عادت أجواء مختلطة من الحزن والغضب لتسيطر من جديد على مشاعر عدد من نشطاء حقوق الإنسان في مدينة الناظور، بسبب «إحباط» يساورهم جراء عدم متابعة ملفات مواطنين لا زالت مصائرهم مجهولة منذ أحداث 1984. وتقول فعاليات حقوقية بالمدينة إن «مجهولي المصير» يرجح أن يكونوا قد دفنوا في مقبرة جماعية بالمدينة. ولا تتردد جمعية الريف لحقوق الإنسان، استنادا إلى شهادات للسكان، في التأكيد على أن مقبرة جماعية توجد في نفوذ ثكنة عسكرية بمنطقة «تاويما» بعاصمة الريف. وتظاهر العشرات من المواطنين في الناظور، ضمنهم فعاليات أمازيغية ويسارية وحقوقية، وأغلبهم من المعطلين، نهاية الأسبوع الماضي، 19 يناير الجاري، ل«تخليد الذكرى التاسعة والعشرين لانتفاضة الخبز والكرامة»، التي اندلعت أحداثها في نفس التاريخ بالمدينة في سنة 1984. وطالب المتظاهرون ب«محاكمة الجلادين ورفع الحيف والحصار والتهميش عن الريف». وخرج العشرات من المواطنين أيضا في بلدة زايو بضواحي المدينة، أول أمس الأحد، لتخليد استشهاد عبد الكريم الرتبي، أحد أبناء المنطقة ممن يقال عنهم محليا إن وفاته ناجمة عن رصاصة أجهزت عليه ذات 20 يناير من سنة 1984. وطالب المحتجون ب«محاسبة المتورطين» والكشف عن المقابر الجماعية، ومنها مقبرة يقال محليا إنها توجد بثكنة تاويما العسكرية. وكان أحمد حرزني، الرئيس السابق للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المجلس الوطني لحقوق الإنسان حاليا قد شارك في يناير 2010 في مراسيم جنازة جماعية لإعادة دفن 16 جثة لضحايا «مقبرة جماعية» أزيل عنها النقاب ب«الصدفة» في 28 أبريل 2008 بينما كان مقاول متخصص في البناء يعد العدة لإنجاز أوراشه في ثكنة الوقاية المدنية بالناظور. وعمدت السلطات إلى الإشراف على عملية «خبرة الحمض النووي» على أسر الضحايا الذين توفوا جراء تدخل لقوات الجيش والدرك. ومنذ ذلك التاريخ، لم يكشف عن نتائج هذه العمليات. وأعلن رسميا في تلك المرحلة عن تسجيل 17 حالة وفاة، من قبل السلطات، منها 13 وفاة بالناظور ووفاة واحدة ببني انصار ووفاتين بأزغنغان ووفاة واحدة ببلدة زايو. وتحدث المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف عن ثلاثة ضحايا غير موجودين في اللائحة الرسمية للضحايا. وأعلنت هيئة الإنصاف والمصالحة عدم تمكنها من تحديد أماكن دفن ضحايا هذه الأحداث، بالرغم من استجوابها عددا من المسؤولين المحليين آنذاك. وزار أعضاء من الهيئة مقابر مفترضة، دون جدوى. لكن المقبرة الجماعية في ثكنة الوقاية المدنية أحيت الملف من جديد. وتطالب جمعية الريف لحقوق الإنسان بإنجاز مشاريع في المدينة من شأنها أن تسهم في جبر الضرر الجماعي، وأن تحفظ ذاكرة هذه الأحداث المؤلمة. واضطر المجلس الاستشاري الوطني حاليا لحقوق الإنسان إلى الاحتفاظ بجثث «المقبرة الجماعية» بمستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي للمدينة لمدة قاربت 21 شهرا، في انتظار التوصل بنتائج تحاليل أرسلت إلى المختبر الجيني الفرنسي، قبل أن تتم إعادة دفن الجثث بشكل فردي بمقبرة «أولاد سالم»، أربعة أيام فقط قبل حلول الذكرى في يناير 2010. حرزني، قال على هامش عمليات الدفن، في تصريح صحفي إنه تم طي ملف ضحايا الأحداث الاجتماعية لسنة 1984 بالناظور بصفة نهائية، طبقا للمعايير الدولية المعمول بها في هذا المجال، فيما الجمعيات الحقوقية في المنطقة لا تزال تشك في وجود مقابر جماعية أخرى ترجح أنها تضم ضحايا آخرين لم تعلن عنهم اللوائح الرسمية حول الأحداث ذاتها. ولا تتردد هذه الجمعيات في إجراء عمليات «تنقيب» في مقر الثكنة العسكرية بمنطقة تاويما بالمدينة. وتجدر الإشارة إلى أن مقبرة الوقاية المدنية قد جرى اكتشافها بالصدفة في 28 أبريل 2008، من قبل عمال بناء، واضطر أحمد حرزني، مرفوقا بطبيبة من الطب الشرعي بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء، إلى التنقل إلى عين المكان لمتابعة استخراج رفات الضحايا وسط حفرة كبيرة تكوموا فيها وجلهم لا يزال بلباسه وحذائه، ومنهم من عثر بالقرب منه على بطاقة هويته. وتأكد بعد تحريات قام بها الطب الشرعي أن الضحايا لهم علاقة بأحداث 1984. ولإثبات علاقة القرابة بين الضحايا والعائلات، عمد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، إلى تكليف مختبر فرنسي بلإجراء تحاليل على الحمض النووي للضحايا وعائلاتهم.