رئيس كولومبيا يتخبط أمام ترامب    حريق جزئي في بناية 'دار النيابة' التاريخية بطنجة بسبب تماس كهربائي    انفجار نفق بسد المختار السوسي بضواحي تارودانت.. بعد مرور أكثر من 12 ساعة من الحادث لا زال 5 عمال مفقودين    نشرة إنذارية: هبات رياح محليا قوية من 70 إلى 95 كلم/س بعدد من أقاليم الشمال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    تأني الفتح يغلب استعجال الرجاء    نادي الشارقة الإماراتي يعلن تعاقده مع اللاعب المغربي عادل تاعرابت    السنغال تبدأ تنفيذ مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا    العيون تُعلن عاصمة للمجتمع المدني المغربي لسنة 2025    الكاف: أكثر من 90 بلدا سيتابعون قرعة كأس أمم إفريقيا بالمغرب    جريمة تهز وزان: مقتل سيدة وإصابة شقيقتها في اعتداء دموي بالسلاح الأبيض    الشرقاوي حبوب: تفكيك خلية إرهابية بمنطقة حد السوالم يندرج في إطار الجهود المبذولة للتصدي للخطر الإرهابي    الدورة 35 لماراطون مراكش الدولي: العداء الكيني ألفونس كيغين كيبووت والإثيوبية تيرفي تسيغاي يفوزان باللقب    المغرب يحقق سابقة تاريخية في كأس إفريقيا.. معسكرات تدريبية فاخرة لكل منتخب مشارك    وزارة التربية الوطنية تكشف خلاصات لقاءات العمل المشترك مع النقابات التعليمية    إحباط تهريب 200 كيلوغرام من الحشيش بميناء سبتة المحتلة    الملك محمد السادس يهنئ الحاكمة العامة لكومنولث أستراليا بمناسبة العيد الوطني لبلادها    تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية ومرفوضة فلسطينيا وعربيا.. ترامب يقترح ترحيل الفلسطينيين من غزة إلى الدول العربية المجاورة    تراجع للدرهم أمام الأورو.. و4% نمو سنوي في الاحتياطيات    هذه خطة المغرب لتعزيز شراكته الاقتصادية مع الصين وتقليص العجز التجاري    المفوضية الأوروبية: الاتفاقيات الجوية بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تشمل الصحراء    تقرير: المغرب يواجه عام 2025 بتطلعات متفائلة مدعومة بالتعاون الاقتصادي مع الخليج وأوروبا    الشرقاوي: تفكيك الخلية الإرهابية بحد السوالم يندرج في إطار التصدي للخطر الإرهابي    غرق بحار ونجاة أربعة آخرين بعد انقلاب قارب صيد بساحل العرائش    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    15 قتيلا بنيران إسرائيل بجنوب لبنان    "كاف": الركراكي مطالب بالتتويج    ريدوان وحاتم عمور وجيمس طاقم تنشيط حفل قرعة كأس أمم إفريقيا    بعد نجاحه مع نشيد ريال مدريد.. ريدوان يستعد لإطلاق أغنية خاصة ب"أسود الأطلس"    تفكيك "شبكة حريڭ" باستخدام عقود عمل مزورة    كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم: الكشف عن الشعار الرسمي للبطولة    تفشي مرض الحصبة في المغرب.. الوضع يتفاقم والسلطات تتحرك لمواجهة اتساع رقعة انتشاره    وزارة التجهيز والماء تطلق ورشات تشاورية لتثمين الملك العمومي البحري    تدشين وإطلاق عدة مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم شفشاون    الطماطم المغربية تغزو الأسواق الأوروبية أمام تراجع إسبانيا وهولندا    جمعوية: الكلاب المتخلى عنها الأخطر على المواطنين مقارنة بالضالة    أساتذة "الزنزانة 10" يحتجون بالرباط‬    المغرب حاضر بقوة في المعرض الدولي للسياحة في مدريد    رحلة مؤثر بريطاني شهير اكتشف سحر المغرب وأعلن إسلامه    شبكة صحية تنتقد الفشل في