زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. باريس سان جرمان يضع قدما في ثمن النهائي بفوزه على بريست (3-0)    دور الوساطة الملكية في مواجهة الحجز على أموال السلطة الفلسطينية    ريال مدريد يكسر عقدة ملعب مانشستر سيتي    الكركارات... ضبط 183 كلغ من الكوكايين في شاحنة مغربية قادمة من إفريقيا جنوب الصحراء    الرئيس السوري أحمد الشرع يرفض طلب الجزائر بالإفراج عن معتقلين من الجيش الجزائري وميليشيات البوليساريو    البحرية الملكية تنقذ مهاجرين سريين كانوا عالقين في أعالي البحار    مجلس المستشارين يختتم دورته الأولى للسنة التشريعية الرابعة ويستعرض حصيلته    لقجع: تنزيل الإصلاح الجبائي مك ن من تسجيل تطور مستمر للمداخيل الجبائية    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة"    مزور: نسعى إلى الانتقال من "صنع في المغرب" إلى "أبدع في المغرب"    خبير جيولوجي: قوة "زلزال وزان" تسجل عشرات المرات دون استشعار    إدارة مشروع Elysium بكورنيش طنجة توضح: ملتزمون بأعلى معايير الجودة وننفي مزاعم استرجاع الشقق لإعادة بيعها    وزير الداخلية المغربي يطلع على الترتيبات الأمنية لمباراة ريال مدريد وأتلتيكو .. المغرب وإسبانيا يوحدان جهودهما لتأمين مونديال 2030    الأمين العام لأكبر نقابة في المغرب يتهم رئيس مجلس النواب بانتهاك حقوق مستخدميه بمعمل النسيج بتطوان    السفير البريطاني بالرباط : المغرب والمملكة المتحدة شريكان مهمان لبعضهما البعض    شدد على أهمية اتخاذ تدابير لخلق فرص الشغل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة .. صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى استهداف التضخم ومواصلة توسيع الوعاء الضريبي    النيابة العامة تأمر بتنفيذ العقوبات الصادرة في حق المتابعين في ملف كازينو السعدي    المعارضة تنتقد تدبير الحكومة لمنظومة الاستثمار و"فشل الدعم الفلاحي"    مداولات البورصة تتشح ب"الأحمر"    المغرب يخسر نقطة في مكافحة الفساد .. وجمعية "ترانسبرانسي" تتأسف    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    تجديد التصريح الإجباري بالممتلكات    المغرب-ألمانيا: توقيع إعلان نوايا مشترك لتعزيز التعاون الثنائي في مجال الشؤون الدينية    نواب برلمانيون: توصيات المجلس الأعلى للحسابات أرضية لتقوية الرقابة    المصادقة على تحويل شركة المحطة الطرقية بالجديدة إلى شركة التنمية المحلية    حاسوب خارق يمنح برشلونة الأمل للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا ويصدم ريال مدريد    "قُبلة المونديال" .. روبياليس "متأكد تماما" من موافقة هيرموسو    وزير الأوقاف يستقبل وزير الحج والعمرة السعودي في سياق تعزيز التعاون بين البلدين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    منتج فيلم "روتيني" يلجأ إلى القضاء    احتفاء بالموسيقى المغربية الأندلسية    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    نصائح للحفاظ على الصحة العقلية مع التقدم في العمر    الرياضة .. سلاح فعال لمواجهة مشاكل النوم    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    تتويج الشاعر المغربي عبد الوهاب الرامي بجائزة "بول إيلوار 2024"    الطرق السيارة بالمغرب: تثبيت جسر الراجلين عند النقطة الكيلومترية "PK1" للطريق السيار الدار البيضاء-برشيد ليلة الأربعاء-الخميس    "النهج" يدين المخطط الأمريكي لتهجير الفلسطينيين ويدعو لتكثيف النضال لإسقاط التطبيع    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    هيركوليس يعلن عودته لتشجيع