون هناك تساؤلات حول الأجندة والمسؤوليات. مسؤولياتكم أن تحافظوا على نفس الثقافة التي صيغ في ظلها الدستور» يضيف مزوار. غير أن حزب مزوار لن يسلم من مؤاخذات سيوجهها له كل من الوزيرين نبيل بنعبد الله والحبيب الشوباني بعدما تقدم فريقه النيابي بالبرلمان بمقترح قانون حول لجان تقصي الحقائق. فبينما اعتبر الشوباني المقترح يعكس إشكالية فهم الدستور لدى مكونات المعارضة، فإن زميله في الحكومة الوزير بنعبد الله حذر من السابق السياسي في اقتراح القوانين خارج التوافق. على أن منطق الحسابات السياسية الذي تحكم في مداخلات الأمناء العامين سواء من الأغلبية أو المعارضة، سينتفي لدى الباحثين الأكاديميين. فعبد الله ساعف، كأحد أعضاء اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور أقر بأن «منطق وضع الدستور قد لا نجده في مراحل لاحقة». هذه الخلاصة التي أبرزها ساعف بما تعنيها من التزام ضيق بروح الدستور يراه شيئا معقدا وقد لا توجد في كل القوانين التنظيمية بسبب التوازنات والحسابات التي تتغير بحكم قوة الأشياء والمواقع، حسب تعبيره. أكثر من ذلك، سيستبعد الوزير السابق بحكومة عبد الرحمان اليوسفي إنجاز قوانين تنظيمية تعكس تماما ما كان يفكر فيه أعضاء لجنة صياغة الدستور الجديد، حيث عبر أنه لن يفاجأ بتغييرات عن اللحظة الدستورية الأم. غير أن ساعف شدد على ضرورة التقدم في البناء الدستوري والحد مما سماه اللاتحديد الزمني خصوصا أن التجارب السابقة مازالت ماثلة للعيان والمتمثلة في بقاء بعض القوانين غير منتهية «وكأنه محكوم على نظامنا السياسي أن يبقى مفتوحا وهو ما يشكل هاجسا». تخوف عضو اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور، سيشاطره فيه باحث أكاديمي آخر هو محمد المالكي حين لمح إلى تحركات حزب «الاستقلال» والتأثيرات التي يمكن أن تسببها للعمل الحكومي ونفس الشيء طرحه في جانب المعارضة ضاربا المثل بما يعيشه «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» ومدى تأثيره على المعارضة. بين الأغلبية والمعارضة.. معارك لا تنتهي والتوافق معلق التخوفات التي طرحها بعض المتدخلين حول قدرة الحكومة على احترام آجال 5 سنوات في تنزيل 25 قانونا تنظيميا، ستجد لدى أحد مكونات الأغلبية، في شخص نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة بعض الإشارات حين أكد على أن المنطق والروح اللذين تحكما في صياغة دستور فاتح يوليوز 2011 لا يجب أن تخرج عن صياغة القوانين التنظيمية. غير أن الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» لمح إلى وجود جو لا يساهم في السير بإخراج القوانين التنظيمية في نفس الروح والمنطق اللذين سادا خلال صياغة الدستور. وحتى يكون أكثر وضوحا، حذر من مواجهة بين الأغلبية والمعارضة لن تغلب منطق التوافق خصوصا أن القوانين التنظيمية تهم حكومة ابن كيران والحكومات التي ستأتي من بعدها. بدوره إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» توقف كثيرا عند المقارنة بين المنهجية التي اتبعت خلال صياغة الدستور الجديد وبين مقاربة معاكسة لها اتخذتها حكومة ابن كيران في تفعيل مضامينه. وحتى لا يكون كلام أحد مكونات المعارضة مجردا، ضرب لشكر مثال قانون التعيين في المناصب العليا: « لكن مع كامل الأسف لم نطلع على القانون التنظيمي المتعلق بالتعيينات إلا في اللجنة حيث طلب منا كمعارضة أن نحسم الأمر في أيام إن لم نقل في ساعات، لولا مقاومة النواب الذين فرضوا أجندة أخرى». الكاتب الأول لحزب عبد الرحيم بوعبيد سيعود من على نفس المنصة التي اقتسمها مع رئيس الحكومة ليطرح عدة استفهامات