لطالما عرفت جلسات مناقشة مداخيل الجماعة الحضرية لطنجة، مشاحنات قوية بين فصائل الأغلبية والمعارضة تصل إلى حد الاتهامات المباشرة بالاختلاس أو التلاعب بأموال الجماعة، وهي الاتهامات التي لا تتجاوز في الغالب الأعم، حدود الجلسات، لتنتهي إلى مقبرة النسيان في اليوم الموالي إلا من إشارات في بعض الصحف، دون أن تتجاوز ذلك إلى فتح تحقيق في أي اختلال او اتهام يمر، للتذكير، أمام ممثلي وزارة الداخلية. لكن الأمر اليوم لم يعد يتعلق بمجرد اتهامات عابرة أو ملاحظات شفوية، بل بوثيقة رسمية صادرة عن واحدة من المؤسسات الاستراتيجية الأهم في المغرب، والتي يتابع السياسيون والإعلاميون خاصة، باهتمام كبير، تقاريرها السنوية وما تحمله من معطيات وأرقام، وفضائح مالية وتدبيرية بطبيعة الحال. الأمر يتعلق بالفقرة المتعلقة بالمداخيل الذاتية للجماعة الحضرية لطنجة، المنشورة بالتقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات لسنة 2011، وهي السنة التي وصل فيها عمدة طنجة فؤاد العماري إلى كرسي رئيس المجلس الجماعي لطنجة، في ما وصف وقتها ب«انقلاب أبيض»، وهناك من يسميه «انقلاب قذر»، على سلفه وزميله في حزب الأصالة والمعاصرة آنذاك سمير عبد المولى. تآكل سريع للمداخيل رقم مفزع ذاك الذي دشن به المجلس الجهوي للحسابات بطنجة، تقريره المعنون ب«المداخيل الذاتية للجماعة الحضرية»، المضمن في الجزء الثاني من تقرير المجلس الأعلى للحسابات انطلاقا من الصفحة 149، عندما أشار إلى أن مداخيل هاته الجماعة تراجعت من حوالي 207 ملايين درهم سنة 2008، إلى 140 مليون درهم سنة 2011، منبها إلى أن التراجع الملحوظ للمداخيل سجل منذ سنة 2009، وهي السنة التي تمكن فيها حزب الأصالة والمعاصرة، صاحب السبعة مقاعد فقط في الانتخابات الجماعية التي أجريت في السنة نفسها، من كرسي العمودية، متجاوزا حزبي التجمع الوطني للأحرار صاحب 23 مقعدا، والعدالة والتنمية صاحب 22 مقعدا، هذا الأخير لا زال إلى الآن لم يستسغ ذهاب مقعد العمودية إلى غريمه السياسي «البام»، ولا يفوت أي فرصة ليُذكر بما يعتبرها مؤامرة كانت سببا في نكسات المدينة ومجلسها الجماعي، وطبعا يحملها مسؤولية تراجع مداخيل الجماعة، وهي الملاحظة التي كثيرا ما تردد أثناء الدورات. وتفتقر الجماعة الحضرية لطنجة، حسب ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، إلى رؤية استراتيجية لتدبير المداخيل الجماعية وخاصة الذاتية منها، حيث يقتصر عملها على التدبير اليومي لشؤون المداخيل دون اعتماد آليات التخطيط الاستراتيجي، التي تعد، حسب التقرير، إحدى المبادئ الأساسية لحسن تسيير الإدارة والشأن العام المحلي، وقد أوصى المجلس الجهوي للحسابات ببلورة مخطط استراتيجي لتدبير مداخيل الجماعة يحدد الأهداف المتوخاة بشكل واضح ويضع جدولا زمنيا للإجراءات العملية لتحقيقها ويعتمد مؤشرات يتم بواسطتها قياس مستوى النتائج. وسجل تقرير المجلس الجهوي للحسابات ملاحظات عديدة بخصوص وكالة المداخيل، في مقدمتها جمع وكيل المداخيل بين مهام متعددة ومتنافية، فهو يقوم بإحصاء الوعاء الضريبي، وإثبات الديون العمومية، ووضع الأوامر بالمداخيل والتحصيل، وهو ما يناقض الشرط القانوني القاضي بالفصل بين مراحل التنفيذ، ويضعف بالتالي منظومة الرقابة الداخلية حسب التقرير. وأظهر التقرير أيضا نقصا في تجهيز بعض مراكز الاستخلاص