حسمت المحكمة الابتدائية في الرباط، زوال أول أمس، في قضية المتهم بانتحال صفة كولونيل في جهاز المخابرات، بعد إدانته بأربع سنوات حبسا نافذا، مع غرامة مالية قدرها 500 درهم. كما قضت المحكمة نفسها بتعويض لأحد المطالبين بالحق المدنيّ، قدْره 20 ألف درهم، فيما رفضت المطالب المدنية لشركتين مختصتين في تأجير السيارات وشركة للخدمات السياحية. وقد تم النطق بالحكم في غياب المتهم، تفاديا لتكرار السيناريو الذي عرفته الجلسات السابقة نتيجة احتجاجه المتكرر وإصراره على ضرورة عقد جلسة سرية لكشف حقيقة الأنشطة التي كان يؤديها، والتي أكد أنه كان ينفذها في إطار وظيفته في جهاز سريّ حساس. وجاءت إدانة المتهم بعد مؤاخذته بتهم انتحال صفة ضابط سامٍ في القوات المسلحة الملكية وتزوير ختم واستعماله في عقود رسمية والنصب والاحتيال، مع حالة العود. وتعليقا على هذا الحكم، أكد دفاعه أنه سيلجأ إلى الطعن في المرحلة الاستئنافية، مشيرا إلى أن «المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار الإثباتات والأدلة التي قدّمها»، والتي تفيد اشتغال موكله لدى جهاز سري، ومنها شارة تُسلَّم عادة للعاملين في هذا الجهاز، وقال المحامي محمد الزويبر، عن هيئة الرباط، إن حكم المحكمة «لم يُنصف» موكله، رغم أن الدفاع طالب في أكثر من مناسبة بمراسلة الجهاز الذي يعمل فيه المتهم للتأكد من الحقيقة. كما رفضت المحكمة طلبات موكله بعقد جلسة سرية، بعد أن أشارت مرافعات الدفاع إلى أن الأمر يتعلق بصراع للأجهزة وتصفية للحسابات من خلال ملف قضائيّ. وسيتم إبلاغ المتهم بالحكم الصادر في حقه في سجن الزاكي في سلا، حيث من المنتظر أن يقضيّ هناك جزءا من العقوبة، في انتظار المرحلة الاستئنافية، التي قد تكشف تفاصيلَ أخرى في هذه القضية، التي طرحت عدة علامات استفهام حول الطريقة التي تمكن بها المتهم من مرافقة عدد من الوفود العسكرية الأجنبية التي كانت تحلّ بالمغرب، وكذا تمكنه من ولوج قواعدَ جوية ومقرات عسكرية كان يحظى فيها بالتحية الرسمية.. وانطلقت تفاصيل هذه القضية بعد أن توصلت سرية الدرك الملكي في الدارالبيضاء ببرقية مفادها أن سائق سيارة من نوع «رونج روفر»، تحمل لوحة ترقيم في الرباط كانت في مقدمة وفد متكون من رؤساء أركان الحرب العامة للدول الأجنبية «5+5» وإنّ سائقها قام عند وصوله إلى محطة الأداء في تيط مليل باقتحام الممر دون التوقف من أجل الإدلاء بمعلومات متعلقة بالوفود للعناصر الأمنية. ورغم أن المتهم تمكّنَ -حسب المحاضر- من مواصلة سيره، فإن مصالح الدرك تحرّت حول الواقعة لتحديد هوية السائق، الذي ادّعى أنه كولونيل في المديرية العامة للوثائق والمستندات في الرباط، وبعد تنقيط السيارة اتضح أنها في ملكية وكالة للتأجير، ليتم الاستماع إلى صاحبها، الذي أكد أن السيارة كانت لدى زبون معروف لديه، غير أنه فاجأ المحققين بعدم امتلاكه أي وثيقة تثبت هوية هذا الزبون الغامض، الذي أرجع السيارة من خلال سائق تابع للوكالة كان يعمل لدى المتهم مقابل أجر شهري. وبعد استفسار هذا الأخير، أكد أنه تسلم السيارة من الكولونيل وتركه في محطة القطار -أكدال لتتنقل دورية للدرك إلى هناك، حيث اعتقلته واقتادته إلى المركز القضائيّ للدرك الملكي في الرباط. ومع بداية التحقيق، رفض المتهم -بشكل قاطع- الإدلاء بأي تصريح حول هويته ودوافع تأجير السيارة وغيرها من السيارات الفارهة التي حُجِزت لديه، ليتم اللجوء إلى وسائل تقنية وعلمية ليظهر اسم المتهم ومعلوماته الشخصية، مع سوابق عدلية متعددة من أجل النصب والاحتيال وخيانة الأمانة والضرب والجرح وانتحال صفة نظمها القانون وشيكات بدون مؤونة.. ليتم إخطار وكيل الملك في الرباط والجنرال «دوبريكاد» -مدير العدل العسكريّ بتفاصيل الواقعة، تمهيدا لوضع المتهم تحت الحراسة النظرية. وأمام إصرار المتهم على عدم قيامه بأي نشاط مشبوه، انتقل المحققون إلى مواجهته بالمحجوزات المثيرة التي عُثِر عليها داخل شقته، ومنها شارة على شكل ميدالية باسم «المكتب الثاني»، وميدالية تحمل اسم الدفاع الروسي، وشارة خاصة باللواء الأول للمظليين وميدالية باسم المدرسة الملكية للتعليم العسكريّ العالي، وميدالية باسم البحرية الملكية، وميدالية باسم اللواء التاسع الآلي للمشاة، وعلبتان فارغتان خاصتانن بجهاز اتصال. وبعد سؤاله عن العلبتين الفارغتين لجهاز راديو سلكي ولاسلكي، أكد المتهم أن الأمر يتعلق بعلبتين لهاتفين محمولين اشتراهما من سوق «لكزة» في الرباط، وأشار إلى أنه لا يتوفر على قبعات عسكرية، مؤكدا أن القبعات التي حُجزت لديه ليس لها طابع عسكريّ، واستلمها كهدية من بعض الأصدقاء ووأنه يستعملها لاتّقاء حر الشمس..