شكلت اليابان منذ زمن جغرافية مقصودة ومثار اهتمام ليس فقط من قبل العرب، بل من طرف الغرب أيضا. وهذا الاهتمام ازداد اليوم بفعل ما حققته «المعجزة اليابانية» من نجاحات باهرة في كل ميادين الحياة. في هذا الإطار كانت الرحلة التي قام بها المصريان: علي أحمد الجرجاوي في 1906 والناقد المعروف صبري حافظ سنة 2012، إحدى الأمثلة عن مدى انشغال العربي بهذا الشعب، الذي كان يعيش معه في نفس الوضع وأرسل بعثاته العلمية في نفس الوقت إلى أوروبا للغرف من علومها. لكن التجربة اليابانية نجحت في وقت تعطل قطار العرب وبقي يدور في حلقة مفرغة لا يعرف بدايتها من نهايتها. إن كانت أسباب الرحلتين تختلف كما يقول صبري حافظ في تقديمه لكتاب «رحلتان مصريتان» هدية مجلة «الدوحة»، حيث الأولى تحركت في إطار ديني، إذ سعى صاحبها إلى نشر الإسلام هناك، فإن دوافع الثانية كانت ثقافية. لكن بالرغم من اختلاف المنطلقات فإن الجامع بينهما كما يسطر صبري حافظ نفسه هو أن الرحلتين تمتا بمبادرة فردية خالصة : «وما يجمع بين الرحلتين أيضا، رغم الفاصل الزمني بين 1906و2012، هو أنهما نمتا بمبادرة خالصة، هي مبادرة المثقف المستقل الشغوف بالمعرفة». ويوضح ذلك بالقول : «فقد ذهب الجرجاوي إلى اليابان مدفوعا بوعيه كمثقف يرعى رؤاه الخاصة بدوره.» وبالرغم من الدافع الديني الذي حرك الجرجاوي ففضول الاطلاع على ما وصلت إليه اليابان من تقدم كان حاضرا في برنامج الرحلة، يقول هذا الأخير: «وإني لم أقصد برحلتي هذه في الحقيقة مجرد الاشتراك مع الذين ذهبوا إلى اليابان في نشر تعاليم الدين الإسلامي، بل كانت رغبتي متوجهة أيضا إلى استطلاع أحوال هذه الأصقاع ، ومقدار ما وصلت إليه من المدنية وتقدمها في العلوم شأن من سبقني من السائحين». وبالرغم أيضا من الفاصل الزمني بين الرحلتين، الذي يصل إلى مائة وستة أعوام، فإن الرغبة في المعرفة وفي نقلها إلى القارئ العربي كي يتأملها ويستقي منها الدروس، هو ما يجمع هاتين الرحلتين. فالدروس اليابانية بالنسبة للعرب ملهمة بوصفها تجربة أخرى مغايرة تأتي من الشرق الذي لا يربطها به ماض استعماري أو تطلعات إلى فرض النموذج. فقد ذهب الأزهري علي أحمد الجرجاوي، صاحب جريدة «الإرشاد» إلى اليابان عام 1906، وكان في طموحه تقديم صورة ملائمة للمسلم تعريفا وتبشيرا بالدين الإسلامي بين أبناء الشعب الياباني عقب مؤتمر ديني بأمر الميكادو الحاكم على تلك البلاد وقتئذ ولمعرفة ما وصلت إليه تلك البلاد من تقدم بشغف معرفي، وهو نفس السبب الذي ذهب إليه الناقد صبري حافظ، غير أن حافظ طار في ظرف وصلت فيه صورة المسلم إلى درجة أسوأ تضع العربي المسلم في موضع الدفاع لا أكثر. الرحلة لليابان ليست مجرد جولة سياحية عند «الرحالتين»، ولكنها تدخل ضمن هدف نبيل هو نقل تجربة مثيرة لشعب مثير استطاع في وقت قياسي أن يصبح في المقدمة باعتماده على خصوصياته وإمكاناته الذاتية. فهاتان الرحلتان مكتوبتان من أجل أن يقرأهما قارئ عربي، يحلم ويتوق إلى أن يرى التقدم يعم بلاده، واستلهام النماذج التي طورت نفسها، وحظيت بمكانة مرموقة بين الأمم.ويضيف صبري حافظ «نماذج مغايرة للنموذج الغربي الذي ران على عقولنا لزمن غير قصير، نضعها أمامهم العقل العربي كي يتأملها ويستقي الدروس». وإن كانت المقارنة بين الرحلتين تساهم في تتبع السبل التي اختارتها اليابان لشق طريقها بين الأمم المتقدمة ، فإنها أيضا تقدم صورة ليابان الأمس واليوم وتسمح لمن يقرأ «الكتاب» بأن يعرف أن «لا شيء مستحيل» إن حضرت الإرادة القوية في تجاوز الذات. فاليابان مثار إعجاب ليس فقط للعرب بل للغرب أيضا، يقول حافظ: «سوف تظل اليابان جديرة باهتمام المصريين والعرب لزمن طويل قادم، وخاصة إذا ما صدقت نبوءة المحلل البريطاني مارتن جاك التي يعبر عنها في كتابه المثير، والذي يشغل العالم الغربي الآن، «حينما تحكم الصين العالم: نهاية العالم الغربي، وميلاد نظام عولمي جديد» وانتقل مركز إدارة النظام العالمي الجديد إلى الشرق». إن الكتاب يقدم صورة من طرف مصريين /عربيين، الأول عاش منذ مائة وستة أعوام والثاني لا يزال يعيش بين ظهرانينا، لكن قراءته توضح الى أي مدى تظل هذه الأسئلة الحارقة تؤرق العربي، ومنها: «كيف تقدم هؤلاء، وتأخرنا نحن؟ وكيف السبيل للخروج من هذا التخلف الذي طال؟، قد تكون قراءة الكتاب في زمن «الثورات العربية» مفيدة لعلاج الداء.