التصدي ل"بوحمرون" وتدعو لإعلان حالة طوارئ صحية    المحكمة الكورية ترفض طلب تمديد اعتقال الرئيس المعزول    الجزائر تتجه نحو "القطيعة" مع الفرنسية.. مشروع قانون لإلغائها من الجريدة الرسمية    الصين: ارتفاع الإيرادات المالية بنسبة 1,3 بالمائة في 2024    أخنوش أصبح يتحرك في المجالات الملكية مستبقا انتخابات 2026.. (صور)    معرض القاهرة الدولي للكتاب .. حضور وازن للشاعر والإعلامي المغربي سعيد كوبريت في أمسية شعرية دولية    لقاء ينبش في ذاكرة ابن الموقت    الولايات المتحدة.. طائرات عسكرية لنقل المهاجرين المرحلين    الخارجية الأمريكية تقرر حظر رفع علم المثليين في السفارات والمباني الحكومية    القنصلية العامة للمملكة بمدريد تحتفل برأس السنة الامازيغية    هوية بصرية جديدة و برنامج ثقافي و فني لشهر فبراير 2025    وزارة الصحة تعلن عن الإجراءات الصحية الجديدة لأداء مناسك العمرة    من العروي إلى مصر :كتاب "العناد" في معرض القاهرة الدولي    فعاليات فنية وثقافية في بني عمارت تحتفل بمناسبة السنة الأمازيغية 2975    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد السلام ياسين زعيم ومؤسس “العدل والاحسان” في ذمة الله. الجماعة تفقد زعيمها الروحي
نشر في أريفينو يوم 13 - 12 - 2012


سبب الوفاة وتاريخ وقوعها
انس العمري
علم أن عبد السلام ياسين، مؤسس جماعة “العدل والإحسان”، وزعيمها الروحي قد توفي اليوم الخميس (13 دجنبر 2012).
وقال، حسن بناجح، مدير مكتب الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان وقيادي من الجماعة إن الشيخ توفي على الساعة السابعة والنصف صباحا، مضيفا في تصريح مقتضب أن مضاعفات نزلة برد شديدة كانت سبب وفاته.
وبخصوص مراسيم الوفاة قال بناجح إن ذلك سيعلن عنه رسميا في بيان للجماعة.
بيان لمجلس إرشاد جماعة “العدل والإحسان” ينعي الشيخ عبد السلام ياسين. التشييع يوم غد بعد صلاة الجمعة بمسجد السنة بالرباط
بعد ساعات على وفاته نعى بيان لمجلس إرشاد جماعة “العدل والإحسان”، الشيخ عبد السلام ياسين، وقال بيان “بقلوب يعصرها الحزن والأسى ويملأها السكون إلى قضاء الله والرضا بقدره، تنعي جماعة العدل والإحسان إلى كافة الأعضاء والمتعاطفين وإلى الشعب المغربي وإلى أمة رسول الله صلى الله وسلم، رجلا من رجالها العظام، وعالما من علمائها الأفذاذ، فقد توفى الله إلى رحمته ومغفرته، إن شاء الله، الأستاذ الجليل المرشد عبد السلام ياسين، صبيحة اليوم الخميس 28 محرم الحرام 1434 الموافق ل13 دجنبر 2012، عن سن يناهز 87 سنة.
وأوضح البيان أن الفقيد سيشيع إلى مثواه الأخير غدا من مسجد السنة بالرباط بعد صلاة الجمعة.
بورتري. الشيخ ياسين عدو نظام الحسن الثاني ومؤرق السلطات في عهد الربيع الديمقراطي
رشيد هل لغلام كود

رحل الشيخ عبد السلام ياسين، لكن رسائله وأتباعه لا يزالون يؤرقون النظام في المغرب. منذ سنوات وهو ينتقد ما يسميه استبداد نظام الحسن الثاني ومعه خلفه محمد السادس. رسالته «الإسلام أو الطوفان وبعدها رسالته إلى من يهمه الأمر حفرت في ذاكرة الخطاب المنتقذ للملكية وحكمها في عهد ملكين.
حين يخرج مريدوه إلى الشارع تستنفر السلطات كل أجهزتها. لا تعترف بجماعته لكن حضورها في الساحة الدعوية والسياسية جعلها تفرض نفسها بحكم الواقع، ورغم أنها ظلت محظورة لكنها كانت حاضرة في كل النقاشات السياسية كإحدى الجماعات المعارضة خارج المؤسسات.
