ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حليفي: مجتمعنا في حاجة إلى مثقف عضوي وليس إلى مثقف لا يتجاوز عقله الورقة البيضاء
قال إن كتابة الرواية مثل تجربة الحب لا يمكن أن يحياها الإنسان إلا لذاته
نشر في المساء يوم 19 - 01 - 2013

في هذا الحوار يقول الكاتب والناقد و"الرحالة" شعيب حليفي إن الرواية المغربية لم تنفتح، بعد، على أشكال جديدة تُوّسِّع من أفقها وتعطي للذات والتاريخ مسارات مغايرة. كما أنه ينبه إلى أن
نقد المُجاملات بات طاغيا، ومن ثم فهو ينشغل بنصوص أسماء معينة أو بالأعمال الروائية المشرقية، في حين يغض الطرف عن أخرى، ومن ضمنها تجارب الشباب. وبخصوص اهتمام الجامعة بالرواية يقول حليفي إنها لم تعد مهتمة بها لسببين رئيسين: أولا، خوف المؤطرين من التكرار والاجترار. وثانيا، نظام ما يسمى بالإصلاح الجامعي الذي خلق ارتباكا لدى الجميع. أما عن المثقف المغربي فيقول إنه ليس كالمثقفين في دول باذخة، وكشف بأن تجربة التناوب خلفت أعطابا وردمت الروح المتوثبة عند المثقف، ومن ثم فعودته إلى الساحة تحتاج إلى وقت.
- هل ترى أن الرواية المغربية استطاعت أن تؤسس لنفسها مسارا خاصا بها، وتخلق تميزها ضمن مسارات الرواية العربية؟ أم أنها لا تزال تعيش تحت معطف الشرق؟
ما من شك في أن الرواية المغربية قد عرفت، لأسباب موضوعية، تطورا مهما في العقدين الأخيرين، ممّا أكسبها هوية ثقافية مميزة، من خلال نصوص ذات قيمة فنية عالية. وهي لا تخلق لنفسها مسارا خاصا بقدر ما تستكمل التجربة الروائية العربية الموسومة بالتنوع والتجديد. ولا أعتقدُ أن روائيا، مغربيا كان أم غير مغربي، يكتب تحت المعطف المشرقي.فالمسألة كانت في البدايات الأولى، وهو أمر مشروع، يُمكن أن نرجعه إلى التفاعل الثقافي وسلطة المرجع الثقافي والحضاري المشرقي... أما الآن، فإنّ الاجتهادات الجمالية والدلالية توجد في كل البلدان العربية، وخير دليل على ذلك الحضور المتنوع للنصوص الروائية في الجوائز العربية، وفي قوائم منشورات دور النشر العربية الكبرى وفي المجلات أيضا.
- كيف تنظر إلى تعامل النقد مع الإنتاج الروائي المغربي بالخصوص؟ هل ترى أنه أنصفها من خلال قراءات معمقة أم أنه لم يخرج عن إطار المجاملات الخفيفة التي لا تسهم في خلخلة واقعها والدفع بها إلى التطور؟
النقد الروائي المغربي، عموما، في جانب منه أنصفَ الرواية المغربية، خصوصا مع أسماء مؤسسة للنقد الروائي بالمغرب من أمثال أحمد اليبوري ومحمد برادة وغيرهما. مُقابل ذلك فإن فئة أخرى من النقاد المغاربة أجحفوا حق الكثير من التجارب الروائية المغربية، ولم يُنصفوا نصوصا مهمة. وأعتقد أن نقد المُجاملات يطغى على ما كنا نريده لنقدنا الروائي. نصوص كثيرة قرأتُها في الخمس سنوات الأخيرة لشباب من الروائيين لم يتكلم عنها أحد ولم يستدع أحد أصحابها للحديث معهم والإنصات إليهم وكيف يفكرون في السرد.. مقابل ذلك نجد بعض النقاد ممن يحتفلون، مِرارا وتكرارا، بنصوص ذات مستوى فني أقل من المتوسط، مغربية كانت أو عربية.
