كان هاجس تأسيس حزب سياسي منظم لمنطقة الشمال يراود وطنيي الشمال منذ بداية الثلاثينات، وكانوا يتربصون لإعلانه الظرف الملائم. وحتى قبل قيام نظام فرانكو لم تكن الحركة الوطنية بالشمال مجبورة على العمل في الخفاء، أو على ممارسة نشاطها تحت طائلة المضايقات والمتابعات. وذلك على خلاف وضعية الحركة الوطنية في الجنوب، حيث كانت معتقلات سلطة الحماية الفرنسية تحتضن أفواج الوطنيين في تلاحق رتيب، وحيث كانت الحماية لا تجود إلا بمقدار بالحريات، ثم لا تلبث أن تعطلها وتدوس حقوق الإنسان والمواطنين. أما بعد قيام النظام الفرانكاوي فقد هيأ جو الانفراج والانفتاح (الذي أصبح قاعدة التعامل لدى الحكام الجدد) الملاءمة السياسية لتحقيق فكرة خلق حزب سياسي. مهمة الناصري لدى بيكبيدر حسب الوثائق الوطنية التي يتوفر عليها وطنيو منطقة الشمال، فإن مباركة تأسيس حزب سياسي مغربي جاء بها الشيخ المكي الناصري من الكولونيل بيكبيدر النائب بحكومة إسبانيابتطوان. خلال هذا اللقاء، استطلع الشيخ المكي الناصري رأي محدثه الإسباني عن نوايا حكومته إزاء الحركة الوطنية بالشمال. فذكر هذا الأخير أن إسبانيا ترى من واجبها أن تساعدها وأن تترك لها السبيل مفتوحا للعمل اعترافا منها بالجميل على ما قدمه المغاربة لإسبانيا من خدمات، وما تحملوه من تضحيات في سبيل نصرة قضية فرانكو. وزادَ بيكبيدر يقول إن إسبانيا بمساعدتها الحركة الوطنية ستربح كثيرا لأنها لا تستفيد من وجودها بمنطقة الشمال بل تخسر، حسب قوله، خسارات مادية وغير مادية. وعن ذلك، يقول المرحوم عبد الخالق الطريس في حديث له مع إذاعة تطوان التي غدت خاضعة لنظام فرانكو ومفتوحة لخطب الوطنيين وأحاديثهم -يقول السيد الطريس: «وطلبت من السيد المكي الناصري أن يذهب مرة ثانية إلى النائب الإسباني باسم الكتلة الوطنية وأن يعرض عليه باسمنا قضايا كان من بينها السماح بالحزب الذي كنا نفكر في تكوينه منذ 1932. ويضيف الطريس قائلا: «هذه هي قضية الحزب التي كانت موقوفة قبل قيام الحركة العسكرية الفرانكاوية». وقد وجد الشيخ الناصري من بيكبيدر استعدادا للقبول وبعد ذلك (يقول الطريس): «اتصلت شخصيا بالنائب بيكبيدر فوجدت منه المساعدة المطلوبة». وفي كتاب الحركات الاستقلالية للمرحوم علال الفاسي، أتم مؤلف الكتاب تفاصيل مهمة المكي الناصري، ذاكرا أنه حضر خصيصا للرباط ليبلغنا التطورات التي دخلت على الموقف الإسباني. فقررت الكتلة بعث الحسن بوعياد ليتذاكر مع إخواننا في الخطة التي يجب اتباعها. وبما أن الحدود أصبحت مغلقة بيننا وبين منطقة الشمال (يزيد الطريس): «وبما أن الرقابة اشتدت على الرسائل المتبادلة، فلم يعد من الممكن أن تستمر الحركة الوطنية ذات مركز واحد، مثلما كان عليه الحال قبل فرانكو. لذلك اتفقنا على أن يتبع الوطنيون في الشمال الخطة التي يجدونها ملائمة وموافقة للظروف الطارئة، متحملين وحدهم مسؤوليتها كما نتحمل نحن بالكتلة المسؤولية المعنوية داخل حزبنا». أول حزب وطني مغربي هكذا نشأ أول حزب سياسي مغربي. وبذلك تكون منطقة الشمال سبقت أختها الجنوبية في مجال تأسيس الأحزاب السياسية الوطنية، مثلما سبقتها بإقامة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والمعاهد العصرية وإصدار الصحافة الوطنية. في 18 ديسمبر 1936، أعلن المرحوم عبد الخالق الطريس عن هذا الحزب باسم «حزب الإصلاح الوطني» وكان مقره الرسمي بتطوان وكانت قيادته مؤلفة من أعضاء قيادة كتلة العمل الوطني بالشمال باستثناء المكي الناصري الذي يظهر أن الحزب قد أعلن في تطوان أثناء غيابه، ولأنه لم يكن منتسبا إلى كتلة العمل الوطني بالشمال إلا بوصفه مستشارا. وظل عضوا بكتلة العمل الوطني بالجنوب. ولم يكن مقبولا من إسبانيا أن يُجمع بين العضويتين، لأنه لا يجوز في نظرهم أن يكون مواطن مغربي مسؤولا ومخاطبا من لدن حكومة فرنساوإسبانيا في نفس الوقت. وحقق مؤسسو التنظيم الجديد بتضمينهم كلمة الإصلاح في عنوان الحزب رغبة طالما ساورت عبد السلام بنونة بتأسيس حزب يحمل اسم الإصلاح، لكن المنية لم تمهله ليعيش حدث ميلاده. وإذا كان المرحوم علال الفاسي قد اعتبر أن تأسيس هذا الحزب مطابق للخطة المتفق عليها بين وطنيي الجنوب والشمال، فإن المرحوم محمد بن الحسن الوازاني رأى أن خلق هذا الحزب حقق عمليا تباعدا بل انفصالا عن كتلة العمل الوطني بالشمال، إذ لم يعد لها وجود في هذا الجزء من المغرب كما كان الأمر من قبل. وأنحى الوازاني باللائمة على السلطة الإسبانية التي رمت كما قال لي: «إلى ألا تبقى أي تبعية سياسية ووطنية في منطقة نفوذها لكتلة العمل الوطني التي كان مركزها بالمنطقة السلطانية كما كانت هي الناطقة باسم الحركة الوطنية بالداخل والخارج».