هي حركة صوفية في الأصل ، لكنها اقتحمت العمل السياسي، فتميزت بذلك عن الطريقة القادرية البوتشيشية التي انتمى إليها مؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين قبل أن يغادرها .
مرشدها العام هو عبد السلام ياسين ( مواليد سنة 1928 بمراكش)، كانت بدايته بالزاوية البوتشيشية التي التحق بها سنة 1965 وغادرها بعد أن يئس من خلافة شيخه عباس، لكنه سيتبرأ من الطريقة بعد إصداره كتاب الإسلام أو الطوفان
كان أبوه جنديا في الجيش الفرنسي ثم فلاحا من أسرة يعتقد أنها عريقة تدعى “آيت بيهي”، أصلهم من بلدة أولوز بمنطقة سوس جنوب المغرب. وممن ذاعت شهرتهم من رجالات هذه العائلة القائد عبد الله ولد بيهي والذي يلتقي نسبه بنسب عبد السلام ياسين في الجد الرابع، فإبراهيم المذكور في سلسلة نسب عبد السلام ياسين هو عم عبد الله ولد بيهي. وقد كان لهذا الأخير الرياسة على اثني عشرة قبيلة، وقد قتله محمد بن عبد الرحمن أحد سلاطين العائلة العلوية الحاكمة.
تلقى دروسه التعليمية الأولى في مدرسة بمراكش أسسها محمد المختار السوسي، كما درس بمعهد ابن يوسف وهو في الخامسة عشرة من عمره، ودرس به أربع سنوات. وفي 1947 التحق بمدرسة تكوين المعلمين بالرباط. وفي أكتوبر 1961 حصل ببيروت على دبلوم التخطيط التربوي بامتياز ضمن أول فوج من المغاربة.[1] سنة 1965 التحق بالزاوية البودشيشية وفيها تتلمذ على يد شيخها العباس. اشتغل في سلك التعليم وترقى به مناصب مهمة.
ظل عبد السلام ياسين موظفا في وزارة التربية المغربية مدرسا وأستاذا ومفتشا ومديرا حتى شهر مارس 1967 حيث مرض فانقطع عن العمل.
أسس ياسين جماعة العدل والاحسان في 1973، وعرف بكونه من أشد معارضي حكم الحسن الثاني, عندما وجه له سنة 1974 رسالة “نصح” بعنوان “الإسلام أو الطوفان”, قضى بسببها ثلاث سنوات وستة أشهر في السجن بدون محاكمة ثم أرسل الى مستشفى الأمراض العقلية. كما اعتقل في دجنبر 1983 بسبب مقال رد فيه على خطاب للملك الحسن الثاني فحكم عليه بثلاثة أشهر من الاعتقال الاحتياطي ثم سنتين سجنا نافذا.
في فبراير 1979 أصدر العدد الأول من مجلة “الجماعة” التي كانت تعبيرا عن خط “أسرة الجماعة”. وقد لاقت مجموعة من المضايقات حيث صودر منها الأعداد: الخامس، والعاشر، والسادس عشر، ثم أوقفت بعد ذلك.
جماعتنه العدل والإحسان هي احدى المكونات الرئيسية لحركة 20 فبراير الاحتجاجية التي طالبت بإصلاحات جذرية في السياسة والاقتصاد, وأدت الى تبني دستور جديد في يوليوز 2011، لكنها غادرت الحركة قبل أن تبدأ في مهاجمة حكومة ابن كيران.
بعد وفاته أصبح مصير الجماعة مفتوحا على كل السيناريوهات ، ومن أبرز المرشحين لخلافته محمد العبادي عضو مجلس الإرشاد المتمكن فقهيا، وينافسه منير الركراكي صهر الشيخ ياسين، وفتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم الجماعة، وعبد الواحد المتوكل الأمين العام للدائرة السياسية
وراجت مؤخرافي وسائل الإعلام معلومة عن وجود وصية مكتوبة لكن أمر الخلافة بالوراثة غير مطروح داخل الجماعة، مما يعني أن أيا من أبنائه لن يكون خلفه بمن فيهم ابنته نادية، وأن مجلس الإرشاد، كما ورد في المنهاج النبوي هو المؤهل لاختيار أحد أعضائه الذي يشترط فيه التحلي بمواصفات روحية بالأساس ويكون بعيدا عن الانشغال بالسياسة والحياة اليومية
خليفة الشيخ ياسين ووارث سره
هل هو الخليفة المرتقب على رأس جماعة العدل والإحسان ؟ عبد الله الشيباني وفي مقاليه الأخيرين الذين أثارا جدالا واسعا داخل قيادات الجماعة، قدم من خلاههما ما يشبه خارطة طريق تمهد لمرحلة ثانية بعد وفاة مرشد الجماعة عبد السلام ياسين، والذي فارق الحياة صبيحة يومه الخميس.
