إن العناية بالأطفال والناشئين والشباب مسؤولية العلماء والباحثين والسياسيين والمربين والإعلاميين، في سبيل صيانة الكيان المجتمعي والعمل على إنمائه حضاريا وحمله على التفاعل القاري والعالمي وتكريس توازنه البيئي، فلا يمكن تصور أي تقدم للبلاد في غياب العناية بمواطنيها وتمكينهم من الإدراك الإيجابي لذواتهم ومساعدتهم على صياغة الاتجاهات السليمة نحو قيم المجتمع ونظمه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وخاصة منهم الأطفال والناشئين والشباب. إن هذا الأمر يعتبر ضرورة وطنية مستقبلية، ويتطلب من الجميع الإقدام بجرأة على المصالحة العامة مع الذات كواقع ومجتمع وطموح، مصالحة تمكننا من تحصين البلاد ضد الاضطراب والعبث وضد سلوكيات عصابات الاحتيال التاريخي التي أفرغت كل مقومات الحياة المغربية من محتوياتها الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإدارية والتربوية والإعلامية. إننا في حاجة إلى تجديد سياسي من خلال دستور يؤمن المستحقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمواطن المغربي ويعطي الأطفال والناشئين والشباب المكانة المناسبة لهم والتي تعني أيضا تحصين مستقبل البلاد على المديين المتوسط والبعيد.. دستور تحدَّد بمقتضاه مؤسسة متخصصة في وضع سياسات خاصة بالأطفال والناشئين والشباب يتم الحصول على العضوية داخلها بالانتخاب المباشر وغير المباشر، دستور يحول حماية حقوق الإنسان إلى مؤسسة دستورية قوية بغرض صيانة تلك الحقوق بكل أشكالها، الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإدارية والتربوية والإعلامية والعلمية والتقنية، على قاعدة اللامركزية ووفق نظام انتخابي يمكن كافة الناس من تدبير حقوق الإنسان كشأن عام وطني تجب صيانته واستثماره في تحقيق التنمية البشرية. وإذا كان مثل هذا الدستور هو ما سيساعد المغرب على صيانة البلاد والنهوض بها على قاعدة التوازنات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجغرافية للمغرب، فإن العمل مع فئات الأطفال والناشئين والشباب هي في حاجة إلى تنظيم على المستوى الرسمي والجمعوي وعلى الصعيد المقاولاتي، يستطيع إشباع حاجيات هذه الفئات بقانون يدعم هذه الجهود ويحصنها ويضبط آليات تدخلها على مستوى قطاعات الدولة والجماعات المحلية والحركة الجمعوية والقطاع الخاص. إن خدمات التنشيط السوسيو-ثقافي لفائدة الأطفال والناشئين والشباب خلال العشرية الحالية يجب أن توظف في تحقيق تنمية بشرية متماسكة بقيادة الدولة وبشراكة مع الجماعات المحلية والمجتمع المدني وتدعيم القطاع الخاص، وذلك بالتوسيع النوعي والكمي لهذه الخدمة وإعداد الأطر المتخصصة المحترفة والتطوعية لتدبيرها، وذلك بالتركيز على الحوافز الفردية وتأمين الوقاية والعلاج وتأصيل قاعدة الخدمات إلى جانب استثمار القدرات الشخصية. لذلك فنحن في حاجة إلى خدمة تنشيطية سوسيو-تنموية تستطيع التركيز على الصحة النفسية للأطفال والناشئين والشباب بكل أبعادها الفسيولوجية والنفسية والمعرفية والاجتماعية والروحية والمادية لتأمين النمو المتوازن لشخصية الفرد. وهذا يستدعي إعداد الأطر الكافية، نوعيا وكميا، لتدبير هذا العمل وحتى تستطيع تأمين تكيف الشخص مع ذاته ومع الآخرين ومع خيارات النمو المتعددة والتي تتفق وحاجياته وقدراته. وإذا