هناك كذلك مُفارقة تتجلى في انكباب النقد المغربي على الأعمال الروائية المشرقية في مقابل التجاهل التام للرواية المغربية من قِبَل النقد الروائي العربي.
- كثير من قراء الرواية المغربية يرون أن كتابها، رغم الكم الذي ينتجونه في هذا الباب، يبقون رهيني سيرهم الذاتية؟ كيف ترى ذلك؟
هذا الأمر لا يخص الرواية المغربية وحدها، فالرواية جنس تعبيري يُغري بالحديث عن الذات وعن التجارب الأقرب إلى النفس. وكتابة الرواية مثل تجربة الحب لا يمكن أن يحياها الإنسان إلا لذاته وليس لغيره.
هناك بالفعل، في الرواية المغربية، ميل أكثر للكتابة عن الذات والتاريخ الاجتماعي..حتى إن النصوص معها تبدو سيرا ذاتية أو سجلات اجتماعية وتاريخية عن مرحلة من المراحل.. وهو أمر لا أرى فيه انتقاصا إذا ما كانت النصوص ذات أبعاد جمالية ودلالية عالية بلغتها الروائية التي تميز الكاتب عن أساليب غيره.
الرواية المغربية لم تنفتح، بعد، على أشكال جديدة تُوّسِّع من أفقها وتعطي للذات والتاريخ مسارات مغايرة. أذكر هنا المحكي البوليسي والخيال العلمي وغيرهما.
- في كتاباتك التجأت إلى منطقتك الشاوية كفضاء وكشخوص وحكايات وتاريخ... لماذا هذا الاختيار؟ أهو حب في الأسطرة أم ماذا؟
لو لم تكن الشاوية ما كنتُ سأكون بشرا، ولو لم تكن الشاوية ما كنتُ كاتبا... وقد اقتنعتُ مؤخرا بأنني لا أعرف الكتابة في شيء آخر إلا عنها. والإبداع هو ما يحررني وما يُعبر عن هويتي ووجداني.. وإذا كان هكذا فإنه يعكس الطينة التي شكّلته.
لا أستطيع تخيل العالم بدون هذا الفضاء الذي أرى أنه هبط من السماء. لذلك فإن ما يراه البعض أسطرة، هو عندي حقائق نُدوِّنها حتى نتحرر ونحيا حياتنا وحيوات غيرنا من أهالينا الذين لم يجدوا من يستمع إليهم.
- تكتب الرواية وتُدَرس تاريخها وتقنيات كتابتها، كما أنك ناقد متخصص في السرد. إلى أي حد يستفيد الروائي فيك من الناقد؟
قد أرى العكس في المسألة. الروائي هو الذي يوجه الناقد.. ولولا كتابتي للرواية ما اشتغلتُ بالنقد الروائي.
لديّ فصل منهجي بينهما، فالنقد مرتبط أولا بالعمل مع الطلبة على مستوى المحاضرات أو البحوث في الإجازة والماستر وأطاريح الدكتوراة، ثم في المشاركات العلمية والثقافية والمجلات. أما الإبداع فهو شخصي أجد فيه تلك الحرية التي أفتقدها ناقدا أو باحثا. والروائي لا يُجرِّبُ الوصفات النقدية أو يشتغل لأجل اختبارها، لأن ذلك يقتل الإبداع ويحوله مفتعلا وميكانيكيا فاقدا نسغ الأدبية والرومانيسك. لكن الحقيقة أن الإبداع الروائي له وعيه النقدي الذي هو غير وعي الناقد. والإبداع أيضا متبوع وليس بتابع..لأن النقد يجدد أدواته من الحقول المعرفية الأخرى ومن جوهر الإبداع المُجدد.
