لم يكن البقال الشاب يعلم أن محاولته لتحييد اللص النحيل الذي اقتحم دكانه، وقت القيلولة، ستكلفه حياته وبطريقة بشعة، كشفت عن وحشية «المجرم» وشراسته وهيستيريته تحت مفعول مخدر، بعد أن وجه أكثر من 14 طعنة للضحية الذي كان يحكم قبضته عليه إلى أن خارت قواه، وسقط مضرجا في دمائه... أغلق عبدالرحيم الباب الزجاجي لدكانه بعد ظهر يوم الأربعاء، كعادته، ودخل إلى بيته لأداء صلاته وتناول وجبة غدائه رفقة زوجته وصهره، وأخذ قسط من الراحة قبل استئناف نشاطه التجاري. كان عبد الرحيم يستعد للتمدد على أريكة عندما تناهت إلى سمعه حركة غير عادية داخل الدكان وصوت تكسر زجاج، فهرع إلى مصدر الصوت ليجد نفسه وجها لوجه أمام شاب مخمور في الواحدة والعشرين من عمره، نحيل الجسم متوسط القامة تمكن من اقتحام الدكان عبر فتحة صنعها بعد تكسير زجاج أحد إطارات الباب... ارتكاب الجريمة انقض عبدالرحيم على الشاب الغريب الذي اقتحم مسكن الغير بدون وجه حق وفي نيته ارتكاب أفعال خارجة عن القانون، وأحكم قبضته عليه, بحكم أنه هو كذلك شاب في الثالثة والثلاثين من عمره ذو بنية قوية ولاعب سابق في إحدى الفرق الرياضية لكرة القدم بمدينة وجدة، بهدف تحييده ومنعه من تنفيذ فعله الذي جاء من أجله، وحاول سحبه إلى وسط المنزل عبر باب الدكان المؤدي إلى فنائه، بغية منعه من الفرار في انتظار الاتصال بالمصالح الأمنية لتسليمه لها ومتابعته من أجل اقتحام مسكن الغير من أجل السرقة. لم يكن سمير المخمور يظن أنه سيقع في قبضة شاب أقوى منه وشرع يصرخ «اطلق مني.. خليني نمشي... ما نعاودش...اطلق مني...». وبقدر ما كان عبد الرحيم مصمما على إحكام القبضة عليه وتلقينه درسا بتسليمه للأمن، كان سمير يحاول التخلص من القبضة والتحرر والإفلات والفرار لكن لم تكن له القوة الكافية لذلك، فاستل سكينا كبيرا ووجه طعنة للبقال الشباب، لكن هذا الأخير زاد في إحكام قبضته على غريمه رغم وقوعهما على الأرض، في الوقت الذي استمر سمير في توجيه طعنات متتالية إلى جسد ضحيته الذي خارت قواه وفكّ قبضته عن قاتله وخرّ جثة هامدة بعد أن ألقى آخر نظراته على زوجته وعلى صهره اللذين لحقا به لاستطلاع أسباب الصراخ والضجيج... وفي الوقت الذي هرعت الزوجة وشقيقها إلى مساعدة الضحية وتقديم الإسعافات التي يمكن تقديمها، سارع الجاني إلى الفرار من حيث دخل مخلفا وراءه مأتما. تحريات واعتقال انتقل نائب وكيل الملك وعناصر الشرطة القضائية والعلمية وممثلين عن السلطات المحلية، إلى مسرح الجريمة، لمعاينة الوقائع، والإحاطة بظروف الجريمة ومحاولة معرفة أسبابها وجمع الدلائل وكل ما يفيد في فكّ لغزها، حيث تبين من الوهلة الأولى أنه من المحتمل جداّ أن يكون الفاعل غريبا عن الحي وعن المدينة وإلا لما ارتكب فعله في واضحة النهار. كان أول الخيوط التي تمسكت بطرفها فرقة الأبحاث التابعة للشرطة القضائية هي قبعة الجاني التي وقعت منه أثناء الاشتباك مع ضحيته، ثم تصريحات مواطنين اثنين من الحي أحدهما شاهده قبل وقوع الجريمة والثاني بعدها، وأدليا بأوصافه وملامحه، في الوقت الذي أرسلت البصمات إلى مختبر الشرطة لتحديد هوية صاحبها أو أصحابها. وفي انتظار