سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
اتهامات باختلالات مالية وقانونية في «مصحة خيرية» تسببت في وفاة عشرات الأطفال بالدار البيضاء (1/2) أسر معوزة اضطرت إلى دفع مبالغ مالية وصلت إلى 13 مليون سنتيم ومطالب بالتحقيق ومحاسبة المسؤولين
أرقام صادمة لأعداد الوفيات داخل إحدى «المصحات الخاصة»، بسبب عمليات القلب التي تجريها لمرضى، أغلبهم من أطفال العائلات الفقيرة، وأغلبها تنتهي بوفاة المرضى بعد أيام قليلة من إجراء العمليات، في حين تظل عائلاتهم تتجرع مرارة الفراق، وفواتير طويلة للعمليات الفاشلة. تصبح القصة أكثر غرابة وإثارة، حينما يتضح أن الأمر يتعلق بمصحة تابعة لجمعية يفترض أنها خيرية، كما يفترض أنها تجري عمليات مجانية لفائدة الأطفال مرضى القلب، في إطار الخدمات الاجتماعية التي تقدمها جمعية «ذات منفعة عامة»، في قلب العاصمة الاقتصادية للمملكة، ليتضح أن الواقع خلاف ذلك. التساؤلات التي طرحها تقرير «المركز المغربي لحقوق الإنسان» حول الاختلالات والتجاوزات التي تعرفها «جمعية الأعمال الخيرية لعلاج مرضى القلب بالدارالبيضاء»، دفعتنا إلى التقصي حول حقيقة ما يجري داخل المصحة «الغامضة»، التي دخل إليها أطفال بآمال عريضة في حياة طبيعية، وخرجوا منها إلى القبر. بين 22 يونيو 2012 و16 من شهر أكتوبر لنفس السنة، فارق 14 مريضا، تتراوح أعمارهم بين بضعة أيام و21 سنة الحياة داخل المصحة التابعة لجمعية الأعمال الخيرية لعلاج أمراض القلب بالدارالبيضاء. ويشكل هذا الرقم فقط الحالات التي توصل «المركز المغربي لحقوق الإنسان» بشكايات موثقة من ذويها، معززة بالاسم الكامل والسن وتاريخ الوفاة خلف جدران المصحة. 14 حالة وفاة في ظرف زمني لا يتعدى أربعة أشهر، بمعدل حالة وفاة واحدة كل أسبوع، هو رقم كبير قد ينضاف إليه ضحايا آخرون، في ظل استمرار تقاطر الشكايات من ذوي الضحايا على المركز، ووجود بعض الحالات التي تعيش وضعية صحية حرجة بعد العمليات الجراحية، واستمرار المصحة في إجراء عملياتها التي تطرح أكثر من علامة استفهام. لكن قليلا من البحث حول الجمعية المشرفة على المصحة، قادنا إلى مزيد من الأسئلة بدلا من أن يوفر لنا الأجوبة، خصوصا في ما يتعلق بتمويل الجمعية وطبيعة خدماتها، واستغلالها لأسماء جهات عليا في البلاد في مقابل الغموض الذي يلف طريقة تسييرها. رحلة الأمل من مختلف المدن المغربية، ومن عائلات فقيرة ومعوزة، حمل مرضى القلب آمالهم في حياة طبيعية، واتجهوا إلى مدينة الدارالبيضاء، حيث الجمعية الخيرية التي ستضع حدا لمعاناتهم، وتجري لهم عمليات على قلوبهم الضعيفة، لتستعيد بعدها خفقانها ودفئها، أو هكذا كانوا يعتقدون. رحلة الأمل انقلبت آلاما وأحزانا على الأسر المترقبة، والتي تعتبر أنها وقعت ضحية تجاوزات وغموض وممارسات، هي أقرب إلى النصب والاحتيال، ولا تمت بصلة للعمل الإنساني الخيري، وخاصة في المجال الطبي، الذي قد يشكل الشعرة الرقيقة التي تفصل بين الحياة والموت، وفق ما يقول المتضررون. الشعرة في الحالات الأربعة عشر المذكورة مالت كلها إلى كفة الموت، لكن ما زاد الطين بلة، هو المبالغ المالية التي اضطر الآباء المكلومون