فارس البوغاز من المدرجات    هبة عبوك تتحدث عن علاقتها بأشرف حكيمي بعد الانفصال    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    رئيس أولمبيك آسفي ومدربه في لقاء مصالحة لإنهاء الخلافات    مباحثات مغربية إماراتية لتعزيز التعاون في مجال الطيران المدني    ترامب: "أوكرانيا قد تصبح روسية يوماً ما"    وزير الخارجية المصري لنظيره الأمريكي: العرب يرفضون خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    باحثون صينيون يكشفون عن آلية عمل نظام غذائي يحاكي الصيام لتعزيز المناعة المضادة للورم    "صولير إكسبو": 120 عارضًا و10 آلاف زائر لاستكشاف حلول الطاقات المتجددة    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس عبد السلام ياسين (1/2)
نشر في المساء يوم 03 - 01 - 2013

رُزئ المغرب -خلال السنة التي نودعها- في ثلة من أبنائه وبناته البررة الأفذاذ، من بينهم: أبو بكر القادري وعبد الصمد العشاب وعبد الجبار السحيمي وزكية زوانات وحبيبة البورقادي وأحمد الطيب لعلج وآسية الوديع وعبد السلام ياسين. هو
رزء وخسارة لا يعوضان، إذ لكل واحد من هؤلاء قيمته الكبرى، وشخصيته الوازنة، وعلمه الثر، وإنسانيته الفائضة، وآدمية المثلى، ونضاله، وارتباطه بوطنه وبشعبه، كُلٌّ في ميدانه، وكل بحسبان ما تخصص فيه ووقف حياته عليه.
ولأن المقام/المقال لا يسمح بمناولة حيواتهم الاستثنائية ووضع اليد على مياسمهم وبصماتهم، فإني آثرت أن أخصص هذا الحيز لواحد من هؤلاء (رحمة الله عليهم)، ملأ الدنيا وشغل الناس، ألا وهو الشيخ المرشد العام لجماعة العدل والإحسان: عبد السلام ياسين.
لا مشاحة في أن الرجل شغل الكثيرين كما شغلني منذ أن وعيت الحياة وعرفت النضال وفزت بحظ من القراءة والمتابعة والانخراط في معترك الشأن الجامعي، ثم الشأن العام.
ولا أنكر أن عبد السلام ياسين تسلل -فكرا وقوة هادئة، وعلما زاخرا هادرا، ورباطة جأش، وَرُسُوًّا على المبدأ كمثل الطود- إلى نفسي وعقلي وواعيتي في سبعينيات القرن الفائت.
أكبرت في الشيخ -كما أسلفت- قوة شخصه ونسكه وغزارة علمه وصفاء فكره وتماسك رؤيته ورؤياه ومشروعه؛ إذ كان مشروعه، ولا يزال، مشروعا مزلزلا بالمعنى الذي يحيل على الرجة التي أحدثها، في بنيان فوقي سلطوي وسلطاني يستمد مشروعيته من التاريخ والسلالة النبوية والبيعة.
كانت رسالته/كتابه: «الإسلام أو الطوفان» خطا قاطعا مع خطية فكرية مهادنة ومطمئنة، وبداية إقلاق وشقلبة لفزاعة الخوف وغول المقدس. وبينما انبنت الرسالة-الزلزال على النصح وتقديم نموذج الخليفة عمر بن عبد العزيز، كحل وبديل عن الملك العاض والجبري الذي تعرفه دول إسلامية في المشرق والمغرب، انطوت -بنفس المقدار- على التهديد والوعيد، بما يفيد تخيير الملك الحسن الثاني في منتصف السبعينيات (1974) بين الاقتداء بالنموذج العادل الخالد للخليفة عمر بن عبد العزيز، أي بالخلافة الراشدة، وبين الزحف والطوفان. لم أُخْفِ تضامني القلبي مع مضمون الرسالة -فترتئذ- وكنا طلاب معرفة وعلم وأحلام، حديثي عهد بولوج الجامعة. كما لم أخف ألمي وحزني الشديدين للمآل الذي صار إليه الأستاذ ياسين وقد أدخل مستشفى المجانين، وهو عقاب -لعمري- أمَضُّ وأقسى على الرجل من القتل والتصفية، علما بأن ياسين تعامل مع الواقعة بالصبر الأيوبي ورضى المؤمن القانت الذي قَوَّاهُ وشحذه نفح النبوة، وبَرَاهُ الاطمئنان الروحي وبرودة اليقين، من أن رهانه سيتحقق وأن وصيته ستتبلور طال الزمن أو قصر، ما دامت وراءها شخصية صلبة وصدقية تاريخية تمتح من مرجعية النص والسنة والجماعة والشريعة: (فكيف ضاق صدر الملك بالرسالة/الوصية)؟!
