بلا شك سيكون نشر وزير التربية الوطنية السيد محمد الوفا للوائح المستفيدين من التفرغ النقابي والموضوعين رهن الإشارة خطوة جد مهمة، لأن التعرف على خارطة المتفرغين سيكشف العديد من نقاط الاختلال التي يلزم أن تصحح. صحيح أن القانون واضح في هذا المجال، إذ يكفل الظهير الشريف (24 فبراير 1958 كما حصل تغييره وتتميمه) للموظف الاستفادة من التفرغ النقابي مع المحافظة على إطاره بإدارته الأصلية ومنصبه المالي بها إذا كان يزاول مهامه بإحدى النقابات الأكثر تمثيلا. لكن، الفارق بين ما ينص عليه القانون، وما آل إليه الوضع بسبب التدبير السيئ لهذا الملف، فتح المجال لفوضى عارمة صار فيه التفرغ من غير ضابط ولا اعتبار، بل تعدى الأمر التفرغ النقابي فصار هذا البند القانوني جزءا من ثمن التفاوض بين الإدارة والنقابات، بل صار العديد من المتفرغين «النقابيين» يشكلون جزءا من الريع «التعليمي» الذي لا هو ينفع العمل النقابي، ولا هو يستفاد من موقعه كموظف يؤدي مهامه في إدارته الأصلية لاسيما في حالة الخصاص الشديد الذي يعاني منه قطاع التربية والتعليم. هي خطوة مهمة، لكن شرط جدواها أن تحول إلى تفكير عميق في هذا الملف، والبحث عن أفضل الطرق لتدبيره باحترام تام للقانون وبمراعاة للتطورات والتحولات التي عرفها المغرب، والحاجة إلى أن يصير التفرغ أداة لخدمة المجتمع، لا وسيلة للريع والكسب غير المشروع من غير أي مردودية تذكر لا على الإدارة ولا العمل النقابي ولا أي عمل يمكن أن يفيد المجتمع. طبعا ليس القصد إعادة التفكير في الإطار القانوني والاتجاه نحو إلغاء هذا الحق الذي تم النضال لتحقيقه سنوات طويلة، فهذا بدون شك سيكون أو على الأقل سيقرأ على أساس أنه استهداف مباشر للحرية النقابية، ومحاولة لإضعاف الأداء النقابي. إنما القصد أن يتجه التفكير في إعداد دفاتر تحملات دقيقة تحدد معايير الاستفادة من التفرغ سواء كان نقابيا أو جمعويا أو سياسيا، على أساس أن تنتهي فكرة خلود التفرغ، وأن يتم تقييد استمراره بالمردودية وحجم الأداء، وأن يتم ضبط العدد مركزيا ومجاليا، وفق معايير موضوعية صارمة تراعي مصلحة انتظام السير الإداري مع مصلحة الإطارات الراغبة في الاستفادة من التفرغ، وأن يتم إقرارا مبدأ إنهاء التفرغ كلما تأكد للإدارة أن هذا الموظف المستفيد من التفرغ لا يشتغل في المهمة التي لأجلها استفاد من التفرغ، وأن تتحمل الإطارات التي يستفيد منخرطوها من هذا الحق القانوني بمسؤوليتها في هذا الشأن وأن تكون مساعدا للإدارة في ترشيد التفرغ. طبعا، هذه المهمة ليست سهلة، لأنها تضمن مبدأين متقابلين: الأول يتجه نحو توسيع مفهوم التفرغ ليشمل غير النقابيين بحكم أن حاجة النقابات إلى هذا الحق القانوني لا يفترق في شيء عن حاجة بقية الإطارات الجمعوية النشيطة، وأما المبدأ الثاني، فهو ترشيد الاستفادة من هذا الحق القانوني ووضع حد للريع في استعماله، وهي المهمة التي تشترط فتح حوار عميق ومسؤول مع النقابات المعنية لتقييم تجربة التفرغ في المرحلة السابقة، وهل كانت عائداتها تصب كلها في مصلحة العمل النقابي أم أن جزءا كبيرا منها كان ريعا استفاد منه أشخاص لم تعد لهم اي علاقة بالعمل النقابي أو غيره من الأعمال التي لأجلها نال التفرغ. بكلمة، إن فتح هذا الموضوع الذي ظل لسنوات طويلة مسكوتا عنه، سيضيف إلى قرارات الحكومية الجريئة، قرارا نوعيا، يسهم في إعادة تشكيل الثقافة السياسية من جديد، ويجعل العلاقة بين الإدارة والنقابات وغيرها من الإطارات الأخرى في موضوع التفرغ مبنية على التعاقد القائم على شروط واضحة متضمنة في دفتر تحملات متوافق عليه.