لدفعها إلى «الجمعية الخيرية»، التي يفترض أنها تقوم بأعمال مجانية كما ينص على ذلك قانونها الأساسي، وهو الشرط الذي حصلت من أجله على صفة «المنفعة العامة». منفعة عامة تتمتع الجمعية المذكورة بصفة المنفعة العامة منذ سنة 1999، بناء على مرسوم موقع من طرف الوزير الأول حينها، عبد الرحمان اليوسفي، وعلى هذا الأساس قامت بتنظيم يوم تضامني «تيلتون» عبر القناة الثانية، من أجل جمع تبرعات المحسنين والمواطنين، الذين يرغبون في المساهمة في الأعمال الخيرية التي تقوم بها الجمعية، وتمكنت خلال ثلاث ساعات ونصف من جمع مبالغ مالية هائلة وصلت إلى مليارين ونصف مليار سنتيم، وفق ما يؤكد الموقع الرسمي للجمعية نفسها. لكن الحصول على المبلغ المذكور يشكل وحده خرقا سافرا للمرسوم نفسه، والذي ينص في المادة الثانية منه على أنه: «يجوز للجمعية (...) أن تملك من المنقولات والعقارات ما يلزم لبلوغ أهدافها على ألا تتجاوز قيمة ذلك 20 مليون درهم»، والخرق القانوني هنا يرجع إلى أن المبلغ المتحصل عليه من «التليتون» وحده يتجاوز السقف المالي المسموح به للجمعية. وليست هاته المبالغ المهمة هي الوحيدة التي تحصلت عليها الجمعية من المساهمات العامة، بل تضاف إلى المبالغ المحصل عليها سنويا من المال العمومي، عبر العديد من المؤسسات العمومية وشبه العمومية والمنتخبة، وكذا المؤسسات الخاصة، فضلا عن عدد من المحسنين الذين يدفعون مبالغ مالية مهمة، مع تأكيدهم في غالب الأحيان على عدم كشف أسمائهم. وقد تحصلت الجمعية مؤخرا على مبلغ مالي يصل إلى 50 مليون سنتيم من طرف مجلس مدينة الدارالبيضاء، في إطار المنح التي تقدمها الجماعة للجمعيات كل سنة. وتنص الفقرة الأولى من الفصل الثاني من القانون الأساسي للجمعية على أن هدف الجمعية هو «تقديم الدعم والمساعدة مجانا لمرضى القلب المعوزين بصفة عامة، والأطفال المعوزين المرضى بالقلب بصفة خاصة، سواء داخل المغرب أو خارجه، مع تحمل كافة المصاريف الطبية للعمليات الجراحية، ونفقات الإقامة في المستشفيات العامة والمصحات الخاصة». أموال الفقراء صفة المنفعة العامة، وتنصيص القانون الأساسي للجمعية على مجانية العلاج، لم يكنا ليقفا أمام مطالبة الجمعية لأسر مرضاها، وأغلبهم من الأطفال والرضع، بمبالغ مالية توازي تلك التي يدفعها الميسورون في المصحات الخاصة، حيث وصلت في بعض الحالات إلى 13 مليون سنتيم. ونقل تقرير «المركز المغربي لحقوق الإنسان» شهادات موثقة بالصوت والصورة لأسر الضحايا، تحدثت عن مبالغ مالية دفعتها هذه الأسر للمصحة، ومن بين المشتكين الأب «عبد القادر الميطالي»، الذي صرح بأنه سلم لإدارة مصحة الجمعية 60 ألف درهم، رغم أن ابنته «أميمة» فارقت الحياة بالمصحة يوم 22 يونيو 2012. كما صرح عبد الله الطاسي، الأب الذي فقد ابنته نسرين بتاريخ 16 غشت 2012، بعد قضائها 8 أيام بالمصحة، بأنه دفع 12 مليون سنتيم لإدارة المصحة التابعة للجمعية. ويضيف تقرير المركز أنه يمتلك تصريحات أخرى للأب «نجيب شكري» بأنه تم احتجاز نجله آدم 15 يوما، من أجل إرغام ذويه على أداء فواتير بقيمة ستة ملايين سنتيم، رغم تحمل التعاضدية العامة مبلغ خمسة ملايين سنتيم، ليلفظ الطفل أنفاسه داخل المصحة في شهر شتنبر الماضي .