من هنا، نبع احترامي للشخص، لثباته على المبدإ، وعضه بالنواجذ على أفكاره ومشاريع رؤاه وما يراه حقا أبلج ومحجة بيضاء.
ومن هنا، تساءلت: كيف ضاق صدر الملك الراحل بالرسالة التي -على عنف لغتها وعدم استحضار السُّدة التي تراسلها- كان أولى به، وهو الحاكم والملك والسلطان، أن يتجاهلها تماما أو يأمر بتشكيل لفيف من العلماء يناظرون الشيخ في أسس ومنهج وأبعاد رسالته. ثم تذكرت، فجأة، ثخونة الجراح التي كان يعانيها الحكم، من جراء انقلابين غادرين فاشلين، لو كان أتيح لهما التحقق والنجاح لدفعا بالبلاد إلى وهدة سحيقة ولأغرقاها في حمام دم، وطغيان أَشِر، وجبروت عسكرتاري لا يُبْقي ولا يذر.
بين «الإسلام أو الطوفان» و«مذكرة إلى من يهمه الأمر»، نشط الفكر الياسيني كما لم ينشط فكر آخر -مغربيا- قبله أو بعده. أضحت التآليف والمصنفات تَتْرَى، وهي ترسم خطا تصاعديا لا عِوَجَ فيه ولا تذبذب أو تراجع. اشتعل أوار الحركة، «حركة العدل والإحسان» الإسلامية، وعظم شأنها، واشتد ساعدها، وذاع صيتها، وبرز عبد السلام ياسين كأحد الدعاة الأفاضل، القلائل وطنيا وإسلاميا، وتكرس فكره وجماعته، وتكاثر أنصاره ومريدوه، لأنهم رأوا في النهج الذي رسمه قواما لا أقوم وسبيلا لا أسلك ولا أنجع، ورأى فيه «الفضلاء الديمقراطيون»، بحسب تعبيره، فكرا متكثرا، قوي الحجة، متماسك البنيان، متناغم الطروحات، متسق العبارة والإشارة، له الفصاحة مركبا، والبلاغة سناما وسمتا. وفي تقديري الشخصي، فإن كتاب «المنهاج النبوي» منارة علمية ودينية مضيئة، لحجيته، وقراءته العميقة لتاريخية الإسلام ومسار الدعوة والخلافة الراشدة «الشورية»، وعرض أسباب انكسار المسلمين وخذلانهم وتشرذمهم وصولا إلى انفراط عقدهم، بعد أن حادوا عن الجادة وقبلوا بالظلم والملك العاض المستبد، عرضه على مرآة التحول والأشراط الظرفية وعلل الانهزامات والخيبات.
ويكاد هذا الكتاب يكون واسطة عقد ما كتبه وألفه وصَنَّفَه.. ولربما كانت باقي الكتب عيالا عليه، وتنويعا له، وبسطا وتوسيعا لجماع أفكاره ومطارف آرائه واجتهاداته. غير أن أهمية الرجل تكمن أساسا في توجيهاته وإرشاداته التي تستند إلى التربية بمعناها الشامل: الديني والخلقي، والفكري والقيمي والعلائقي، التربية بما هي تغيير باطني وتزكية للنفس وتقويم لها.
ففيه وضع الإطار النظري للقومة التي سيكون لها شأن وصدى واسع في البلاد، سلبا وإيجابا، قبولا واستنكارا، طلبا ونفورا. وفيه حدد الخط الاستراتيجي للجماعة بشكل واضح لا غبار عليه، حيث الربط العضوي المحكم بين النظري والتطبيقي، وبين القوة والفعل.