الشيباني صهر عبد السلام ياسين زوج ندية ياسين ابنة الشيخ التي يعتقد انها ابعدت داخل أجهزة الجماعة القيادية، نشر له مقال رأي على الموقع الرسمي للجماعة بتاريغ الثلاثاء 11 دجنبر 2012، أي قبل يومين من وفاة الشيخ، يطرح فيه مسألة خلافة المرشد وطرق تصريفها داخل الجماعة بالشورة، ويوضح من خلالها تصوره للخط السياسي والتربوي الذي يجب أن تسير فيه جماعة العدل والإحسان وكأنه يتحدث بلسان الخليفة المرتقب.
“فبراير.كوم” تعيد نشر مقال عبد الله الشيباني حرفيا مع الحفاظ على العنوان الذي نشر به مقاله: “خليفة الشيخ ياسين ووارث سره”
من الطبيعي أن يطرح من يصفون الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين بالشيخ الصوفي ويصفون أعضاء الجماعة بالمريدين السؤال التالي: “من وارث سر الشيخ ياسين، أهو أحد أبنائه، أو إحدى بناته كما هو حال الطرق الصوفية، أم أحد نجباء الطريقة الياسينية من مجلس الإرشاد؟
ومن الطبيعي أن يطرح من يصفون الجماعة بالحزب السياسي الذي يطمح أعضاؤه إلى التسلق إلى المناصب وأن رئيسها منتصب على عرشها السؤال التالي الثاني:
“من وارث عهد العرش الذي تربع عليه عبد السلام ياسين منذ تأسيس حزب العدل والإحسان إلى الآن؟ و لمَ لمْ يعيّن بعد ولي العهد؟”.
في الحقيقة لا أستغرب لطرح مثل هذه الأسئلة لأن الناس ألفوا وبُرمجوا على اعتقاد أن في تاريخنا وحاضرنا، قبل أن يموت الشيخ الولي للطريقة الصوفية التي تجمع الناس على الذكر، يعهد لابن من أبنائه بسر الولاية أو لمريد نجيب في الطريقة. وإن لم يفعل هو، يفعل ذلك الأتباع المقدمون. إذ يعتبرون أن لا أحق ولا أقدر على وراثة سر الشيخ سوى من أتى من صلبه أو عيّنه هو.
وبُرمجت الرعية أن الملك والرئاسة في الشؤون السياسية تمر كذلك لولي العهد يعينه السلطان أو الملك أو الرئيس وتزكيه “المجالس المستشارة”.
وبما أن العدل والإحسان تجمع الناس على الذكر في الرباطات والاعتكافات ومجالس النصيحة، وبما أن مرشدها كان مريدا نجيبا مقدما في الطريقة البودشيشية لم يرث ،فإذن هو شيخ صوفي مقنّع سيقلدُ المشايخَ والمريدون المريدين.
هكذا بهذه البساطة التبسيطية يقول مَن يحكم على مشروع ضخم مؤسِّس لمجتمع بديل، مثل جماعة العدل والإحسان، من خلال ما يلقى في مقال صحافي مُغرض من كلمات أو من خلال ما يُسمع من درس لواعظ رسمي ملكي أو وهابي. يقول و يحكم دون أن يقرأ و لو صفحة من عشرات الآلاف من صفحات مكتوبات الأستاذ المرشد المؤسِّس.
