عندما عين الملك محمد السادس يوم 4 يناير 2010 إدريس لشكر وزيرا للعلاقات مع البرلمان، أياما بعد أن كان يطالب بخروج الاتحاد الاشتراكي من الحكومة والتحالف مع العدالة والتنمية، كتب بعض المحللين واصفين اللحظة السياسية، التي كان يعيشها المغرب بالدرجة الصفر في السياسة. اليوم بعد انتخاب لشكر كاتبا أول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هل يمكن الحديث عن موت السياسة وبزوغ نوع من الزعماء لا يهمهم من السياسة إلا أن يكونوا في مركز القرار؟ مؤخرا أصبح الحديث عن انتصار نموذج الزعيم الشعبوي، أو زعيم القرب الذي تكرر مع عبد الإله بنكيران، حميد شباط، إلياس العمري، الشيخ الفيزازي، ثم إدريس لشكر... مقابل انهزام نموذج القائد الحزبي الكاريزمي التاريخي المثقف، هو حديث المحللين السياسيين. فمن يكون آخر زعماء القرب «الشعبويين» إدريس لشكر؟ في الموسم الدراسي 1972 سيلتحق إدريس لشكر بكلية الحقوق بالرباط وسط هيمنة لطلبة «منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينية»، حيث سيبدأ نضاله من أجل انتزاع المنظمة الطلابية «الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» من قبضة «الطلبة الماركسيين»، مستعملا الحوار حينا والعنف أحيانا. عن هذه المرحلة يحكي ل «المساء «أحد رفاق إدريس لشكر قائلا: «إدريس كان همجيا، وكان كيهز معاه سلسلة ديال البيسكليط فالكارطابل، بها كيسلخ الطلبة الماركسيين». بداية من سنة 1975 سوف يفتح إدريس لشكَر، هو وعبد الهادي خيرات، جبهة ثانية ضد تيار شبيبي سيظهر داخل «الاتحاد الاشتراكي» أطلق على نفسه اسم «الاختيار الثوري»، حيث سيُصفي لشكَر هذا التيار بالطرد وبالعنف. في 1976 سينهي لشكَر دراسته وعلاقته بالجامعة، وسيتزوج من رفيقته فريدة شهبون، ويلتحق بالمكتب الوطني ل«الشبيبة الاتحادية». في هذه السنة أيضا سينظم المغرب الانتخابات الجماعية. بعض شباب «الاتحاد الاشتراكي» سيوزعون منشورا «يفضح زيف هذه الانتخابات»، وكرد فعل سينظم البوليس حملة اعتقال وسط «الشبيبة الاتحادية». إدريس لشكر سيكون واحدا ممن شملهم الاعتقال، لكنه سيعرف كيف يخرج نفسه من هذه الورطة. عن هذه القضية يحكي ل «المساء» أحد قدماء «الشبيبة الاتحادية» بالدار البيضاء، قائلا: «لشكَر جابوه باقي بالحنّة ديال العرس فيديه، منين دخل للكوميسارية، قال للبوليس هادو راهم ماركسيين، ماشي اتحاديين»! بعد ذلك سيدخل إلى «الخدمة المدنية» في وزارة الداخلية، حيث سيتهمه الاتحاديون بالعمالة للمخابرات، وسيصبح شخصا منبوذا. «هذا يلمّح إليه أحمد البخاري، عميل الكاب 1 في مذكراته»، يؤكد الصحافي عبد الكريم الأمراني، ثم يضيف «عندما أنهى لشكر الخدمة المدنية في الداخلية، اعتكف 6 شهور في بيته إلى أن استقدمه عبد الرحيم بوعبيد». عودة المحارب إدريس لشكر إلى شبيبة الحزب ستكون قوية، سواء ضد الإخوة الأعداء في تيار «الاختيار الثوري»، الذي أسسه لفقيه البصري على يسار الاتحاد الاشتراكي، أو ضد «الطلبة الماركسيين». فخلال المؤتمر 16 ل«الاتحاد الوطني لطلبة المغرب»، الذي نُظم سنة 1979، سينزل لشكَر بقوة لانتزاع المنظمة الطلابية من»الطلبة الماركسيين»، مستعملا المُباح والمحظور من الأسلحة لذلك. في هذا المؤتمر رفع لشكر شعار «حرب تحرير الجماهير من عُملاء الجزائر»، وكان يقصد الطلبة الماركسيين الذين كانوا ينادون بتقرير المصير في الصحراء. عن ذلك يتذكر أحد المؤتمرين من «الطلبة الماركسيين» قائلا ل«المساء»: «خلال المؤتمر 16 كان لشكَر يمارس الإرهاب علينا، فقبل أن يأخذ أحد المداخلة، يقول له لشكر: عطينا موقفك من الصحرا». التدخلات العنيفة لإدريس لشكر ما تزال تطبع عددا من ردود فعله إلى الآن؛ مثلما حصل في أكتوبر 2007 عندما سكب كأس ماء على القيادية الاتحادية لطيفة جبابدي واتهمها بالخيانة، لأنها صوتت لصالح فؤاد عالي الهمة في «لجنة الخارجية» بالبرلمان. خلال إعلان نتائج المؤتمر الثامن للاتحاد الاشتراكي راج أنه بعد ظهور فوز عبد الواحد الراضي بالكتابة الأولى للحزب قال لشكر لمناصريه: «حيحو يا اولاد ل...».