- أنت أيضا إلى جانب كتابة الرواية، تكتب في أدب الرحلة. ترى أي سحر جعلك تطارد خطواتك؟ ثم ماذا أضاف لك ذلك على مستوى تطوير أفق الكتابة عندك؟
كتبتُ نصوصا روائية كانت آخرها رواية «أنا أيضا، تخمينات مُهملة»، ثم بعد ذلك كتبتُ «لا أحد يستطيع القفز فوق ظله»، والذي هو تجربة في كتابة مذكرات روائية، تلاهما كتاب عن رحلاتي إلى عدد من الدول وأسميته «أسفار لا تخشى الخيال»...إنه اقتناع مني بأن كتابة الرواية تحتاج إلى البحث عن أشكال وملاذات للقول واختبار الخيال في سياقات متعددة.
في «أسفار لا تخشى الخيال» لم أكتب أسفارا تنتمي إلى الإطار الكلاسيكي للرحلة، ولكنني كتبتُ رواية رحلية أو هي رحلة روائية، فتحتُ من خلالها قناة أخرى للتخييل والقول النفسي الذي ينطلق من حافة الواقع إلى خزائن النفس وخيالاتها.
- أمام التقدم التكنولوجي وسيطرة الصورة وانفتاح العالم، ألا ترى أنه لم يعد هناك من دافع لكتابة رحلاتنا؟
التقدم الشامل هو الذي أوحى للروائيين بالعودة إلى الكتابة في الرحلات والانفتاح على تحول جذري ومهم في جنس وُجِدَ منذ بداية الكتابة والإبداع، وارتبط بكل فئات المجتمع وحقول المعرفة.. أما اليوم فإن هذه «الرحلة» بكل تاريخها تُعلن انحيازها الصريح إلى التخييل وتخلصه شيئا فشيئا من بعض تقاليدها وشروطها وصفاتها.
في هذا السياق، أحب التذكير بأننا سنعقد ندوة بمدينة طنجة في منتصف شهر فبراير حول موضوع «الروائي رحالة». فقد وجدنا أن عددا من الروائيين يلجؤون إلى تدوين أسفارهم بنَفَسٍ روائي، منذ هيكل إلى عبد السلام العجيلي إلى عبد الكريم غلاب وخليل النعيمي وأحمد المديني وعلي بدر وأمجد ناصر وخيري شلبي ويوسف المحيميد وسعد القرش وحسونة المصباحي وعبد الله سالم بازوير...
*نرى أيضا أنك تهتم بكثير من الشخوص التي قليلا ما أولاها المؤرخون الاهتمام الكافي كمصطفى الأزموري مثلا؟ لماذا وأنت ابن قرن التكنولوجيا تمتد عيونك إلى الماضي؟ ما العلاقة بين ذاكرتك وكتاباتك؟
*** الذاكرة طريق بلا بداية ولا نهاية، ومنها نعبُرُ إلى الهوية. كل كاتب (وربما كل إنسان في هذه الأرض) يبحث عن هويته بطريقة من الطرق، ليُنمّيها ويُطورها أو يُحرّفها ويُدمرها.
الكثير من الأعلام والأماكن والحوادث تُمثل في تاريخنا رموزا قوية وضوءا قادرا على إمدادنا بحافز ما... إننا في اللحظة الراهنة، وربما في لحظات سابقة، نحيا في أرض بها ثقوب سوداء تطلع لنا منها قيم وسلوكات وخطابات تشجع على العبث واليأس. في تاريخنا – كما في تاريخ الإنسانية – مواقف تسندنا في لحظات الضعف والمحنة مثل هذه.
وقد ذكرتَ نموذجا واحدا من نماذج كثيرة، هو مصطفى الأزموري، ابن الشعب، الذي تجول في الأراضي الأمريكية في النصف الأول من القرن السادس عشر، إلى ابن الشمس المستكشف الذي ما زالت حتى اليوم قبائل زوني تحتفل به «قديسا» ومغامرا مبدعا.
إن الاعتراف بشخصيات تنتمي إلى هويتنا التاريخية والحضارية هو اعتراف بذواتنا وعقلنا الذي نريده أن يفكر ويسأل، كما نريد لوجداننا أن يُنصت وينبض.
