على مر الحضارات التي تعاقبت على تاريخ المغرب القديم والوسيط كان أجدادنا المغاربة يبدعون في مجالات مختلفة، ويقدمون أمثلة عديدة على التطور الكبير الذي حققوه في مجالات الطب والعمارة والبناء والعلوم والأدب والشعر، في وقت كانت فيه أوروبا لا تزال غارقة في بحر من الجهل والتخلف والأمراض، وهذا ما دفع بعدد من العلماء الأوروبيين الى ترجمة أعمال الأطباء والعلماء المغاربة ومحاولة الاستفادة منها، في أوروبا، وكمثال بسيط على ذلك فإن جامعة القرويين لعبت دورا كبيرا في انتشار العلوم والأرقام العربية إلى ربوع أوروبا... في هذا الخاص نتوقف لنلقي الضوء على أبرز مفاخر المغرب المنسية التي قد لا يعرف عنها الجيل الحالي أي شيء تقريبا.. لا ينفك الحديث عن الزوايا بالمغرب عادة عن وصف مظاهر الاحتفالات التي تقام بها، وما يتخلل تلك الاحتفالات من ممارسات لا تنضبط لقواعد الشرع، إذ صارت الكثير من الزوايا مرتعا خصبا لنمو البدع، وملتقى لأهل الأهواء الفاسدة، وأرباب الانحراف السلوكي والعقدي؛ مما دفع بالكثير من الذين يكتبون حول الزوايا، اليوم، إلى الوقوف عند حدود الممارسات المنحرفة توصيفا ونقدا ونقضا لا يتعدونه إلى حقيقة الدور التاريخي لهذه الرباطات، وبين هذه الطائفة من المبغضين للزاوية وتلك المغالية في حبها حد التقديس والتنزيه عن كل نقيصة بون شاسع تغيب في مساحاته المترامية لغة الإنصاف، ولعلنا حين نستقرئ تاريخ هذه الزوايا ندرك بأن أمرها صار إلى ما صارت إليه معظم المنشآت التي كانت تشع حضارة في تاريخ هذه الأمة العظيمة، وأن حالها تقلب ما بين أزمنة الازدهار والانحطاط تقلب حال المدارس والمعاهد والمساجد، فلا يغرن من يقف على أبواب واحدة منها اليوم ما صارت إليه من ابتعاد عن التأثير العلمي والديني وحتى السياسي في نفوس مريديها وروادها لأنها كانت، إلى عهد قريب، تؤثر في صناعة أخطر القرارات في حياة المغاربة، وليس هنا مقام الحديث عن الزوايا المنتشرة في ربوع المغرب وتأثيرها، إذ سنكتفي بالتلميح إلى مجموعة من الزوايا المعروفة بمدينة فاس مع الإشارة إلى بعض الأدوار التي اضطلعت بها في حياة الفاسيين والمغاربة عموما بالنظر إلى أن تأثيرها غالبا ما كان يتجاوز الرقعة الجغرافية التي تنتمي إليها. ولعل أهم دور قامت به الزاوية منذ نشأتها الأولى هو توفير المأوى والطعام لعابري السبيل والمحتاجين، وفي ذلك يقول ابن مرزوق في المسند الصحيح الحسن: «والظاهر أن الزوايا عندنا في المغرب هي الموضع المعد لإرفاق الواردين وإطعام المحتاج من القاصدين». وهو نفس الدور الذي يشير إليه المقري حين يتحدث عن الزاوية المتوكلية بفاس قائلا: هي ملجأ للواردين ومورد لابن السبيل وكل ركب ساري/ دار على الإحسان شيدت والتقى فجزاؤها الحسنى وعقبى الدار ولا يخفى أن الزوايا على اختلاف مشاربها تشترك في هذه الميزة وتتنافس في إطعام المحتاجين وعابري السبيل وإيوائهم، وهي أفضل مظهر من مظاهر التعبير عن انخراط المجتمع في إعلاء قيمتي