النتائج، باشرت عناصر الشرطة القضائية عملية ماراتونية عبر حملة تمشيطية بالمنطقة، خاصة في بعض القطع الأرضية التي ألف مجموعة من الخارجين عن القانون والمعربدين واللصوص اللجوء إليها لمعاقرة الخمور والتعاطي للمخدرات، حيث تم وضع اليد على شخصين من ذوي السوابق العدلية في جلسة خمرية. وبعد البحث والتحقيق معهما، كشفا عن نديمين اثنين كانا رفقتهما ثم انسحبا من أجل اقتناء قنينة خمر وقنينة ماء ولم يعودا. وبعد إعطاء أوصافهما اتضح أن أحدهما غريب عن وجدة ويتحدر من ضاحية مدينة فاس «زواغة مولاي يعقوب» ولا علاقة لهما به لكن له علاقة بصديقه الذي يعرفانه جيدا والمسمى وهّاب من بلدة بني ادرار بضاحية وجدة، معروف لدى الشرطة القضائية بسبب جرائمه السابقة، والذي تعرف عليه ببني ادرار حين كان يساعد المهربين في جلب الوقود المهرب من الجزائر وبيعه. تأكد لعناصر الشرطة القضائية أن الجاني هو صاحب القبعة التي تعرف عليها الشخصان الموقوفان، كما أكدا على حمله لسكين كبير بقضته خشبية سوداء وضعها أمامهما أثناء احتسائهما للخمر. ألقي القبض عليهما بعد أن أسفر البحث معهما عن كونهما قاما بعملية اعتداء وسرقة في نفس اليوم، في حقّ مواطنتين بحي التقدم وسلبا من ضحيتيهما مبلغا ماليا وهواتف نقالة تم العثور عليها بحوزتهما، وتمت إحالتهما على العدالة. توجهت فرقتان من عناصر الشرطة القضائية، الأولى إلى مسكن أسرة صديق الجاني ببلدة بني ادرار حيث تم العثور على السكين أداة الجريمة الذي تخلى عنه المجرم هناك، والذي نظفته شقيقة صديقه وهاب واستعملتها في تقطيع الخضر دون علمها بالجريمة، فيما توجهت الثانية إلى مسكنه بحي امباصو بوجدة، حيث تم اعتقال الجاني الذي ارتكب جريمته من أجل السرقة لاقتناء الخمر وإكمال جلسته الماجنة. تم اقتياد المجرم إلى ولاية أمن وجدة، حيث وضعت أمامه قبعته وسكينه أداة الجريمة وخطة الطريق التي سلكها قبل وبعد ارتكاب جريمته الشنعاء، ولم يجد بدّا من الاعتراف بما اقترفت يداه... تمثيل الجريمة وإحالة على العدالة تم مساء يوم الأربعاء 23 يناير الجاري، بحضور نائب وكيل الملك باستئنافية وجدة، إعادة تمثيل جريمة القتل التي راح ضحيتها، بعد زوال الاثنين 21 يناير الجاري، شاب في ال33 من عمره متزوج وأب لطفلين لاعب سابق في صفوف نادي المولودية لكرة القدم، بعد أن تلقى أكثر من 14 طعنة بمدية داخل دكانه، من طرف المنحرف وقت اكتشافه لعملية سرقة داخل دكانه لبيع المواد الغذائية. وتمكنت عناصر الأمن التابعة لمصالح الشرطة القضائية بولاية أمن بوجدة، من اعتقال الجاني رفقة أحد شركائه الذي كان يؤويه، ساعات بعد ارتكابه للجريمة الشنعاء التي هزت حي الطوبة الخارجي ومدينة وجدة، نظرا لأخلاق الضحية وحسن سلوكه. واختارت مصالح الشرطة القضائية وقت تمثيل الجريمة تزامنا مع إجراء مباراة المنتخب الوطني ضد نظيره الأنغولي برسم نهائيات كأس إفريقيا تجنبا لحضور مكثف للمواطنين وسكان الحي الذين قد تثير مشاهدة المجرم غضبهم وتحرك غريزة الانتقام لديهم فيعمدون إلى القصاص منه. وأحيل الجاني على استئنافية وجدة بتهمة القتل العمد، فيما قدم صديقه من أجل التستر على الجريمة والسرقة والسكر.