- من جانب آخر، نرى في هذا الزمن تدفق الكتابة لدرجة صار الكتاب يتناسلون بكثرة، فهل هذا مؤشر على تطور الأدب أم أنه مؤشر على إفلاسه؟
أرى أنه حكم لا يستند على أسس. الكتاب في المغرب قلة قليلة جدا، والأدب مثل قطار مِرآوي شفاف، يركبه من يشاء، لكن الكاتب الحقيقي الموهوب هو من يجد مكانه في هذا السفر المجازي ويستطيع أن يخلق مع المدة قطاره الخاص.
صحيح، أحيانا تُضجرنا أصوات نشاز سرعان ما تتراجع وتختفي.. وهذا حال الأدب على مر العصور. ولا يدعو الأمر بتاتا إلى الخوف من إفلاس القول الذي عمره بعمر الإنسانية.
- إضافة إلى كتاباتك الإبداعية والنقدية، نجدك مشغولا بالكتابة عن الحركة النقابية، حيث أصدرتَ مجموعة من الكتب في هذا الباب. فلماذا هذا الاهتمام بهذا الجانب الذي ينظر إليه كثير من المغاربة ب«عين ناقصة»؟
المثقف في المغرب غير المثقف في هولندا أو سويسرا أو في جزيرة من الجزر الباذخة. نحن هنا أبناء فكر عبد الكريم الخطابي والمهدي بنبركة ونوبير الأموي؛ أبناء قيم الفلاحين والثوار والشهداء والكثير من البسطاء.أريد أن أقول إن مهمة المثقف مركبة ومتعددة وواجهاته ليس الخيال أو الجامعة أو قاعات الندوات والمؤتمرات، ولكن أيضا المجتمع بين فئاته وتنظيماته. وأعتبر أن تجربة ال«سي دي تي» مدرسة أتمنى لو أستطيع أن أدونها روائيا.
مجتمعنا في حاجة إلى مثقف عضوي، كما كان الشاعر شاعر القبيلة، المُنافح عنها، يُشعل قلوبهم فخرا وحماسة ويحرر وجدانهم من الخوف والضعف... واليوم لا أرى وجودا للمثقف الذي يجعل عقله ومشاعره لا يتجاوزان مساحة الورقة البيضاء التي يكتب عليها.المبدع الحقيقي هو من يجعل كل شبر من هذه الأرض وكل قلب من قلوب شعبنا صفحة له يكتب عليها ما نحس به جميعا.
- أسستم مرصدا للثقافة، فأين وصل؟ وهل لا تزالون ترون أن وجوده مازال ضروريا؟
المرصد المغربي للثقافة تجربة ثقافية ونضالية جاءت استجابة لشرط ضروري في مرحلة أهانت فيها الدولة عبر وزارة الثقافة آنذاك المثقف المغربي، وهو أمر كان وما زال متجسدا في عدد من مظاهر التهميش والتحقير. لكنهم في تلك المرحلة استطاعوا الجهر بذلك على لسان وزير ينتمي إلى جسم المثقفين وكأنهم يريدون الإمعان في تأكيد مواقفهم الثابتة من المثقف.
وقد جاء المرصد لحظتئذ جوابا وسؤالا. وأعتقد أننا ما زلنا في حاجة إلى تجميع جهودنا لمواجهة الأسوأ في حياتنا الثقافية والتعليمية والاجتماعية بشكل عام.
نحن المراصدة جاهزون وقادمون، دائما للانتفاض ضد كل تدبير أخرق يمس حرية الكاتب والكتابة.
- هل ترى أن المثقف المغربي في زمن الحراك العربي غيَّرَ مفاهيمه وأعاد تشحيم أخرى من أجل انطلاقة جديدة، أم تراه مازال في «سبع نومات»؟
لديَ تحليلٌ، كنتُ أدافع عنه وما أزال. تجربة التناوب خلفت بعض الأعطاب، منها أن دور المثقف بعدما كان منخرطا، آملا بصوته النقدي، تمكنت تجربة التناوب، خلال انحرافها المنهجي الأول سنة 2002، من ردم تلك الروح المتوثبة، مما جعل المثقف يفقد الإحساس بجدوى مبادراته وانخراطه. قد تتطلب عودة المثقف إلى ساحاته بعض الوقت أو إلى حدث كبير.