البذل وحسن الضيافة، إذ أن موارد هذه الزوايا كانت تتكون غالبا من هبات المحسنين وأوقافهم فضلا عن مساهمات المنتسبين إليها وعطايا السلاطين، وإلى هذا المعنى يشير ابن الحاج النميري حين ذكر أن الزاوية المتوكلية عرفت ترتيب جزيات للخدم ليقوموا بتنظيفها وخدمة زوارها وعمل الأطعمة لهم، وماتزال الزاوية التجانية إلى يوم الناس هذا قائمة بهذا الدور محافظة على خدمة عابري السبيل والفقراء يؤمها الناس من أقطار الأرض؛ فيحصلون على المأوى والطعام مجانا، يقوم على ذلك أشخاص منقطعون لخدمة زوارها. غير أن هذه الزوايا لم تنشأ لتقديم الخدمات والإرفاق وكفى، فالأصل فيها أنها رباطات للذكر والعبادة وطلب العلم والدفاع عن بيضة الدين وحوزة الوطن متى أراده عدوه بسوء، ولا يغفل الباحثون في تاريخ الزوايا- دون شك - أن أصل دولة المرابطين العظيمة كان رباطا أنشأه عبد الله بن ياسين، وكذلك كانت زوايا فاس المنتشرة في كل الأحياء والأزقة أماكن للخلوة والتعبد والانقطاع عن الدنيا والاشتغال بالآخرة. ومن هذه الزوايا نذكر على سبيل المثال لا الحصر الزاوية الكتانية بالقطانين، وزاوية سيدي عبد القادر الفاسي بالقلقليين، وزاوية سيدي أحمد الشاوي المعروفة كذلك بزاوية الجرف؛ والتي تشرف على الجزء الجنوبي لعدوة القرويين، وتعد واحدة من الآثار المهمة بفاس، والزاوية الصقلية، والزاوية الناصرية، والزاوية الدرقاوية بالمخفية، وزاوية محمد المهدي التي تقع بمحاذاة مدرسة الزاوية الخضراء، ثم نضيف الزاوية المتوكلية الشهيرة التي جرى الخلط بينها وبين المدرسة البوعنانية المتوكلية، وقد وصفها ابن بطوطة في كتاب رحلاته بأنها «لا نظير لها في المعمورة في إتقان الوضع وحسن البناء والنقش في الجص؛ بحيث لا يقدر أهل المشرق على مثله» وقال عنها إنها أبدع وأشد إتقانا وإحكاما من زاوية «سرياقص» التي تعد مفخرة المشرق في العمارة والبناء. إن هذه الزاوية التي اعتقد المستشرقون ومؤرخو المغرب لزمن طويل أنها المدرسة البوعنانية عينها لاندثار معالمها، قد جرى اكتشافها في السنين الأخيرة على يد العلامة عبد الهادي التازي الذي أنفق زهاء ثلاثة عقود من عمره في التنقيب عن معالمها إلى أن اهتدى إلى مكانها بظاهر فاس على ضفة وادي الجواهر. ولو شئنا التوسع في تتبع زوايا فاس واستقصاء أخبارها لوجدنا أنها بالعشرات؛ حيث لا يكاد يخلو منها حي أو تجمع سكني بالمدينة القديمة مما يعطي انطباعا أنها كانت إلى حدود الأمس القريب جزءا من حياة الفاسيين، وأن ارتباطهم الوجداني بها ساهم إلى حد كبير في استمرارها. ونشير هنا إلى أن معظم هذه الزوايا اليوم قد تم إغلاقها لأسباب مبهمة؛ فإذا كان تصدع جدران بعضها يبدو سببا معقولا لإغلاقها، فإن البعض الآخر مايزال قادرا على النهوض بالأعباء التي أنشئ لأجلها فيكون إغلاقها على ذلك غامض الأسباب، خاصة أن معظم الزوايا المتصدعة البناء لم تشهد أي نوع من أنواع الترميم، ولم تحدد الجهات المختصة أجلا معينا لإصلاحها. وكان من المفترض