لا يُتصور أن يوجد في هذا العصر عالم مجتهد عصامي تخرج من مدرسة العلم الشرعي السني التي لُبّها حفظ القرآن، وتخرج من مدرسة الصحبة الصوفية والذكر التي لبها صحبة الصالحين ومجالستهم في الرباطات، وتخرج من مدرسة الفكر المعاصر الحديث التي لبها الغوص في كتب منظريه بلغات القوم الأصلية. عالم مجتهد لم يتخرج لا من جامعة القرويين ولا من جامعة الأزهر ولا من جامعة أم القرى، ولم يتخرج لا من السوربون ولا من الهارفرد.
لا، نحن في المملكة المغربية عندنا عبقري واحد ومخترع واحد و مجتهد واحد يعلم كل المغاربة من هو!
جمع الأستاذ المرشد تلكم العلوم الثلاثة وهو المتمكن من علوم أخرى، كاللغة والشعر والتاريخ و غيرها، واستخرج منها علما قرآنيا سنّيا نبويا أساسه كتاب الله عز وجل وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على منهاج أهل السنة والجماعة، و”تجرأ” أن يجتهد في نسج كل هذه العلوم بمنهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيدا عن الجامعة الشرعية الفقهية الرسمية التي حدد لها الملك العاض والجبري حدودا في الاجتهاد تُبقي على هيمنته. بل أقفل باب الاجتهاد الذي يوشك أن يحدث التغيير في الفهم والعمل، وعوضه بالتقليد والكسل. ولقد “تجرأ” علماء مجتهدون رضي الله عنهم أمثال الإمام أحمد وابن تيمية والإمام مالك وأرادوا ممارسة الاجتهاد، فضرب الحكام على أيديهم بقسوة وعذبوهم وأدخلوهم السجن. وقاتلوا القائمين من آل البيت وشرّدوهم قبل ذلك ،تنكيلا و قتلا يُبقي “العالمَ” المقلد في خدمة السلطان الجائر. فلا غرابة أن تسمع علماءنا الرسميين الحاليين يقولون هذا ما درسنا في الجامعة وهذا ما وجدنا عليه آباءنا في العلم.
الاجتهاد من أجل التغيير لا يجرؤ عليه إلا حرُّ، تحرر من قيود العبودية لغير الله. تحرر من الخوف ومن الطمع إلا من الطمع في رضى الله والخوف من عقابه. واجتهد بدون خوف ولا كسل في الاستنباط و التنزيل و التجديد و الإبداع.
بهذا أخي تعلم أن الأستاذ المرشد ليس شيخ طريقة بل مؤسس مدرسة في العلم القرآني والتقوى، حرة من قيود السلطان تجدد الدين في العقل فهما وتجدد الإيمان في القلب تربية وترجع في ذلك إلى النبع الصافي: القرآن والسنة. تصفيه من شوائب ما علق به من طقوس وشطحات المتصوفة، ومنها توريث السر، وشوائب أخرى لا تجدها في جماعة العدل والإحسان.
تخرج الأستاذ المرشد من مدرسة العلم الشرعي ومن مدرسة الصوفية ومن مدرسة الفكر الحديث فأخذ اللب وانتفع به وترك الشوائب جانبا بمصفاة المنهاج الذي استقاه مباشرة من القرآن والسنة وصاغ من كل هذا علما و فقها جديدا مجدِّدا.
وليس الأستاذ المرشد رئيسا لحزب يا أخي، ولا سلطانا متربعا على عرش سيخلفه فيه ولي عهده. بل مؤسس لمدرسة جديدة في الممارسة السياسية تعتمد الشورى والعمل الجماعي على مسار بناء دولة القانون والحرية والحقوق السياسية والاجتماعية الفردية والجماعية. دولة تؤهل الإنسان المغربي لكي يكون مشاركا حقيقيا في تدبير شؤونه عبر اختيار ممثليه ومحاسبتهم. اختيار واع وحر ومسؤول عبر انتخابات شفافة ونزيهة . دولة تفصل فيها سلطة التشريع عن سلطة التنفيذ والقضاء فصلا حقيقيا لا صوريا. دولة تصنع وتنتج باقتصاد قوي وتوزع بالقسط والعدل تضمن حرية المعتقد وتضمن حرية الفكر المسؤول والتعدد الحزبي الذي يحافظ على التدافع الذي يمنع هيمنة الفكر الوحيد والحزب الوحيد…
لكأني بالحداثي يهتز من مكانه لقراءة ما سلف قائلا: أهذه دولة القرآن التي تبشرون بها؟
نعم هذه دولة القرآن التي ننشدها لا دولة استغلال القرآن التي قرأتم عنها في تاريخ المسلمين وتعيشونها.
