افترش مشجعون مغاربة أرض مطار جوهانيسبورغ الدولي، وضعوا أمتعتهم جانبا ولفوا أجسادهم بأعلام وطنية وحوَّلوا لافتاتهم إلى وسادات ثم استسلموا للنوم، هم خمسة وسادسهم طبلهم، قرروا مساندة المنتخب المغربي في نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم في بلاد نيلسون مانديلا. فجأة، طوقت كتيبة من أمن الحدود المكان وقررت إجلاء الكائنات الغريبة عن المكان الذي احتلته، بعد أن تبين عدم وجود مباراة في مدرج المطار تستدعي هذا الاستنفار الجماهيري. استيقظ النائمون وفركوا أعينهم وهم يسمعون أصواتا غير مفهومة منبعثة من «الطالكي وولكي» لضابط تفحص جيدا جوازات سفرهم ومنحهم مهلة لمغادرة المكان فورا قبل أن يصدر قرارا بمصادرة الطبول. في بهو المطار، وقف القائم بأعمال المغرب في جنوب إفريقيا ينتظر وصول وزير الشباب والرياضة المغربي، كانت الفرصة سانحة لمشجعي المنتخب كي يقدموا ملتمسا إلى الوزير وإلى القائم بأعمال المغرب في هذا البلد، فبيروقراطية الدواوين والكتابة الخاصة ملغاة لأن الصدفة خير من ألف ميعاد. كان المطلب واضحا وبسيطا: إقامة لخمسة أشخاص طيلة وجود المنتخب المغربي في جنوب إفريقيا، مقابل ضمانات بتأطير جمهور الجالية، أما التغذية فلها مدبر حكيم، وليس المقصود هنا حكيم دومو، العضو الجامعي. رفض الملتمس جملة وتفصيلا، وحكم الوزير بعدم الاختصاص وقال للمناصرين الذين يغالبون النوم: «جامعة كرة القدم هي المسؤولة عن الجمهور». وحين بحث المشجعون عن القائم بأعمال السفارة تبين لهم أنه أصبح قائما بأعمال الوزارة، فرددوا في دواخلهم لازمة: ناري ناري القضية حامضة. فجأة، تقدم مواطن هندي صوب المشجعين الذين نفذوا مقولة الاستسلام «اللي تلف يشد لرض»، وسألهم عما إذا كانوا من أصول مغربية وعن أسباب النزول والقلق، تدفق شلال التشكي، وكان المشهد أشبه بخاتمة حزينة لفيلم هندي مفعم بالمشاعر، قبل أن يكشف المواطن الهندي عن انتمائه إلى المغرب بالمصاهرة، وعلى الفور اتصل هاتفيا بزوجته في جوهانيسبورغ وحكى لها واقعة «مشجعين متخلى عنهم». أعطت «وزارة الداخلية» تعليماتها الصارمة بالتكفل بالمشجعين المشردين، فنفذ الزوج على مضض التعليمات، مما جنب حملة المزامير والطبول والأعلام التيهان في مدينة قيل إنها تحتل الصف الأول قاريا في الترتيب العام لبطولة الجريمة المبعثرة. ولأن الحال «ما يشاور»، فإن المشجعين شرعوا بمجرد حصولهم على سكن، بفضل أريحية مواطن هندي وزوجته المغربية، في القيام ب»بروفة» لموشحات المدرجات، استعدادا لمباريات المنتخب، وحين يداهمهم النوم يشكرون الله الذي وضعهم بين يدي سليل أسرة المهاتما، فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. لكن رغم أن الإعلام جعلنا نقتنع بأن جنوب إفريقيا مرادف لكلمة إجرام، فإنه من النادر أن تجد شخصا مشردا، حتى ولو تعلق الأمر بمشجعين لسعتهم الكرة فقصدوا بلد رجل ناضل من أجل تحطيم التفرقة، وتحمل الأسر والتعذيب ليعيش الخلف آمنا مطمئنا. قبل انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا، افتتح في جنوب إفريقيا أول ملجأ ليتامى حيوان وحيد القرن لحمايتها بعد أن وقعت أمهاتها في أيدي الصيادين، حيث قتل حوالي 300 حيوان منذ بداية هذا العام، فلا خوف إذن على مشجع مغربي تحول في زمن التنكر إلى عابر سبيل.