الفرعية، كتلك الموجودة في المحطة الطرقية والمحجز والأسواق الجماعية، التي تفتقر حتى للصناديق الحديدية الخاصة بالأموال أو وسائل الحماية من السرقات والتصدي للحرائق، كما تنص على ذلك تعليمات وزارة المالية. رسوم الأراضي الضائعة رسوم بالملايين تخص القطع الأرضية الحضرية غير المبنية تضيع على الجماعة بشكل غريب، هذا ما أشارت إليه الفقرات الأولى من الجزء الثالث من تقرير المجلس الأعلى للحسابات انطلاقا من الصفحة 150، فقد أورد أن الجماعة تعتمد على تصريح يقدمه الملزم بدفع الرسم، أو تلجأ إلى تقديرات شخصية لموظفي الجماعة لتحديد المبلغ الواجب استخلاصه، عوض الاعتماد على بطاقة المعلومات المقدمة من طرف الوكالة الحضرية، وهي الوثيقة التي تشكل المرجعية المعتمدة لاستخلاص الرسوم. وساق التقرير 3 أمثلة لأراضي فرضت عليها رسوم أقل من المستحق، متسببة في خسارة الجماعة لأكثر من مليوني درهم. فبخصوص القطعة الأرضية موضوع الرسم العقاري رقم G/6869 الموجودة في منطقتين مخصصتين للعمارات وللسكن الجماعي من فئة طابق أرضي زائد 4 طوابق، فإن السعر الذي كان يجب تطبيقه عليها هو 6 دراهم منذ سنة 2008، فيما لم يطبق عليها خلال الفترة ما بين 2008 و2010 فعلا سوى 4 دراهم، الأمر الذي تسبب للجماعة في خسارة فاقت المليون و185 ألف درهم. قطعة أرضية أخرى يحمل رسمها العقاري رقم 9448 / 06، كان المجلس يعتبر أنها تقع في منطقة مخصصة لفيلات، فطبق عليها رسوما بقيمة درهم واحد للمتر، في حين أن بطاقة المعلومات المقدمة من الوكالة الحضرية لطنجة أكدت أن الأرض توجد في منطقة مخصصة للعمارات والسكن الجماعي، أي أن سعر الرسم الواجب تحديده هو 3 دراهم بدل درهم واحد، بمعنى أن الجماعة كانت تستخلص ثلث المبلغ الفعلي الواجب استخلاصه، وهو ما تسبب لها في خسارة حددها التقرير في أكثر من 340 ألف درهم. السيناريو نفسه تكرر مع القطعة الأرضية ذات الرسم العقاري 23243 / 06، والتي استخلصت الجماعة من ملاكها رسوما قيمتها أقل من 239 ألف درهم، بينما المبلغ الواجب استخلاصه يتجاوز 716 ألف درهم، أي أن الجماعة الحضرية تكبدت خسارة تجاوزت 477 ألف درهم. ولأن مقاطعة بني مكادة اعتادت أن تحضر في كل التقارير السوداء، فإن تقرير المجلس الجهوي للحسابات أشار إلى أن التصفية غير الصحيحة للرسوم المفروضة على الأراضي الموجود في هاته المقاطعة، تسببت للجماعة الحضرية في خسارة تعدت 440 ألف درهم، بفعل اعتماد سعر 3 دراهم للمتر عوض 4 الذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2004. وذكر التقرير أن الجماعة الحضرية فشلت في ضبط الوعاء الضريبي بفعل غياب إحصاء شامل عن الأراضي الحضرية غير المبنية، حيث ضيعت على نفسها ملايين الدراهم نتيجة عدم تتبع مصالح الجماعة للتجزئات العقارية، ويتعلق الأمر بتجزئات الغندوري والسانية والورود والمرس وحدائق طنجيس وابن قدور والنخيل. إعفاءات بالملايين لأرباب العقارات ذهبت 110 ملايين درهم أدراج الرياح، لأن الجماعة الحضرية لطنجة أعفت أرباب العقارات المجاورة للطرق العامة من إتاوات المساهمة في نفقات تجهيزها وتهيئتها، هذا ما خلص إليه تقرير المجلس الجهوي للحسابات الذي أورد أن الجماعة الحضرية رغم قيامها بفتح طرق جديدة في إطار مخطط تأهيل المدينة، فإنها لم تلزم أصحاب العقارات المجاورة لها بالمساهمة فيها منذ بدء العمل بسياسة وحدة