يوما بعد يوم، يتيقن المغاربة وهم يشاهدون رئيس الحكومة في منبر البرلمان بأنهم أصبحوا أمام نسخة معدلة من الحجاج بن يوسف الثقفي، فبنكيران، الذي طالب (الله يستر) بقطع رأسه إن هو استفاد من الزيادة في المحروقات، هو نفسه الذي صرخ بأعلى صوته أمام نواب الأمة «ديروها في بالكم أنا مامزيانش». وبخلاف الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال: «إني رأيت رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها، وإني لأرى الدم يترقرق بين العمائم واللحى»، فإن بنكيران لم ير في هذه البلاد السعيدة غير رأسه للقطع، مع أن المغاربة صوتوا لصالح حزبه ومنحوه 107 مقاعد في البرلمان ليس ليقطع رأسه، بل ليرو تغييرا في واقعهم اليومي. وإن قول الحجاج بن يوسف الثقفي «إن للشيطان طيفا وللسلطان سيفا» ليتشابه أيضا مع أقوال بنكيران عن العفاريت، مع أن المغاربة لم يروا إلى حد الآن رئيس الحكومة يخرج السيف الذي منحه إياه الدستور من غمده سوى للإعلان عن الزيادة في أسعار المحروقات. وحين يعلن بنكيران أن توفر الماء الكهرباء في المنازل أهم من ثمنه ويهيئ بذلك المغاربة للزيادة في أسعاره بسبب وجود المكتب الوطني للماء والكهرباء على حافة عجز مالي يقدر ب30 مليار درهم، يتساءل المغاربة بسذاجة وعفوية: هل هناك رئيس حكومة آخر غير بنكيران من اقترح تعيين علي الفاسي الفهري ليستمر في تسيير مؤسسة على درجة كبيرة من الحساسية وصلت إلى «الدص»؟ لكن بنكيران، الذي كان يبشر قبل سنة من على منابر الخطابة في التجمعات الانتخابية بنسبة نمو تفوق تلك المسجلة في البلدان النفطية، أصبح اليوم مجبرا على أن يقول للمغاربة إن «الرزق قليل وطاحت فيه دبانة»؛ وبعد أن كان بنكيران يقول إن خيرات البلاد سوف تقتسم بالتساوي وسينعم الجميع بحياة رغيدة حين يقطع رؤوس الفساد والاستبداد، أصبح يطلب بقطع رأسه هو شخصيا تيمنا بالمثل الشعبي: «دير راسك وسط الريوس وعيط يا قطاع الريوس». حكاية الحكومة الحالية مع المغاربة أصبحت بعد سنة تشبه «المسلوخة اللي كتضحك على المذبوحة»؛ وبنكيران، الذي كان ينتظر منه المغاربة بعد سنة من «التقشاب والنكات»، أن يمارس صلاحياته الدستورية كاملة ويجد مخارج مناسبة من الأزمة ويملأ خزائن الدولة، أصبح متخصصا في ملء أسماع المغاربة بالشكوى. ويبدو أن الحكومة الحالية ستدخل إلى ذاكرة المغاربة وإلى التاريخ السياسي باسم حكومة «الشاكي باكي»، فبعد انقضاء سنتها الأولى على إيقاع الشكوى، يظهر جليا أنه في آخر أيام هذه الحكومة سوف ترفع شعار «كوليني يا موكة حتى الطيور عافوني». وزيادة على دعاء الغيث الذي يرفعه المغاربة هذه الأيام في المساجد، لن نستغرب في الأيام القادمة أن يطلب بنكيران من عموم المواطنين معاونته بإنشاد قصيدة «المنفرجة». وبعد سنة «ديال العشرة» مع بنكيران، تأكد للمغاربة أنه رئيس حكومة خاص بالرباط وسلا وما جاورهما، فالسي عبد الإله، الذي دخل على الناس في العاشرة ليلا ليعزيهم في الشاب الذي حاول إنقاذ خادمة من الانتحار ووصفه ب«الشهيد البطل»، لا نعلم بماذا سيصف الأطفال الرضع الذين يموتون تباعا في قرى الأطلس من شدة البرد، دون أن يزورهم أو يعزي ذويهم فيهم؛ وسيكون مناسبا لتبرير أجرة الوزير بدون حقيبة التي يقبضها مع التعويضات في آخر كل شهر أن يكلف بنكيران صديقه الوزير باها بالتخصص في تقديم التعازي إلى المغاربة بعد كل حالة من الموت المجاني الذي يضربهم هذه الأيام، أما آخر شيء كان ينتظره المغاربة من بنكيران فهو طمعه في فرض الضريبة على السيارات التي يصل عمرها إلى 25 سنة، وقديما قالوا: «إلى تزنكً الحبل ما بقالو غير التقطاع».