ولا شك -أيضا- أن فكرة الإمامة، الثاوية خلف الكتابة والتنظير والتطبيق والتصريف العملي، كانت وقودا للحركة من حيث تسييسها، ومهمازا دافعا لها نحو البلورة على الأرض، والتمكن من الناس، والتغلغل وسط الأتباع والمريدين والمناضلين، إذ لا يخفى أن غنى «العدل والإحسان» من غنى تياراته، وثراء فئاته المنضوية تحت لوائه، وتعدد مستويات منخرطيه العمرية والثقافية من دون اختلاف ولا فُتَاتٍ، إذ الدليل والسراج والمشكاة والخيط الأبيض هي كتب المفكر والشيخ الفاضل والمرشد العام.
لسنا بصدد تقديم كتبه جميعها، من أجل قراءتها وتلخيصها ومناقشتها، فذلك مطلب يعز علينا الآن وتضيق عنه مقالة كهذه؛ ما نتوخاه -بالمقابل- وتوخيناه من تحبير هذه الكلمة هو ترجمة إحساسنا تجاه الرجل وقول رأينا فيه، ولو باقتضاب، وقد التحق بالرفيق الأعلى وأصبح في ذمة التاريخ.
فأنا -إذن- لست حديث عهد بمعرفة الرجل الفاضل، رحمه الله، إذ عرفته وسمعت به وعنه وأنا في ميعة الصبا أيام الطلب بجامعة فاس، علما بأن «السيادة» الفكرية، كانت -آنئذ- لليسار الجذري، والهيمنة الإيديولوجية للماركسية اللينينية، والسطوة الأدبية للأدب الملتزم الهادف، والوجودية السارترية، والعبثية الولسونية، والجدة التحليلية الماركيوزية، ولفكر الأحزاب الديمقراطية التي ارتضت مصالحة النظام ومهادنته وقبول لعبة الانتخابات، فسميت -تبعا لهذا- بالأحزاب الإصلاحية، وأحيانا ب«الخائنة».
كنا ننتمي إلى هذا الطرف أو ذاك، إلى اليسار المحظور أو «التحرر والاشتراكية»: حزب المِؤسسين الكبار: علي يعتة وعزيز بلال وعبد السلام بورقية وعبد الله العياشي وشمعون ليفي أو «الاتحاد الاشتراكي» المشخص عن جدارة واعتزاز في القادة الرواد المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وعمر بنجلون. ومن ثم، فكل من «تأسلم» أو انتمى حتى إلى «حزب الاستقلال» يعتبر رجعيا في أحسن الأحوال، وجاسوسا مدسوسا في أسوئها.
ومع ذلك، كان لاسم عبد السلام ياسين، الآتي من بعيد.. من أحراش سوس العالمة، رنين خاص ورجع استثنائي متأتيان، بالتأكيد، من صلابته وعناده المبادئي وتحديه الخرافي للنظام... وما أدراك ما النظام في تلك الأيام !
اختلفت مع الرجل الكبير، عبد السلام ياسين، في منظوره وتحليله للواقع المغربي وتقاطع بعض أفكاره مع الماورائيات والغيبيات، ما يجعل هضمها مستثقلا ومشاطرة نبضاتها عسيرا ومستبعدا. واختلفت مع المحيطين به، المقربين منه، عندما أحلوه محلا أسطوريا، فوق-بشريا، لم يكن ليرضى به وعنه في نظري، وعندما خلعوا عليه من المناقب والكرامات ما يسيء إلى متنه الفكري الدعوي التربوي، القوي، الصافي، الواضح والدال، المغترف من الدين والتاريخ والاجتهاد والمقاصد والمصالح المسترسلة.
لهذا احترت في أمر الداعي وفي أمر الدعوة، أين الخيط الأبيض من الخيط الأسود فيها، أين البياض الناصع المعهود في فكر الرجل وحنكته العلمية ورسوخه الديني، وأين المنطقة الرمادية التي تجيز هذا وذاك، تلعب على النهار كما تلعب على الظلمة، على العلمية الناجزة كما على الخرافة المنتسجة والشائعة، على الفكر الوثاب، والإمامة الجُلَّى، كما على البدعة المريضة والمعجزة الخارقة، الغارقة في الوهم والتوهيم؟
محمد بودويك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.