المدينة في 2004. وبلغت تكلفة إنشاء الطريق الدائري رقم 9 حوالي 50 مليون درهم، كان واجبا على ملاك العقارات أن يساهموا فيها ب33 مليون درهم تقريبا. فيما بلغت تكلفة طريق المتلاشيات حوالي 39 مليون درهم، وأعفت الجماعة أصحاب العقارات من المساهمة في هذا المشروع بأكثر من 25 مليون درهم. أما الطريق الدائرية حول ميناء طنجة، بين منطقتي مسنانة والرهراه، والبالغة مسافتها 3 كيلومترات و350 مترا، فكان على أرباب العقارات أن يساهموا فيها بمبلغ يقترب من 35 مليون درهم من أصل 45 مليون درهم هي تكلفته الإجمالية. وأخيرا أعفي ملاك العقارات من المساهمة بمبلغ يقارب 17 مليون درهم، من أجل إنجاز الطريق الدائرية حول ميناء طنجة بين الطريق الوطنية رقم 1 والطريق الثانوية رقم 702، والتي كلفت حوالي 20 مليون درهم. خمارات وملاهي معفية في الوقت الذي تسير فيه الحكومة الحالية نحو الرفع من قيمة الضرائب على المنتوجات الكحولية، يفاجئنا تقرير المجلس الجهوي للحسابات بإعفاء غير معلن من لدن المجلس الجماعي لطنجة، للحانات والمراقص والملاهي الليلية، من الرسوم المفروضة بموجب المادة 50 من القانون 89 – 30، منذ سنة 2004، وإلى غاية سنة 2007، ما ضيع على خزينة الجماعة مبلغا قارب المليون و346 ألف درهم. ونبه التقرير إلى أن تطبيق مقتضيات القانون رقم 06 – 47، المتعلق بجبايات الجماعات المحلية بأثر رجعي، تسبب في عدم تطبيق الجماعة لغرامات التأخير على محلات بيع المشروبات، بالإضافة إلى وقوع أخطاء في تصفية هاته الغرامات، حيث وقف تقرير المجلس على حالات بلغ مجموع الغرامات التي تم التملص منها أكثر من 130 ألف درهم، في حين أدى التطبيق غير السليم للغرامات سنوات 2005 و2006 و2007 إلى ضياع حوالي 64 ألف درهم على الجماعة، بينما لم يتم تطبيق الجزاءات عن الأداء المتأخر للرسم بالنسبة للمبالغ المستخلصة عن طريق الجداول، خلال الفترة ما بين 2005 و2008، أي في عهد العمدة الاتحادي دحمان الدرهم، ما فوت على المجلس الجماعي أكثر من 515 ألف درهم. الملاهي الليلية بدورها، أعفيت بشكل غير قانوني من ضرائب ورسوم ضيعت على الجماعة مداخيل مهمة، حيث يشير التقرير إلى أن مرقصين ليليين فتحا أبوابهما سنة 2004، وآخرين دشنا عملهما سنة 2007، بالإضافة إلى خامس بدأ الاشتغال سنة 2000 لم تفرض عليها الضريبة الواجبة على الملزمين. اختلالات المرافق العمومية سجل تقرير المجلس الجهوي للحسابات اختلالات كثيرة تتعلق بالمداخيل المفروض تحصيلها عبر مجموعة من المرافق العمومية، بداية من المحجز العمومي للسيارات والمركبات، حيث سجل التقرير اختلالات في عملية بيع المحجوزات، إذ لا تتوفر الجماعة الحضرية لطنجة على قرار تنظيمي يحدد طرق إجراء المزاد العلني لبيع المحجوزات ويتم الاكتفاء بأساليب عرفية فقط، بالإضافة إلى عدم تحديد القيمة التقديرية للمحجوزات المعروضة للبيع في المزاد العلني، وهو الإجراء الذي وصفه التقرير بأنه يحمي حقوق الجماعة من خطر حدوث تواطئ مسبق بين المشاركين في المزاد، وهو ما يؤدي إلى بيع المحجوزات بأقل من أثمانها الحقيقية، كما عرج التقرير على مشكلة يعاني منها المحجز العمومي وتتمثل في بقاء المحجوزات لمدة طويلة تتجاوز السنة في ظروف غير ملائمة، ما يخفض قيمتها. التقرير أشار أيضا إلى أن الجماعة ما زالت عاجزة عن استخلاص مبلغ مالي يتعدى مليونا و555 ألف