رغم أن تقرير اللجنة البرلمانية لتقصي الحقائق لم يجب عن سؤال محوري في أحداث سيدي إفني وهو: هل القوات الأمنية استعملت «القوة المفرطة» وغير المبررة أثناء التدخل لفك الاعتصام الذي كان يشل ميناء سيدي إفني أم لا؟ ورغم التوافقات التي خيمت على أعضاء اللجنة، التي لم ينس جل أعضائها انتماءاتهم السياسية وهم يباشرون مهام التحقيق في أحداث هزت الرأي العام قبل ستة أشهر، فإن التقرير الذي قدمته اللجنة أمام البرلمان هذا الأسبوع خطوة هامة عن طريق تفعيل وظيفة البرلمان في مراقبة الحكومة وفي طريق مساءلة أجهزة الأمن، وإن بطرق غير مباشرة، عن سلوكياتها تجاه المواطن. التقرير نفى وجود قتل واغتصاب في سيدي إفني، لكنه في نفس الوقت وقف على عدد من التجاوزات من قبل رجال الشرقي الضريس وحميدو لعنيكري، وهما معا مطالبان بالحضور إلى البرلمان للرد على الاتهامات الموجهة إلى عناصرهما أثناء التدخل في سيدي إفني. يقول التقرير: لقد تم سب وشتم وإهانة عدد كبير من المواطنين وتجريد رجال ونساء من ملابسهم... لقد مورس العنف ضد عدد من الأشخاص ذكورا ونساء ومن أعمار مختلفة. لقد تمت مداهمة عدد من المنازل وتكسير أبوابها وبعثرة وتكسير أثاثها وفقدان هواتف ومبالغ مالية وحلي أثناء المداهمات... كما لم يفت التقرير الإشارة إلى التجاوزات في الطرف الآخر، حيث وقف على رشق المتظاهرين لقوات الأمن بالحجارة وتعطيل عمل الميناء والتسبب في خسارات مالية كبيرة. لكن في الوقت نفسه، سجل التقرير مشروعية المطالب التنموية لساكنة سيدي إفني... لم يشر التقرير إلى تقصير وسائل الإعلام الرسمية في تغطية أحداث سيدي إفني، ولا إلى توظيف الحكومة للقناتين الأولى والثانية للرد على الصحافة المستقلة التي تابعت الأحداث منذ البداية (كانت «المساء الجريدة الأولى التي وصلت إلى سيدي إفني في اليوم الموالي لانطلاق الأحداث، وتعرض طاقمها للاعتقال والسب والقذف من قبل عناصر في الأمن، ثم مُنعت من مواصلة التغطية والتقاط الصور، واعتبر عدد من وزراء الحكومة وحتى بعض زملائنا في مجلات فرانكفونية أننا ضخمنا من الأحداث، والآن يتضح أن كل ما كتبناه كان صحيحا وبشهادة تقرير لجنة تقصي الحقائق). الآن الكرة في ملعب القضاء.. التقرير يوصي بمتابعة كل شخص يثبت تجاوزه للقانون، فهل يستطيع القضاء أن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه وأن يفتح تحقيقا في ما يتعلق بكل الانتهاكات التي حصلت، سواء من قبل رجال الأمن أو من قبل المتظاهرين؟ قبل أيام، انتقد مسؤولون كبار تقريرا حقوقيا لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» حتى قبل أن ينشر، لانحيازه إلى جبهة البوليساريو في حديثه عن انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء. وأنا شخصيا لا أرى أنه من الحكمة والذكاء السياسي التعود على مهاجمة المنظمات الحقوقية كما كان إدريس البصري والحسن الثاني يفعلان في السابق، وللأسف مازال الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، يمضي على نهجهما اليوم. لابد من إصلاح القضاء وجعله حكما نزيها بين المواطنين ورجال الأمن، مادام إصلاح هذا الجهاز يتطلب إرادة سياسية غير موجودة. القوة ليس معناها أن تحرك فيالق الأمن والدرك والمخزن وحملات الدعاية السوداء. القوة يمكن أن تكون سياسية بأن تنزع الفتيل نهائيا من كل الألغام الموجودة في الأرض. دولة الحق والقانون تكفل للسلطة هيبتها وللمواطن كرامته. إذا تجاوز انفصالي أو سلفي أو معارض حدود التظاهر السلمي والقانوني، فإن القضاء، وليس الأمن والمخابرات والقوات المساعدة، هو من سيعاقبه... لماذا نضطر كل مرة إلى أداء كلفة أخطاء أجهزة الأمن؟ لنجعل حدا ليدها ولنطلق يد القانون المغلولة.. هذا أفضل.