كانت الحاجة ماسة إلى تنظيم هذه الخدمة العمومية من خلال قوانين، فإن هذه الأخيرة يجب أن تكون أدوات للتنمية والتطوير والتحفيز، سواء تعلق الأمر بدور الدولة أو بعطاء الحركة الجمعوية كقطاع ثالث أو بالمقاولة التنشيطية الخاصة. إن فترة الشباب، كمرحلة للتأهيل والإعداد الاجتماعي والمهني، أصبحت تطول بشكل مصطنع نتيجة تفشي البطالة وصعوبة تكاليف الحياة، مما يعطي بعدا جديدا ومفهوما مختلفا للظاهرة السياسية وما تعانيه من صعوباتٍ تتمثل في تزايد سلوكيات العنف والصراع مع القيم والمعايير الاجتماعية والتحايل على العيش والتزايد الملفت لانخراط النساء في مختلف الممارسات المخالفة للقانون من قبيل السكر العلني وتناول المخدرات والنصب والدعارة، وفي ظل مثل هذه الأحوال يجب الحرص على إنقاذ هذه الثروة النسوية العظيمة من كل ما يهددها؛ وهي أحوال يعيشها الأطفال والناشئون والشباب في القرى والمدن على حد سواء، جراء تقلص الفوارق بين هذين المجالين. إن خطر تهميش الأطفال والناشئين والشباب أو إلهائهم وإبعادهم وتقييد مواهبهم وقتل طموحاتهم وإفراغ ذواتهم من كل وعي إنساني يلقي على الدولة والجماعات المحلية والحركة الجمعوية والقطاع الخاص المواطن مسؤوليات جسيمة لوضع سياسات دقيقة من أجل النهوض بهذه الثروة الوطنية وحمايتها، وهذا يفرض على الباحثين والعلماء والمناضلين السياسيين المخلصين للأحاسيس الإنسانية والوطن، تحديا لكل الصعاب من أجل أطفال وناشئة وشباب هذا الوطن. فلا بد من تثمين الرأسمال البشري الذي يشتغل مع الأطفال والناشئين والشباب، ورد الاعتبار إليه بدءا بصيانة الكرامة والعمل وفق توجهات سياسية، والتركيز على الاستثمار في الإنسان على المديين البعيد والمتوسط وإشاعة فكر التنشيط السوسيو-تنموي بما يعود على البلاد بالتنمية الحقيقية على مستوى التفكير الثقافي والعلمي والتكنولوجي والإبداع والاختراع والرياضة والفن والسياسة. إن الاهتمام بهذه الشريحة يهم تطور المجتمع عامة وعلى كافة مكوناته، إذ إن المغرب في حاجة إلى قدرات فكرية وعلمية ومهنية وجمعوية تستطيع توظيف التنشيط السوسيوثقافي التنموي كآلية للعلوم والمعارف والمجالات والمهارات داخل واقع مغربي يعاني من مجموعة من الإكراهات الذاتية والموضوعية التي تنعدم فيها التوازنات وتتسع فيها الانحرافات ويسودها الاكتئاب والخوف واليأس، وهي مظاهر تطال غالبيتها واقع هذه الفئات في الظروف الراهنة، وتطرح العديد من التساؤلات التي تتغير في أشكالها ومقاومتها داخل المجتمع وتتطلب أجوبة قادرة على التكيف مع هذا التغيير. إلى حين إتاحة الفرص المواتية لخلق هذه التوجهات داخل واقعنا المغربي، يجب التأكيد على أن الأطفال والناشئين والشباب، ذكورا وإناثا، ليسوا بمشكلة بل هم الثروة الأغلى التي يمكن استثمارها لفائدة النهضة الوطنية، الآمنة والمستقرة نفسيا واجتماعيا، والمتطورة معرفيا وعلميا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، لذا لا يمكن هدرها أو ممارسة العنصرية والمحسوبية ضدها واعتبار الفقراء والمعوزين منها مجرد فائض بشري يعيش على الهامش إلى غاية الموت أو الانفجار، بل يجب توفير كل الخدمات السوسيو-تنموية التي يحتاجون إليها وبالمجان صيانة لهم ضد الضياع والإقصاء. عبد الله أبو أياد العلوي *باحث في العلوم الإنسانية