أن تتم الإشارة في لافتات تعلق أمام الزوايا الآيلة للسقوط إلى اسم الشركات المسؤولة عن ترميمها وإلى مدة الترميم وتكلفته كما ينص على ذلك قانون الصفقات العمومية ولأن مداخل هذه الزوايا تخلو من أي معلومة من هذا القبيل فإن إغلاق هذه الزوايا يظل مجهول الأسباب. ولنعد للحديث عن أدوار الزوايا الفاسية؛ لنضيف إلى ما تقدم أنها كانت مدارس علم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويكفي أن نستعرض أسماء بعض مؤسسيها وأتباعها، وأن نقف عند آثارهم العلمية لإدراك أهمية دورها العلمي. فالزاوية التجانية، مثلا، أنجبت أجيالا من العلماء الكبار من أمثال أحمد بن المأمون البلغيثي صاحب «الابتهاج بنور السراج»، وأحمد سكيرج صاحب «الظل الوريف»، ومحمد بن المشري الحسني صاحب «الجامع لما افترق من العلوم»، وعلي حرازم بن العربي وغيرهم، وأنجبت زاوية سيدي عبد القادر الفاسي أديب عصره ابن زاكور الفاسي الذي يشير إلى أنه تلقى أولى معارفه على يد العلامة عبد القادر الفاسي، وفي أحضان هذه الزاوية ترعرع عبد الرحمان الفاسي الذي خلف ما يناهز مائتي كتاب منها «الأقنوم في مبادئ العلوم» الذي يضم مبادئ ما يفوق مائتين وثمانين علما برع فيها المؤلف جميعها. وأنجبت الزاوية الصقلية جيشا عرمرما من العلماء منذ تأسيسها، نذكر منهم على سبيل المثال محمد الفاطمي بن الحسين الصقلي المتوفى عام (1833 م _ 1311 ه)، وقد ضمت هذه الزاوية على غرار باقي الزوايا مكتبة حوت أعدادا هائلة من الكتب والمخطوطات النادرة، وأما الزاوية الفاسية التي أسسها العالم أبو المحاسن الفاسي؛ فقد أغنى مريدوها المكتبة المغربية بتواليفهم في الشعر والأدب وباجتهاداتهم الفلكية وأبحاثهم في الطب، ولم تكن أهميتها العلمية لتقصر عن باقي الزوايا المذكورة، ومن هذا الحديث الموجز المقتضب عن مساهمة زوايا فاس في إثراء الحياة العلمية بالمدينة نستشف أنها خلقت أجواء علمية فريدة، تميزت بالتنافس في توفير المناخ الملائم لطلبة العلم والمريدين لتعميق مداركهم وتوسيع معارفهم، وبفضلها تحولت فاس إلى مجال خصب لترعرع العلماء ونبوغهم فلم يكن مستعصيا أن يقابل صغار الطلبة عبد الرحمان الفاسي، ويأخذوا عنه مشافهة وهو الذي طبقت شهرته الآفاق، وذاع صيته داخل المغرب وخارجه، ولم يكن مستحيلا أن يسمعوا شرح صحيح البخاري بالزاوية الدرقاوية من فم أحمد بن سودة. وهكذا صار بإمكان حرفيي فاس وعمالها أن يأخذوا من العلوم بنصيب وافر حتى قال بعض زوار فاس في تلك الأزمنة الذهبية إنه لمن المستغرب أن يجادلك عمال الفرن والجلود بفاس في أدق المسائل العلمية، ولم يقف دور الزوايا الفاسية عند هذا الحد فقد كان لها حضور سياسي وازن في مختلف العصور. ونقتصر هنا على ذكر بعض الأمثلة القليلة التي تلخص مشاركة زوايا فاس في صياغة قرارات لها تأثيرها في كل بلاد المغرب بل وتتعداه أحيانا إلى دول الجوار. إن الزاوية الكتانية مثلا كان لها أثر مباشر مثلا في عزل السلطان عبد العزيز العلوي؛ من