رغم أن رئيس الحكومة الإسبانية لويس رودريغيث ثباتيرو رجل بشوش المحيا إلى درجة أن الصحافة الإسبانية تشبهه بالفكاهي البريطاني «ميستر بين»، لكن وزير المغرب الأول عباس الفاسي أثبت أنه رجل نكتة خلال زيارته لمدريد رغم أنه لا يشبه أي فكاهي مشهور، معلنا بذلك فرادته في مجال الفكاهة السياسية الذي بدأه بسكيتش «النجاة». جاء عباس الفاسي إلى المونكلوا متأخرا، صبيحة يوم الثلاثاء، واستغلت عناصر فرقة حرس الاستقبال تأخر موكبه في تدخين بعض السجائر أو تسخين الطبول والأبواق استعدادا لاستقبال الفاسي والوفد المرافق له المكون من ثمانية وزراء. وقفت سيارة مرسيدس وأطل منها رجل بطيء الحركة، أنهكته عوادي الزمن واشتعل رأسه شيبا، فحار الشيخ «الفاسي» في معطفه لمن يسلمه، ثم مشى ضيف إسبانيا الكبير بخطى مرتعدة إلى المنصة الشرفية، فبدا الفرق واضحا بين الشاب ثباتيرو، الذي ظل ينظر طيلة عزف النشيدين الوطنيين إلى أعلى بوقفته المنتصبة، وشيخ يرقص الهواء بين ساقيه ويطأطئ رأسه مفكرا في ما مضى. سيبدأ عباس الفاسي أولى «قفشاته» المضحكة وأكثرها إثارة خلال الندوة الصحافية التي عقدها مع رئيس الحكومة الإسبانية، فأثناء إجابته عن أحد الأسئلة، سيخاطب رئيس حكومة إسبانيا قائلا: «نحن نتفاهم في كل القضايا، وهذا ما قلته للسيد خوسي ماريا ثباتيرو»، فانفجر الصحافيون ضاحكين من جهل الوزير الأول باسم رئيس حكومة البلاد التي جاء إليها، وانتبه الفاسي إلى نكتته وأراد إضحاك الحاضرين أكثر عندما قال «آه، ماريا خوسي ثباتيرو»، وهو اسم يطلق على النساء في إسبانيا، لكن النكتة التي راقت الحاضرين لم تعجب كثيرا ثباتيرو الذي نافس وجهه طماطم إقليم الأندلس في احمرارها، وبقي يحك بيده خشب المنصة حتى أعلن عن نهاية الندوة. وبعد ساعات، سيتوجه الفاسي إلى القصر الملكي الثارثويلا، كانت قاعة الاستقبال الملكي فارغة في البداية إلا من قلة من الصحافيين وافق عليهم مسؤولو القصر، ثم دخل عباس الفاسي ومعه وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري وسفير المغرب في مدريد عمر عزيمان والسفير الإسباني في الرباط لويس بلاناس. وقف الفاسي في وسط القاعة وحيدا، وبقي ينتظر قبل أن يعلو صوت رجل بزي عسكري قائلا بالإسبانية: الملك. فتح الباب وخرج خوان كارلوس، الذي بدا نحيلا وبتجاعيد أكثر مما يظهر عليه في شاشة التلفزيون، وخاطب الفاسي بالفرنسية متبادلا معه التحايا، وفعل الشيء نفسه مع الفاسي الفهري، قبل أن يتحدث مع عزيمان بالإسبانية، ودخل الجميع إلى قاعة أخرى وأغلقوا الباب. بعد مدة خرج الفاسي، وأطلق نكتة أخرى قائلا أمام ميكرفونات القناتين الأولى والثانية، إن زيارته كانت ناجحة لأنه خلال الندوة الصحافية كانت هناك أسئلة مهمة وأجوبة «أهم»، وعندما سألته «المساء» عن تطرقه إلى موضوع سبتة ومليلية مع خوان كارلوس، اكتفى برمي نظرة شزراء قائلا: «هؤلاء الصحافيون، جئت بهم معي في الطائرة ولا أعطي تصريحات لغيرهم»، ثم دخل الفاسي بجسده المنهك إلى سيارته واختفى عن الأنظار.. شكرا عباس الفاسي، نتمنى أن تعيد الزيارة قريبا لمدريد حتى وإن كنت تُلبس اسم «ثباتيرو» تنورة قصيرة وتنكر صحافيي بلدك المعتمدين، فقد كنت فعلا مسليا يا شيخنا الهمام.