درهم، وهو المبلغ الموجود على ذمة أصحاب السيارات التي بيعت سنتي 2006 و2007. مرفق عمومي آخر سجل خروقات ب«الجملة» حقيقة ومجازا، ويتعلق الأمر بأسواق بيع الأسماك بالجملة، حيث احتسب المجلس الجماعي مبالغ غير مستحقة له ضمن مجموع مداخيله، ففي سن 2006 و2007 و2008 و2010 احتسبت خزينة الجماعة مداخيل لا علاقة لها بالرسوم المفروضة قانونا على بيع الأسماك في ميناء طنجة، وهو ما عزاه التقرير إلى أن الخزينة الجماعية لا تتوصل ببيان مفصل رفقة التحويلات، والذي يحدد أسس احتساب الرسوم المتعلقة بالميناء، وكمثال على ذلك، استخلصت جماعة طنجة ما بين 2002 و2005، مبلغا قارب 217 ألف درهم من ميناء القصر الصغير، وهو المبلغ الذي كان من المفروض أن ينتقل إلى الجماعة القروية التي يحمل الميناء اسمها، وفي سنة 2010 أدرجت الخزينة الجماعية مبلغا فاق 138 ألف درهم ضمن مداخيل الجماعة الحضرية، كرسوم مفروضة على بيع الأسماك بسوق الجملة بميناء طنجة، بينما كان هذا المبلغ يهم الخدمات المستحقة للموانئ التابعة للجهة والذي يستخلصه المكتب الوطني للصيد. كما أشار التقرير إلى أن خزينة الجماعة تقتطع عمولة بقيمة 3.6 في المائة من مبلغ الرسم المفروض على بيع الأسماك بالجملة من طرف المكتب الوطني للصيد دون سند قانوني، وقد بلغت قيمتها منذ 2005 إلى متم 2011 حوالي مليون و519 ألف درهم. المرافق الرياضية بدورها، أضاعت على المجلس الجماعي ما يقارب 700 ألف درهم من المداخيل، بالنظر للسماح بالاستغلال المجاني لهذه المرافق من طرف الفرق الرياضية، ولم تستفد الجماعة، حسب التقرير، خلال الفترة ما بين 2005 و2010 من 271 ألف درهم كإتاوات خاصة بملعب مرشان، وأكثر من 269 ألف درهم بخصوص ملعب الزياتن، وأخيرا 146 ألف درهم بالنسبة للقاعة المغطاة «بدر». وعلاقة بالمرافق العمومية، سجل التقرير ملاحظة مثيرة للاستغراب تتعلق بخدمات التصديق على الإمضاء والإشهاد بالتطابق والحالة المدنية، حيث إن مداخيل الجماعة بخصوص هذه الخدمات لم تتعد 14 مليونا و334 ألف درهم خلال الفترة ما بين 2006 و2010، في حين أن الجماعة الحضرية لتطوان التي لا يتجاوز عدد سكانها نصف سكان طنجة، قارب حجم مداخيلها بهذا الصدد 16 مليون درهم، وهي المداخيل التي اعتبرها التقرير غير متناسبة مع حجم طنجة وأهميتها الاقتصادية. المشاريع الربحية رسوم عديدة أعفت الجماعة الحضرية لطنجة منها مؤسسات ربحية خاصة، وهو ما أشار إليه تقرير المجلس الأعلى للحسابات، بداية بالإقامات السياحية المذكورة في الصفحتين 157 و158، حيث إن مؤسسة سياحية أشار إليها التقرير باسم «د.ك.» أعفيت من الرسم المحدد في المادة 70 من القانون 06 – 47، وذلك منذ سنة 2005، وهو ما ضيع على خزينة الجماعة أكثر من مليون و454 ألف درهم. مجال آخر أضاع على الجماعة مئات الآلاف من الدراهم، هو مجال التعليم الخاص الذي اشتهر عمدة طنجة فؤاد العماري بالاستثمار فيه، حيث إن تجاهل الجماعة الحضرية فرض المبلغ الثابت المستحق على إنشاء هذا النوع من المؤسسات منذ سنة 2004، ضيع عليها مبلغا ماليا يقدر ب162 ألف درهم، يضاف إليه 324 ألف درهم كغرامات مفروضة في هذه الحالة.
خيي*: مداخيل الجماعة لا تعكس قيمة المدينة كثاني قطب اقتصادي في المغرب