لكنه نفى ما قاله صبيحة اليوم الموالي لإعلان النتائج عندما سألته الصحافة إن كان بالفعل صدر عنه مثل هذا الكلام، إذ قال: «هذه إشاعات الغرض منها هو التشويش على الحزب». طريقة اشتغال إدريس لشكر هذه ستؤلب عليه عددا من رفاق الأمس، كما ستخلق له عداوات كثيرة، فالصحافي الاتحادي عبد الكريم الأمراني قال عنه: «عندما يظهر لشكر في التلفزيون يخرج 100 عضو من الاتحاد الاشتراكي». عبد الكريم الأمراني يصر على أن لشكر صعد إلى أجهزة الحزب خلال المؤتمر السابع لسنة 2005 بالتزوير. «هذه مؤكدة، فقد كانت هناك خمس لجان، جمعوا المحاضر، وبينت النتائج أن لشكَر وفتح الله ولعلو وعليوة ساقطون، لكن الراضي أمسك اللوائح وأعلن أنهم ناجحون»، يضيف الأمراني. أما القيادي الاتحادي السابق محمد الحبابي فقد وصف لشكر، في الحوار الذي تجريه معه «المساء» في ركن «كرسي الاعتراف»، ب«الخوّاض»، قائلا: «لشكر «خوَّاض»، وكان يريد تمريغ صورتي أمام المناضلين. ولن أنسى كيف تحايل لشكر، بدعم من محمد اليازغي وعبد الهادي خيرات ومحمد بوبكري، على المناضل الطيب عبد القادر باينة لإبعاده عن رئاسة الفريق البرلماني للاتحاد الاشتراكي في 1999؛ فقد صادف أن حضرت لقاء في منزل اليازغي، وكان هذا اللقاء مبرمجا لإقصاء باينة من رئاسة الفريق البرلماني وتغييره بإدريس لشكر، وتم بالفعل التخطيط لذلك». ولم يقف الحبابي في نقده اللاذع للكاتب الأول الجديد للاتحاد عند هذا الحد، بل وصفه بأنه «شعبوي كبير، شبيه بحميد شباط، بل يزيد عليه بكونه شعبويا ووصوليا لا يهمه إلا أن يصبح وزيرا». ويضيف الحبابي أن لشكر «استعمل» قضية عليوة مطية للوصول إلى قيادة الاتحاد قائلا: «هناك العديد من قياديي الاتحاد الاشتراكي انساقوا وراء الدفاع عن عليوة بعد أن أحرجهم إدريس لشكر الذي جعل من قضية عليوة مبادرة تميزه عن باقي المرشحين للكتابة الأولى للحزب في المؤتمر التاسع». في سنة 1954، ازداد إدريس لشكر بالرباط. هذا ما يصرح به هو. إلا أن أحد رفاقه من أيام الجامعة أكد أن مسقط رأسه هو قرية «تفجيجت» بالجنوب! «غير بحال ماراضيش يقولها»، يضيف «رفيق» لشكر. في «دوار الدوم»، الذي كان يعرف بQدوار كريسطال» بضواحي الرباط، سينشأ إدريس لشكَر وسط أسرة متوسطة الحال والعدد. كان والده صاحب مقاولة صغيرة للصباغة. في سنة 1970 سينتبه أستاذ اللغة العربية بثانوية «للا عائشة»، الاتحادي حميد السويدي، إلى نشاط وحركية تلميذه إدريس، حيث سيستقطبه لإحدى الخلايا التلاميذية التابعة ل«الاتحاد الوطني للقوات الشعبية». لاحقا ستنتقل عائلة لشكَر للسكن بدوار الحاجة ثم بحي التقدم، هناك سينتمي المحامي الشاب إلى جمعية «أعِنْ أخاكَ»، التي كان من جملة أعضائها لطيفة الجبابدي وعبد الكريم بنعتيق والشاعر أحمد لمسيّح، وهي الجمعية التي ستوطد علاقته بالناس. «أصبح إدريس ينصب نفسه في قضايا الساكنة بدون مقابل»، يؤكد سعيد العزوزي؛ صديقه في الحي، ثم يستطرد «في سنة 1997 وقع خلاف بين شقيقين من الحي، انتهى بمقتل أحدهما، وكان القاتل هو من يعين والدته، فطلب الأستاذ إدريس من الناس تقديم شهادة بذلك في المحكمة، و بعد شهر أطلق سراح الأخ القاتل».