سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عندما يتحول «التفرغ النقابي» في المغرب إلى واجهة للفساد السياسي أصبح وسيلة لنهب المال العام ويتم توزيعه حسب الولاءات الضيقة وتسيطر عليه المحسوبية والزبونية
أعلنت وزارة التربية الوطنية عن قرب الكشف عن لائحة المستفيدين من التفرغ النقابي، في إطار قائمة من اللوائح التي شرعت الحكومة الحالية في الكشف عنها، منذ الإعلان عن لائحة المستفيدين من رخص النقل قبل أشهر، مما يعطي مؤشرا على نية الحكومة في الحد من الفساد ونهب المال العام، على الرغم من الانتقادات الموجهة إلى مثل هذه الإجراءات بسبب محدوديتها أو انتقائيتها أو اكتفائها بمجرد الإعلان عن تلك اللوائح دون المرور إلى إعمال القانون. ومبدأ التفرع النقابي مبدأ معمول به في جميع البلدان، وتنص عليه المواثيق الدولية ذات العلاقة بالشغل والعمل النقابي، في إطار تمكين النقابات العمالية والهيئات المدنية من مزاولة مهامها على أحسن وجه وتأطير المواطنين وتزويد الهيئات النقابية والمدنية بالأطر البشرية اللازمة لتسيير أعمالها، حيث يظل المتفرغ يستفيد من راتبه الذي يتلقاه من الدولة طيلة مدة التفرغ، باقتراح من الهيئة النقابية وفي ضوء احتياجاتها، على أن يتم ذلك خلال سنوات معدودة يعود المتفرغ بعدها إلى مهنته الأولى. غير أن مبدأ التفرغ النقابي شابته العديد من الاختلالات والتلاعبات، التي جعلته مجرد واجهة لتغطية الريع الذي استشرى داخل العديد من الهيئات النقابية وغير النقابية، إذ لم يعد مرتبطا بجودة أداء المتفرغين أو الملحقين ومردودياتهم، ولم يعد يراعي حاجيات الهيئة النقابية، بل أصبح جزءا من البيروقراطية النقابية يتم توزيعه حسب الولاءات والحسابات الضيقة داخل الهيئات النقابية، وسيطرت عليه الزبونية والمحسوبية. لذلك تحول التفرغ في العديد من الحالات إلى وسيلة لنهب المال العام وقناع يحجب تفرغ المتفرغين لقضاء مصالحهم الشخصية ومتابعة مشاريعهم بالنسبة لمن كانت له مشاريع. والمفارقة المثيرة هي أن مبدأ التفرغ النقابي بقي يتم التعامل معه من لدن التنظيمات النقابية بنفس المنطق الذي كان يتم التعامل معه خلال سنوات النضال النقابي الحقيقي، عندما كانت النقابة واجهة للكفاح من أجل حقوق الطبقة العاملة. وفي الوقت الذي انهار العمل النقابي وتعرض للانقسام بسبب الحسابات السياسية أو الشخصية وتراجع أداء النقابات نلاحظ أن مسألة التفرغ لا زال يتم التعامل معها بنفس المنطق القديم، بعدما أصبحت النقابات نفسها موضع تساؤلات وليس التفرغ فقط، فإذا كان العمل النقابي في المغرب قد ضعف بشكل كبير، فإن التفرغ سيصبح في هذه الحالة يمثل نوعا من العبء على ميزانية الدولة، رغم الخطابات المتكررة حول الترشيد والحكامة التي ترفعها النقابات نفسها. وقد تحول التفرغ النقابي إلى أداة لشراء ذمم القيادات النقابية ووسيلة من طرف الإدارة لرشوة النقابات. كما أصبح التفرغ النقابي أيضا أداة في يد القيادات النقابية لرشوة بعض أعضاء النقابات وكسبهم، مما أفقد العمل النقابي جوهره الحقيقي المتمثل في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ومحاربة الاستغلال والريع والزبونية، خاصة أن منح التفرغ لم يعد يرتكز على مبدأ الشفافية والوضوح والديمقراطية الداخلية. وهكذا تحول مبدأ التفرغ من وسيلة للرفع من أداء النقابات إلى وسيلة لإضعافها وضرب مصداقيتها. ومع ذلك كله لم يخضع التفرغ النقابي لإعادة النظر من لدن النقابات العمالية، رغم الانزلاقات الكثيرة التي تحيط به، ورغم الحديث عن بؤس العمل النقابي في المغرب، وظلت الانتقادات توجه إلى الدولة باعتبارها المسؤول عن تردي العمل النقابي دون التساؤل عن مسؤولية النقابات في هذا التردي. وعلى سبيل المثال كان ينتظر أن توضع قضية التفرغ النقابي على بساط النقاش منذ أن أثير موضوع القانون الجديد للنقابات، الذي لا يزال نقطة خلاف بين المركزيات النقابية والحكومة إلى جانب القانون المتعلق بالإضراب. والمؤكد أن كشف اللائحة الكاملة للمتفرغين النقابيين في سلك التعليم، الذي أعلنت الوزارة قرب الإعلان عنها، سيعري الاختلالات التي شابت العمل النقابي وسيكشف كيف أن النقابات كانت الأكثر دعما للريع. كما أنه من شأن تلك المبادرة أن تكشف جانبا من فساد الحياة السياسية والنقابية بالمغرب، على اعتبار الارتباط الوثيق بين الأحزاب السياسية والهيئات النقابية.