نقاش «مباشرة معكم» ليلة أول أمس الأربعاء كان قريبا إلى «البوليميك» منه إلى شيء آخر، أو بالأحرى قريبا إلى مباراة في كرة القدم: الجميع يريد تسجيل الأهداف في نفس المرمى الذي يحرسه المانوزي. الرياضي تدفع بوعياش، بوعياش تمرر إلى الوزير، الوزير يراوغ ويمرر إلى المودن، المودن يمرر إلى أوجار في وسط الميدان، أوجار يحافظ على الكرة، الناصري يلعب في كل الأجنحة وينتقل من اليسار إلى اليمين، بوعياش تراوغ مجددا، الرياضي بدأت تحس بالتعب، يتقدم المودن بهدوء .. والهدف، الدولة سجلت الهدف. كان خالد الناصري أول من ولج استوديو تصوير برنامج «مباشرة معكم» الذي يعده ويقدمه الصحافي جامع كلحسن. الحلقة مخصصة هذا المساء لحصيلة حقوق الإنسان المغربية. السيد الوزير أحضر ديوانه، ودخل بيدين فارغتين: لا قلم ولا ورقة، وهذا أمر طبيعي وعادي جدا لأن وزراء «البي بي إس» لم تحيرهم أبدا الكلمات ولم تصبهم عبر تاريخهم الوزاري دهشة «الكاميرا» أو «طراك» البث المباشر. إنهم ببساطة مدهشون وهم يدينون بذلك إلى أيام «الحلقيات» المجيدة في الجامعات المغربية «فالشيوعي آخر من يموت»، كما قال أحدهم يوما. بعد بضع ثوان سيلتحق عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، عبد الحي المودن، إنه هادئ كالعادة، ثم سيكتمل فريق الدولة بالتحاق محمد أوجار، وزير حقوق الإنسان السابق. هذا الوضع أزعج السيد الوزير الذي لم يتردد في القول «مباشرة معكم»: «لا أعرف لماذا قمتم بهذا التقسيم؟ «كنت أتمنى أن تجلس الرياضي أو بو عياش إلى جانبي». هنا يتدخل كلحسن: «إنها مسائل تقنية مرتبطة بالإخراج آسي الناصري». يصمت السيد الوزير وتظهر بعض الورقات بجانبه والتي لم يعرف أي أحد من الحاضرين من أين خرجت ومتى؟ ما لم يره المشاهدون قبل بداية البرنامج، أي أثناء الكواليس التجريبية الخاصة بالميكروفونات ووضوح الصورة، هو أن كل الضيوف، من خالد الناصري مرورا بالمودن وأوجار والمانوزي وبوعياش وصولا إلى الرياضي، كانوا مبتسمين وضاحكين في ما بينهم، وبمجرد أن أعلن مخرج البرنامج أنه بقيت فقط دقيقة على البث المباشر، تغيرت ملامحهم في 60 ثانية ب180 درجة. إنهم حقا مدهشون هؤلاء الساسة، وحدهما المودن والرياضي من حافظا على بعض ملامحهما ما قبل البث الحي. ووحدهما خديجة الرياضي أيضا وأمينة بوعياش من حافظتا على كرههما لبعضهما أمام الجميع حيث لم توجها الكلام إلى بعضهما طيلة وقت المباراة. ما لم يره المشاهدون أيضا هو البث التجريبي الذي يحاول فيه الجميع تمثيل أداء دوره المباشر الذي سينطلق بعد ربع ساعة. «أكسيون البث التجريبي». وجه جامع السؤال الأول إلى خالد الناصري «كيف تنظرون، أنتم السيد الوزير، إلى حصيلة حقوق الإنسان»؟ الجمهور ينتظر جواب السيد الوزير التجريبي، والذي قد يكرره أثناء البث الحي، بمعنى أن جمهور الأستوديو سيحظى بسبق سماع جواب الوزير قبل المتتبعين عبر الشاشات، لكن الوزير كان أذكى من ذلك بكثير وقرر أن يترك التشويق إلى البث الحي، وخاطب كلحسن قائلا: «هل تريد الجواب الحقيقي أم جواب البث التجريبي؟». الدولة لعبت المباراة بشكل جيد، وعرفت تطبيق خطة المدرب «ثلاثة ثلاثة». الناصري واضح وسجل هدفه الأول عندما قال «أريدكم أن تمنحوني تعريفا للمعتقل السياسي»، وهو يعرف أنه سيجد التعريف، إن لم يكن عند بوعياش فسيكون عند الرياضي، ليخرج السيد الوزير بخلاصة مفادها أنه «ليس هناك معتقلون سياسيون في المغرب، هناك فقط إرهابيون»، بعد ذلك سيلطف الناصري الجو وسيمنح هدفا مجانيا لأمينة بوعياش: «إذا كنت تقولين إن هناك خروقات ولديك الدلائل فأنا من موقعي كمسؤول في الحكومة أرفض أيضا ذلك وأساندك»، كان ذلك هدف الشرف الوحيد في المباراة لفريق الحقوقيين. العديد ممن شاهدوا الحلقة سيقولون إنه كان هناك هدف ثان لفريق الحقوقيين عندما كشف عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن عزمهم في المجلس على نشر لائحة أسماء العشرين من مجهولي المصير والذين يوجد من بينهم بنبركة والمانوزي وآخرون. لكنه أيضا هدف ممنوح امتص غضب فريق الحقوقيين وجعلهم يشكرون فريق الدولة أكثر من مرة في مباراة غير متكافئة، بينما المانوزي ظل خارج التغطية، لا في الكواليس ولا في المباراة، لينتهي اللقاء بانتصار كبير لفريق الدولة، مما دفع بنائبة مدير القناة الثانية سميرة سيطايل والصحفي رضى بنجلون إلى الدخول إلى البلاتو والابتسامة تعلو محياهما لأن الهدف الكبير الذي سجل هو: «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حضرت في البث المباشر ولم يحدث شيء». هنيئا لفريق الدولة.