خلال فتاوى أبي الفيض ومحمد عبد الحي الكتاني، وسجل التاريخ أنها دخلت في صراع مباشر مع السلطان عبد الحفيظ الذي أمر بجلد أبي الفيض في سجن بولخصيصات إلى أن فارق الحياة، وكان لها موقف مشهود كذلك من المستعمر الفرنسي؛ إذ دعا أبو الفيض إلى عقد مؤتمر عام 1908م بمكناس ضم أعيان الأطلس للدعوة إلى الجهاد ضد المستعمر، وقد ساهمت الزاوية الكتانية في إرساء الأمن بفاس؛ حيث ذكر روجيه لوتورنو أن ألفين من منتسبيها كانوا يتدربون على الرماية خارج باب الفتوح على يد أحد شيوخهم للحفاظ على الأمن بالمدينة، كما أصبحت مأوى للعلماء والزعماء الفارين من بطش حكامهم في سائر بلاد الإسلام من أمثال علي بن ظاهر الوتري وخير الدين التونسي وغيرهما. وكان للزاوية التجانية أثر دعوي وسياسي حاسم في كل إفريقيا حيث بلغ عدد أتباعها في نيجيريا لوحدها عشرة ملايين نسمة، مما دفع المستشرق «بوني موري» للقول بأنه كان من شأن الإسلام أن يغزو كل إفريقيا لولا الضربة التي أنزلتها فرنسا بالطريقة التيجانية، وشبه الضربة الفرنسية للتيجانيين بمعركة بلاط الشهداء التي أوقفت المد الإسلامي بأوربا. ومعلوم أن محمد بلعربي الدرقاوي مؤسس الزاوية الدرقاوية، وداعية الجهاد ضد المستعمر الفرنسي في جنوب شرق المغرب إنما تلقى مبادئ العلوم والتصوف من زوايا فاس، ثم انتقل بعدها إلى الجنوب الشرقي؛ ليرسي قواعد أكبر حركة مناهضة للمد الاستعماري، وقد عرف بموقفه المتصلب من اقتطاع أراضي المغرب لفائدة المستعمر؛ مما جلب عليه نقمة المخزن، وأدخله في صراع مباشر مع سلطاته. وعليه فهذه الزوايا التي تحدثنا عنها وتلك التي لم نشر إليها كانت لصيقة بحياة الفاسيين ليس على المستويين الوجداني الاجتماعي فحسب؛ بل على المستوى العلمي والسياسي كذلك. إن هذه الزوايا لعبت أدوارا حاسمة في الحفاظ على الاستقرار والسلم الاجتماعيين في فترات الاضطراب التي عرفتها فاس في تاريخها المديد، ولشيوخها الفضل كل الفضل في سد الثغرات التي عجزت السلطة عن سدها في كثير من الأحيان، خاصة فيما يتعلق بإدارة مصالح الناس وضمان معاشهم في فترات الأوبئة والمجاعات والاضطرابات.
الزاوية الكتانية.. إشعاع كبير في المحافل الدولية
تقع الزاوية الكتانية الذائعة الصيت بحي القطانين، وقد تم تأسيسها عام 1272ه. وهي اليوم شبه مغلقة بعد تصدع جدرانها وتحتاج إلى قرار سياسي أكثر من حاجتها إلى المال لاستعادة أمجادها الغابرة، في هذه الزاوية لمع نجم العلامة أبو الفيض، ونبه ذكر المحدث عبد الحي، وعرف الناس المؤرخ الفقيه محمد بن جعفر مؤلف «سلوة الأنفاس». وحسب إفادة الكتانيين فالزاوية عرفت نشاطا علميا مكثفا تمثل في تدريس صحيح البخاري، وسنن الترمذي والشفا للقاضي عياض وغير ذلك من الكتب في كل أنواع العلوم العقلية والنقلية. وكان طلبة العلم يجدون بالزاوية مأوى ملائما لإقامتهم يحظون فيه برعاية فائقة، إذ يتناولون وجباتهم الغذائية بها، ويستفيدون من المكتبة الكتانية التي ضمت ثلاثة عشر ألف كتاب من