كشف محمد النشناش، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن 40 في المائة من القابعين في السجون المغربية حاليا، يوجدون رهن الاعتقال الاحتياطي، أي أنهم «أبرياء نظريا ما داموا لم يحاكموا»، حسب الناشط الحقوقي الذي كان يشارك في حفل توقيع كتاب «القضاء والسياسة والإفلات من العقاب» لرئيس فرع المغرب لمنظمة العفو الدولية، إسماعيل الجباري الكرفطي. وقال النشناش إن الاعتقال الاحتياطي أضحى «عملة رائجة» في ظل عدم استقلال النيابة العامة، موضحا ان استقلال القضاء يعد شرطا أساسيا في مسلسل العدالة الانتقالية، منطلقا من أن هيئة الإنصاف والمصالحة أغفلت نقاطا كثيرة في توصياتها، ومضى إلى انتقاد التجربة المغربية في العدالة الانتقالية، التي أرادت تحقيق المصالحة مع بقاء النظام والدستور والأجهزة الأمنية نفسها. واعتبر النشناش أن استقلال القضاء مطلب أساسي لتحقيق العدالة الانتقالية، معتبرا أن المغرب عاش عصرا «استبداديا» في فترة حكم الحسن الثاني، «حيث كانت القضايا تحكم بالهواتف وكانت المحاكمات ذات صبغة سياسية». وخلص رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إلى أن هيئة الإنصاف والمصالحة بالرغم من أنها كشفت أن أجهزة الدولة كانت وراء التجاوزات والانتهاكات، إلا أنها لم تحدد المسؤوليات المباشرة بما يسمح بالشروع في المتابعة القضائية. ولم يذهب مصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، بعيدا عن طرح النشناش الذي ركز على استقلال القضاء، إذ اعتبر أن بلوغ الحقيقة في ظل عدم إصلاح المؤسسة القضائية يظل أمرا صعبا، حيث إن هذا القضاء، حسب المانوزي، كان متواطئا مع الأجهزة الأمنية، كاشفا أن الأمن كان يحرر له محضرا وحكما في الوقت نفسه، خلال فترات اعتقاله في الثمانينات، واصفا حكم الحسن الثاني ب»لفردي المطلق». وعلاقة بغاية تحقيق العدالة والكشف عن الحقيقة، انتقد المانوزي بشدة المادة السابعة من القانون 1 /12 ، الذي أسماه قانون «الحصانة العسكرية»، حيث نصت المادة المذكورة على عدم مساءلة العسكريين العاملين أو المسرحين على الأفعال التي قاموا بها بناء على أوامر رؤسائهم، وهي المادة التي نوقشت في المجلس الوزاري والبرلمان، قبل أن تسقطها جهود الفعاليات الحقوقية حسب المانوزي، الذي توعد بإسقاط المادة السادسة من القانون ذاته، والتي تنص على منع العسكر من الإدلاء بأي معطى حول فترة عملهم الماضية أو الحالية، معتبرا أن هذا القانون يعد بمثابة فسخ الدولة لتعهداتها بتحقيق العدالة الانتقالية. ونبه المانوزي إلى أن الفاعلين السياسيين المغاربة، بمختلف تلويناتهم، «لم يكلفوا أنفسهم عناء الدفع نحو تنزيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة»، معتبرا أن حركة 20 فبراير هي وحدها التي كان لها الفضل في ذلك، ودعا إلى ضرورة متابعة مسلسل العدالة الانتقالية والكشف عن أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة، منبها إلى أنه لا توجد أسرة تسلمت جثة قريب لها كان من ضحايا سنوات الجمر والرصاص. وعرج الفاعل الحقوقي على تطرق المحامي والأكاديمي إسماعيل الجباري في كتابه، لمفهوم الضحية، حيث طالبه بتوسيع ذلك المفهوم، بحيث لا يتوقف عند الضحية المباشر، «لأن مناطق وجهات كاملة عانت من القمع أو التهميش خلال سنوات الرصاص»، حسب تعبيره، داعيا إلى أن يكون جبر الضرر شموليا. وتطرق كتاب «السياسة والإفلات من العقاب»، لكاتبه الحقوقي إسماعيل الجباري الكرفطي، والذي يعد الثاني له بعد كتاب «لنحارب الإرهاب بالعدالة»، إلى مسارات العدالة الانتقالية في المغرب، وإلى تأصيلات هيئة التحكيم المستقلة، ومقاربتها لانتهاكات حقوق الإنسان، مناقشا مشروعية هيئة الإنصاف والمصالحة ومرجعيتها القانونية، والمناهج السياسية للعدالة الانتقالية، كما تطرق إلى مفهوم الإفلات من العقاب وآليات محاربته. وقال الجباري، خلال مداخلته في حفل التوقيع، إنه طرح تساؤلا حول دور النخب السياسية في تحقيق العدالة الانتقالية، بل ذهب أبعد من ذلك عندما لمح إلى إمكانية أن تكون هاته العدالة الانتقالية بدورها، شكلا من أشكال الإفلات من العقاب، كما شدد على ضرورة استقلال القضاء للحديث عن انتقال سياسي حقيقي، كما أكدت على ذلك مداخلات النشناش والمانوزي، معتبرا أن تحقيق العدالة رهين بتحقيق «الانتقال الديموقراطي الهادئ» في أفق بناء دولة المؤسسات وفصل السلط.