هذا من حيث المواقف الفعلية والمباشرة؛ أما من حيث الكتابة، فأرى أن المثقف المغربي يساهم بإبداعه في نقد المجتمع والأفكار والذهنيات. وأمثل لهذا بالزجل والرواية والقصة والمسرح.
- وماذا عن المختبرات وإطارات القصة وغيرها؟ ما الذي يمكن أن تضيفه للأدب المغربي؟
نبحثُ باستمرار، عن قنوات للعمل الثقافي والبحث العلمي. وقد أسسنا منذ 1993، بعد التحاقنا، نحن مجموعة من الشباب، للتدريس بالجامعة، مختبر السرديات.. ومن خلاله اشتغلنا مع الباحثين والنقاد والطلبة، وما نزال ضمن مشروع علمي أعتقد أنه يخدم البحث العلمي والأدب المغربي.
في مُختبرنا نعقدُ لقاءات علمية مع الباحثين والنقاد حول قضايا محددة، ونصدر كتبا جماعية وفردية في أفق إصدار مجلتنا «سرود». كما نشتغل خارج الكلية في فضاءات مفتوحة مع أدباء ومثقفين من مختلف الحساسيات الأدبية والفنية والفكرية.
- نرى أنك من المساهمين في البحث عن آفاق جديدة، كما هو الحال مع معرض الكتب المستعملة. فما هو الهدف من إقامة معارض للكتاب في أحياء شعبية؟ في وقت فتح آخرون باب التكنولوجيا وأخذوا ينشرون كل شيء هناك؟
العمل الجمعوي هو الواجهة الأخرى التي نشتغل من خلالها ثقافيا، ومن بين ما نحرص عليه تنظيم أنشطة ثقافية وسط أحياء شعبية يشارك فيها المثقفون المؤمنون بهذا النوع من العمل الصعب والممتع، ومعارض للكتاب، ولقاءات مفتوحة في الهواء الطلق في مواضيع من صميم الهامش والمنسي. السنة الماضية تحدثنا خلال أربع ساعات عن سعيدة المنبهي وعبد اللطيف زروال وإبداعهما الشعري..كما أننا ننصتُ إلى أدباء شباب يحررون أصواتهم المعتقلة، ويبوحون بأسرار قولهم الذي يشِعُّ في الساحات العمومية حرّا طليقا.

لم تعد الجامعة مهتمة ببحوث الرواية المغربية
- على مستوى البحوث الجامعية، كيف تعاملت مع الرواية المغربية؟ هل هناك إقبال عليها؟ وهل هناك إضافات نوعية في هذا المجال؟ أم أن الاجترار يبقى السمة الطاغية كما كان في السابق؟
لم تعد الجامعة مهتمة، كما كانت من قبل، بأطاريح وبحوث في الرواية المغربية لسببين رئيسين: أولا، خوف المؤطرين من التكرار والاجترار، فالأستاذ الباحث لا يشرف على طالب ما لم يكن قادرا على تقديم إضافة جديدة للتراكم المهم الذي حققته البحوث الأكاديمية، وكان رافدا مغذيا للنقد الروائي.ثانيا، نظام ما يسمى بالإصلاح الجامعي، والذي خلق ارتباكا لدى الجميع..
ومعَ ذلك فنحن، هنا بالدار البيضاء، نشتغل بالتأطير ضمن تكوين للدكتوراة بعنوان «تحليل الخطاب السردي»، وأعتقدُ أن ثماره ستكون جيدة، إضافة إلى ما يبذله الأساتذة الباحثون في جامعات أكادير ومراكش والجديدة والمحمدية والرباط والقنيطرة وفاس ومكناس وتطوان..فانتعاش السرد المغربي يؤثر إيجابا على المشاريع النقدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.