- كيف استقبلتم من موقعكم في المعارضة الجماعية، تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي كشف عن مجموعة من الاختلالات التي تخص مداخيل الجماعة الحضرية لطنجة؟ دور المجلس الأعلى للحسابات هو القيام بمراقبة عمل مجموعة من المؤسسات، وأنا شخصيا لم أفاجأ بالحيز الذي خصصه لجماعة طنجة، والذي أكد الهشاشة التي طالما تكلمنا عنها وعجز المجلس عن أداء الأدوار المنوطة به وعلى رأسها طبعا تنمية مداخيل الجماعة. كنت أتمنى أن يقف التقرير على أمور أخرى كالتعمير والتدبير المفوض التي هي من ضمن الإشكالات الكبرى للجماعة، لكنه يظل تقريرا مفيدا ووثيقة من المفروض أن تدشن لنقاش جديد على المستوى المحلي، كما أنها تؤكد أن خطابنا لم يكن هدفه هو المعارضة من أجل المعارضة، فها نحن نقف اليوم، بناء على ما ورد في التقرير، أمام إشكالات عميقة وجوهرية بخصوص تدبير الشأن العام المحلي، ويتضح أمامنا تهاون المكتب الجماعي الذي فوت على الجماعة مداخيل مهمة. - هل نتوقع منكم كمعارضة تحريك إجراءات قانونية وسياسية استنادا على الاختلالات الواردة في هذا التقرير الرسمي؟ من بين الآليات السياسية المتاحة أمامنا، المساهمة في جعل هاته الوثيقة في متناول شرائح واسعة من المواطنين وفتح النقاش بصددها، وذلك سيجعل المواطنين قادرين على الاطلاع على جزء مما يجري في دهاليز الجماعة، والتي كنا نحن بدورنا عاجزين عن الوصول إليها خلال دورات المجلس. نحن مقبلون أيضا على دورة الحساب الإداري في شهر فبراير، حيث سنقف على تطور مداخيل الجماعة، وهي مناسبة للاستشهاد بالمعطيات الدقيقة والرسمية التي جاء بها التقرير، الذي ينبني على وثائق ومعطيات توصل إليها قضاة المجلس الأعلى للحسابات، بمقتضى الصلاحيات المخولة لهم، فيما كنا نحن ممنوعين من الوصول إليها كمستشارين جماعيين. وهناك أمور كثيرة لا بد من مناقشتها داخل المجلس، خاصة ما يتعلق بمئات الآلاف من الدراهم التي فوتتها الرسوم العقارية على الجماعة، بالإضافة إلى اختلالات أخرى زكت ما قلناه حول أن مداخيل الجماعة لا تعكس بالمرة قيمة المدينة كثاني قطب اقتصادي في المغرب، وكخلاصة يمكن أن نقول إن التقرير أعطى دليلا جديدا حاسما على غياب الجدية في خدمة المدينة وتطوير مداخيل الجماعة. ولنكون واضحين، فإن هاته الوثيقة تجعلنا نتساءل عن سر تراجع مداخيل قطاعات نشيطة جدا في طنجة، على رأسها قطاع العقار، الذي لا تعكس مداخيل الجماعة قيمته الحقيقية، وهذا يجعلنا نطالب من جديد بوقف التعامل بمنطق الامتيازات والعلاقات الشخصية والمحسوبية بدل القانون والعدالة الجبائية. - ما هي الأطراف أو الجهات التي تعتبرون أنها تتحمل المسؤولية المباشرة عن الاختلالات الواردة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات؟ لنكون موضوعيين، فالتقرير لا يتعلق بالمرحلة الحالية وحدها، ما دام يتحدث عن الفترة ما بين 2004 و2011، لكن المرحلة التي نعيشها حاليا تعد تتمة لما سبقها، ومن سنة 2009 إلى الآن لا يمكننا أن نتحدث عن تدبير طبيعي لشؤون المدينة منبن على خطط تنموية ورؤى استراتيجية، فنحن لا زلنا نعيش فترة استقطاب سياسي حاد منذ تطويق أيادي التحكم للمجلس إثر انتخابات 2009، وهو ما أفرز مكتبا ضعيفا مشغولا بتدبير الصراع اليومي رفقة أغلبيته المصطنعة، بعيدا عن منطق الوضوح، فالرؤية الاستراتيجية تغيب تماما عن تصور هذا المكتب والكثيرون صاروا يدافعون عن مصالحهم الخاصة داخل المجلس متجاهلين المصلحة العامة. * برلماني ومستشار جماعي