دولة تعيد للمرأة وضعها الحقيقي لا الشكلي الذي يجب أن تلعبه في بناء المجتمع وتدبير شؤونه. دولة تؤهل المرأة لتربي الأجيال الحرة القوية الواعية والمتعلمة. وكيف تفعل ذلك إن لم تكن هي حرة وقوية وواعية ومتعلمة؟
دولة تشرك المرأة حقيقة لا صوريا في تدبير الشأن السياسي والاجتماعي والاقتصادي من زاوية تخصصها وما اختصها به الله من سعة وشمولية في النظر تكمل به زاوية الرجل وتخصصه.
وكأني ثانية بالحداثي يهتز فزعا ويقول “لا، لا، لا، لا يفكر الإسلامي هكذا، حسب ما استقر لدي من “كلشيهات” عن صورته، لا لا لا هذه شعبوية جديدة ذكية …”. لا تقنع أخي “بالكليشيهات” إن كنت صِدقا باحثا، راجع واقرأ وتحقق.
دولة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودولة الخلفاء الراشدين المهديين الخمسة، ودول بعض الصالحين من الملوك كانت كذلك. وهي المرجعية الإسلامية المعتمدة في أسس ومبادئ وأصول السياسة الإسلامية الشرعية. على عكس سياسة دول الملوك المفروضين ،العاضين بالمصطلح النبوي، السارقين لإمامة الأمة ولأموالها.
الخليفة الراشد إمام عادل تولى الأمر بشورى المسلمين، انتخب ويحاسب على سياساته ويقبل الرأي الحر ويطلبه لتقويم عمله، يوقر الراهب في معبده ولا يتجسس على الناس ويحترم حقهم في سلوكهم الفردي داخل بيوتهم ونواديهم مادام لا يخل بالنظام العام. يضمن الحق في الأمن والمسكن والعمل والحقوق الأخرى ويسوسها.
يلتزم الخليفة الراشد بالمواثيق المصدق عليها و التي تربطه بالدول في ضمن علاقات التعايش والاحترام المتبادل.
يرجع في أموره إلى أهل الشورى، أهل الحل والعقد الذين رضيهم الناس وانتخبوهم لصدقهم وإخلاصهم وعلمهم وجهادهم ومنهم النساء.
يمثل أمام القاضي المستقل في أي نزاع وينزع قبعة حصانة رئيس الدولة.
هذه بعض معالم دولة القرآن، ولنا فيما بسطناه من هذه المعالم والصوى حد أدنى نلتقي عليه مع الفضلاء الديمقراطيين في مرحلة ما بعد الاستبداد. نلتقي على ما يسمى دولة الحق والقانون نصل إليها عبر حوار جاد ومسؤول وميثاق مؤسس للتعددية والحرية ودولة المؤسسات. شرط الجدية والمسؤولية في الحوار وشرط الصدق والوضوح في الرفض البين والمعلن للاستبداد أيا كان قناعه.
فأين محل وراثة العهد من بعض ما بسط من أصول دولة القرآن،
دولة القانون و الحقوق الفردية والجماعية والثقافية،
ودولة العدل في تكافؤ الفرص والتوزيع،
ودولة المؤسسات وفصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.
لا دولة استغلال ألقاب الجلالة وخلافة الله وظله في الأرض واستغلال الأنساب من أجل الهيمنة والتحكم وأكل أموال الشعب بالباطل. تلكم الدولة الثيوقراطية التي يقبلها ويعمل في ظلها، عجبا، اللآئكيون الحداثيون. يتهمون نياتنا في إحلالها، ونحن في فكرنا ومشروعنا منها براء بينما هم يشرعنون لها بانضوائهم في ظلها.
عجبا للائكي وحداثي ويساري أو يساري كان متطرفا، يركعون في صلاة البيعة في نظام ملكية ثيوقراطية توظف الدين في تثبيت التسلط في صورة إسلام سياسي بامتياز، ثم يتهمون به من ينشدون سياسة إسلامية تحرر المواطن من قيود الخضوع للاستبداد ومهانة ذل الركوع لغير الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.