تعكس ما سماه النوايا السيئة للحكومة تجاه الدستور قائلا: « بالله عليكم المحكمة الدستورية هي الضامن لسير المؤسسات وهي الضامن للديمقراطية وأعضاؤها يشعرون أنهم زائلون وبأنها مرحلة انتقالية ولم يبق سوى 3 سنوات ونصف وينقضي عمر هذه الحكومة ولازالت هذه المحكمة حتى الساعة لم تر النور ولا يظهر في الآفاق ما يوحي بأنها سترى ذلك النور». هذا المثال وأمثلة أخرى انطلق منها لشكر ليخلص إلى أن طريقة تعامل الحكومة في ظرف سنة ونيف«لا يطمئن بأن هذه الحكومة ستفعل الدستور بشكل ديمقراطي»، ليوجه كلاما مباشر لبنكران« الشعب المغربي ما غاديش يبقى دائما مصواب». وقد أثار الحديث المستفيض عن المقاربة التشاركية والتوافق في وضع القوانين التنظيمية كنصوص تأسيسية لمرحلة ما بعد دستور جديد، حفيظة الحبيب الشوباني وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، في جلسة ثانية، حين انتقد تعويم وتمييع مصطلح المقاربة التشاركية بدعوى التغلب على محدودية الزمن الدستوري، لأنها بحسب إدراكه يجب أن تكون لها حدود معينة: «لا يمكن أن تشارك المعارضة في كل القوانين وإلا عليها أن تتخلى عن حقها في الرقابة والحكومة هي المسؤولة سياسيا». تجاذبات المفاهيم بين السياسيين ستثير كذلك اهتمام الجامعيين. ورغم إقرار عبد الله ساعف أنه في ظل غياب التوافق يصعب البناء الدستوري، ضاربا المثل بما يقع في مصر حاليا بسبب انتفاء التوافق بين القوى السياسية، لكنه دعا الجهاز التنفيذي إلى بناء هذا التوافق لتحقيق النجاح رغم أنه يرى أن المقاربة التشاركية التي حضرت في إنجاز الدستور لن تكون لها نفس القوة في جميع القوانين التنظيمية. العلاقة بين السياسي والباحث.. ما سيعتبره الحبيب الشوباني انعداما للجرأة لدى الباحثين الجامعيين في المسألة الدستورية بالمغرب، لن يمر دون أن يثير حفيظة المتدخلين منهم. لكن قبل استماع الوزير الشوباني إلى ردود فعل الأكاديميين، فإنه تساءل عن كيفية السبيل إلى ما سماه تمنيع التشريع من التحكم وربط الأمر بفكرة المخطط التشريعي الذي ليس سوى التزام سياسي من الحكومة وليس دستوريا. هذا التساؤل سيذهب به أبعد حين تحدث عن وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عن الريع التشريعي:« على نفس منوال عفاريت وتماسيح ابن كيران، فإنه في العمل التشريعي هناك عفاريت وتماسيح». وبعين استباقية، يتساءل الشوباني عن حجم اليقظة المجتمعية للتصدي لأي «تحريف أو تطبيق للدستور حتى نمنع إعادة إنتاج وضع منفجر يحدث بعد عقود ولكن يؤسس له اليوم». وعلى عكس تخوفات المعارضة من عدم إشراكها من طرف الحكومة، توجه الشوباني إلى الجامعيين مستفزا إياهم حين عبر عن خوفه من انسحاب الجامعة في النقاش الدستوري: «وحتى ما كتب لحد الآن على قلته غير جريء لأن الفاعل العلمي لا حسابات له وهو أقوى سلطة في المجتمع المتحضر». هذه الملاحظات سيرد عليها الباحث محمد المالكي بالاتفاق من خلال التأكيد على أن علاقة الجامعة بالسياسي لا ترقى إلى المستوى المطلوب. غير أن المالكي فسر ذلك بأسباب موضوعية خارجة عن إرادة الباحثين الجامعيين من قبيل الحيرة التي يجدون أنفسهم فيها عند محاولة فهم بعض فصول الدستور والسبب «هو أنه لحد اليوم لم يتم الإفراج عن أشغال اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور لكي أستطيع أن أفهم سياق صياغة هذا الفصل من ذاك». هذه الوضعية التي تجعل الباحثين في موقف ملتبس خصوصا عند تأويل فصول ومضامين الدستور، هي ما جعلت المالكي يوضح بأن المغرب: «لا يتوفر على ذاكرة دستورية لأننا لم نمكن من تقارير اللجان التي اشتغلت على الدساتير المغربية».