من جهة أخرى، صرح أحمد الورياغلي بأنه دفع من ماله خمسة ملايين سنتيم لفائدة الجمعية، فيما جمعت هذه الأخيرة من لدن المحسنين ما قدره 11 مليون سنتيم، وفارق ابنه الحياة في 30 شتنبر 2012. وتؤكد هاته الأقوال شهادات باقي المشتكين، حيث أكدوا تكبدهم عناء جمع مبالغ مالية مهمة، مقابل شراء أدوية وإجراء فحوصات، جرى عدد منها في العيادة الخاصة لرئيس الجمعية الخيرية، والتي توجد على بعد بضع مئات من الأمتار من مصحة الجمعية. خيرية مفقودة وأمام هاته المعطيات، يتضح أن الجمعية تناقض قانونها الأساسي في توفير العلاجات المجانية للأطفال مرضى القلب، رغم أن موقع الجمعية على شبكة الإنترنيت يشير إلى أن 60 بالمائة فقط من الحالات يتم علاجها بشكل مجاني، بينما تدخل النسبة المتبقية في نطاق المتوفرين على التأمين الصحي، على أن الجمعية تتحمل الفارق بين تكلفة العملية وما تؤديه شركة التأمين. ويؤكد عبد الرحيم فكاهي، الأستاذ الجامعي والباحث في مجال الممارسة الطبية، أن النسب التي يحددها موقع الجمعية لا تقوم على أي سند قانوني، ويضيف أنه «لا يوجد قرار صادر عن مكتب الجمعية بهذا الصدد، وهو القرار الذي يفترض أن يسجل في ملف مؤشر عليه لدى المحكمة الابتدائية، وهو ما لم يتم». ويضيف فكاهي أن إعطاء نسب محددة للعمليات المجانية يخالف الفصل الثاني من القانون الأساسي للجمعية، ويجعل الجمعية الخيرية تدخل في منافسة مع المصحات الخاصة، وهو ما يضرب العمل الخيري نفسه في الصميم. تليتون ميدي 1 تابع الجميع خلال الأسابيع القليلة الماضية الارتباك الذي عاشته قناة «ميدي 1 تيفي»، بعد إعلانها عن حلقة خاصة من برنامج «بدون حرج»، تحت مسمى «تضامن»، كانت ستقام على شكل «تليتون» لجمع التبرعات لفائدة جمعية خيرية، ليست سوى الجمعية الخيرية لعلاج أمراض القلب بالدارالبيضاء. لكن القناة تراجعت عن بث الحلقة، وأعلنت تأجيلها إلى وقت لاحق، قبل أيام قليلة من موعدها المعلن، لكن هذا التأجيل كان يخفي خلفه إلغاء نهائيا للحلقة، بسبب غضبة من الأمانة العامة للحكومة، أجبرت القناة على التراجع. ويؤكد مصدر مسؤول في قناة «ميدي 1 تيفي» أن الأمر يتعلق بمراسلة وجهتها الأمانة العامة للحكومة لإدارة القناة، تأمرها فيها بوقف بث الحلقة وإلغائها، بالنظر إلى عدم التزام الجمعية بالمساطر المنظمة لعمل الجمعيات التي تحمل صفة المنفعة العامة، رغم أن ما أشيع حينها هو أن الأمر يقتصر على عدم احترام مسطرة تنظيم «التليتون». وتشير المعطيات التي حصلت عليها «المساء» إلى أن صفة «المنفعة العامة» تلزم الجمعية بتقديم كشف مدقق لحساباتها المالية، وجرد لممتلكاتها تقدمه كل سنة للأمانة العامة للحكومة، وهو ما لم تقم به الجمعية، بل إن الموقع الإلكتروني الذي يقدم التقارير الأدبية لأنشطتها السنوية يخلو من أي تقرير مالي سنوي، رغم مرور 18 سنة على تأسيسها. ويؤكد إدريس الوالي، عضو المكتب التنفيذي للمركز المغربي لحقوق الإنسان أن مثل هاته الجمعيات تخضع قانونيا لرقابة قوية من طرف السلطات الوصية، ممثلة في الأمانة العامة للحكومة والوالي، ويؤكد أن عدم احترامها للقواعد الصارمة يعني إمكانية سحب هاته الصفة منها. طبيب إيطالي أكثر ما يلفت الانتباه في شهادات أسر الأطفال المتوفين داخل المصحة، هو قيام طبيب إيطالي يدعى (Pr. CRUPI) بالإشراف على جميع العمليات المذكورة، والتي انتهت إلى الوفاة.