بينها مخطوطات نادرة؛ كنسخة قانون ابن سينا. ومتى تعذر عليهم مواصلة دروسهم بالزاوية بسبب توافد الزوار والمريدين كانوا ينتقلون إلى بيت العلامة محمد عبد الحي بسيدي بوجيدة؛ لمتابعة دروسهم، ولم يقف إشعاع الزاوية عند حدود الإقراء وتدريس العلوم، فقد كان لها حضور قوي في الكثير من المحافل العلمية الدولية؛ إذ دأب الكتانيون على تنظيم المؤتمرات العلمية بشكل سنوي خاصة في المنطقة المغاربية حيث كانوا يعقدون تجمعات بكل من تونس والمغرب والجزائر لتدارس القضايا التي تهم الأمة الإسلامية. وكانت هذه التجمعات مناسبة سانحة لتبادل الإنتاج العلمي والفكري بين علماء هذه الأقطار الثلاث، وكذا لجمع التبرعات لفائدة الحرمين الشريفين. وقد روى لي العلامة عبد الرحمان بن عبد الحي الكتاني، وهو محدث معروف بعلو أسانيده، وأحد خريجي هذه الزاوية العديد من طرائف هذه اللقاءات. فقد تغيب والده عن بعض المؤتمرات التي انعقدت بتونس، ونظرا للمكانة التي كان يحظى بها في العالم الإسلامي ككل خاطبه «باي» تونس على ملأ من العلماء قائلا: على السيد عبد الحي الكتاني أن يؤدي لتونس فوائد غيابه طيلة هذه السنوات (ومعلوم أن الفوائد تؤدى عن الديون وهنا قصد الباي أن الكتاني مدين لدولة تونس بسبب تغيبه عن بعض مؤتمراتها العلمية) فأجابه (وكان حاضر البديهة) إذا أقر معالي وزير العدلية هذه الفوائد وهو العالم بحكم الشرع فيها فما علي إلا أن أؤديها.... وقد تجاوز حضور الزاوية الكتانية الدول الإسلامية إلى غيرها من الدول، فقد حدث لقاء تاريخي بين عبد الحي وبابا الفاتيكان، حاول خلاله البابا فرض بعض الطقوس التي تسبق لقاءه بضيوفه من قبيل الانحناء له وتقبيل خاتمه، فأبى الكتاني، وأشار إلى أتباع البابا بأن انتسابه للدين الإسلامي؛ يمنعه من الانصياع لهذه الطقوس، وأن على البابا إذا شاء ملاقاته أن يمتثل لما يمليه دين الإسلام، ولكن إذا ارتأى أن يلتقيا بصفتهما عالمي دين؛ فإن له ذلك وكذلك كان. وقد خصص البابا للشيخ عبد الحي مكان استقبال حرص على تأثيثه وفق الذوق المغربي تقديرا لعلو مكانة الشيخ وقدره، وقد انتهز الكتاني فرصة اللقاء؛ ليستنسخ مجموعة من المخطوطات التي كانت تزخر بها مكتبة البابا وأودعها بمكتبته إلى أن نقلت المكتبة برمتها إلى الخزانتين العامة والحسنية بالرباط على مدى ستة أشهر متواصلة. وجدير بالذكر أن من المهام التي اضطلعت بها الزاوية الكتانية في مرحلتي السيبة والحماية (واللتين عرفتا غيابا كبيرا للسلطة السياسية على كل المستويات خاصة في المناطق النائية) مهمة القضاء بين الناس، وحل النزاعات القبلية، وفي هذا السياق يذكر الشيخ عبد الرحمان الكتاني أن والده بعث قاضيا من أتباع الطريقة الكتانية إلى «آيت زر» للفصل بين المتنازعين والاستماع لشكاوى المتظلمين، ونظرا للأخلاق التي كان يتحلى بها الناس في تلك الأزمنة لم يكن القاضي محتاجا إلى الشرطة لتنفيذ أحكامه؛ لأن عدل القضاة وورع الناس كانا أهم ضامن للامتثال لتلك الأحكام.