ويشير تقرير المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى أن إشراف الطبيب الحامل للجنسية الإيطالية على العمليات يطرح إشكالا قانونيا، ويثير التساؤل حول ما إذا كانت وزارة الصحة قد رخصت له للقيام بهاته العمليات الدقيقة، وهل هي على علم بمزاولة طبيب أجنبي لمهنة الطب بالمغرب، تحت غطاء جمعية خيرية؟ وينص المرسوم المتعلق بمزاولة مهنة الطب بالمغرب، الصادر في 28 أكتوبر 1997، على ضرورة توفر المترشح لممارسة هذه المهنة على مجموعة من الشروط، من بينها شهادة الجنسية المغربية. كما تنص المادة الخامسة للقانون نفسه على شروط ممارسة الأجانب للطب في المغرب، وجاء فيها: «يسلم الأمين العام للحكومة بعد استطلاع رأي وزير الصحة العمومية والمجلس الوطني لهيئة الأطباء الوطنية، الإذن المنصوص عليه في المادة 2 من القانون رقم 10-94 سالف الذكر، والمتعلق بمزاولة الطب في القطاع الخاص من لدن رعايا أجانب مع مراعاة أحكام الفصل 3 من الظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1353 (15 نوفمبر 1934) بسن نظام للهجرة». إشكالات قانونية تشير وثيقة عقد الملكية التي حصلت عليها «المساء» إلى أن الوعاء العقاري المسمى «ليلى»، والذي أقيمت عليه المصحة، ذي الرسم العقاري عدد31288/د، ومساحته 1538 مترا مربعا، المتكون من أرض بها فيلا من تحت أرضي وطابقين، هو في اسم «جمعية الأعمال الخيرية لمرضى القلب». لكن العقار مثقل لحد الآن بثلاثة قيود تجارية، مرتبطة برهنه بغرض الاقتراض لإقامة المصحة، في رهنين رسميين مقيدين بتاريخ 14/03/2007 ضمانا لقرضين، أولهما قدره 500 مليون سنتيم، والثاني بمبلغ 200 مليون سنتيم، على كافة الملك المذكور لفائدة أحد الأبناك المغربية. كما تظهر الوثيقة أن نفس الملك مثقل لحد الآن بحجز تحفظي مقيد بتاريخ 18/02/2010 ضمانا لدين قدره 450 مليون سنتيم على كافة الملك المذكور ضد الجمعية المذكورة، لفائدة إحدى الشركات المختصة في التجهيزات الطبية بالدارالبيضاء. ويتضح من الوثيقة أن مجمل المبالغ المالية التي تقيد بناية المصحة والأرض التي أقيمت عليها، تصل إلى ما مجموعه مليار و150 مليون سنتيم، لجأت الجمعية إلى اقتراض بعضها ولم تسدد بعضها كمستحقات للتجهيز، في الوقت الذي كانت قد جمعت فيه مليارين ونصف مليار سنتيم من أجل المصحة نفسها، وهو ما يطرح التساؤلات حول مصير أموال «تليتون» القناة الثانية سنة 2001. كما تجدر الإشارة إلى أن جمعية الأعمال الخيرية لمرضى علاج القلب بالدارالبيضاء هي الآن موضوع شكاية في العديد من الدعاوى القضائية المعروضة حاليا في عدد من المحاكم المغربية، والتي تطالبها بمبالغ مالية باهظة، من بينها دعاوى رفعها أطباء اشتغلوا في مصحة الجمعية ثم انسحبوا منها في إطار نزاع للشغل، معروضة أمام محاكم الدارالبيضاء والجديدة، ويطالب طبيب واحد منهم بمبلغ 800 مليون سنتيم.