يرى محمد ضريف، الباحث في الجماعات الإسلامية، أن من الخطأ ربط مستقبل العدل والإحسان بمؤسسها الشيخ ياسين، لأن قوة الجماعة مرتبطة بقوة بنياتها التنظيمية، بالإضافة إلى المشروع الذي وضع معالمه الشيخ ياسين والذي سيلتف حوله المنتسبون إليها ما سيعطيه زخما جديدا. ضريف، الذي توقع أن يتم اختيار محمد العبادي خليفة لياسين، قال أيضا إن بعض صانعي القرار في المملكة كانوا يعتقدون أن عبد السلام ياسين يشكل عقبة في اتجاه أي توافق مع النظام، مضيفا أن الجماعة كانت تعمل بشكل من الأشكال من داخل النظام ولها نصيب وافر في الحفاظ على الاستقرار داخل المملكة، وللأسف كانت القراءات الأمنية هي المهيمنة وغيبت أي تعامل سياسي موضوعي مع الجماعة. ما هي قراءتك لمستقبل جماعة العدل والإحسان بعد وفاة مؤسسها وزعيمها الشيخ عبد السلام ياسين؟ - جماعة العدل والإحسان ستكون أول جماعة تحدث الكثير عن مستقبلها في حياة مؤسسها، إذ منذ أزيد من عشر سنوات والكثيرون يتحدثون عن السيناريوهات الممكنة أو مآلات الجماعة بعد الشيخ، في ظل تقدم الشيخ في السن ووضعه الصحي، ومن ثمّ فالكثير مما سيقال اليوم سيستحضر ما قيل وكتب خلال السنوات العشر الأخيرة على اعتبار أن المتتبعين والسياسيين والأمنيين كانوا يتحدثون عن هذا الموضوع. واليوم نحن أمام واقع وفاة الشيخ وهناك من حاول الربط بين جماعة العدل والإحسان وشخص ياسين، ومثل هذا الربط يحيل منطقيا على أن مصير الجماعة مرتبط بمصيره، وبذلك فعند وفاته ستضعف الجماعة وتضمحل، ومن يؤمنون بهذه الفكرة يستقونها من قياس خاطئ يقارن بين الجماعة وبين بعض الأحزاب التي ارتبطت بأشخاص. في حين أن هناك تصورا آخر يربط تطور الجماعة بفكرة خاضعة لتطورها وتكيفها مع المستجدات كما أن تطور الجماعة خاضع للبنيات التنظيمية، أي أن دور الزعيم المؤسس هو دور أساسي ولكنه ليس من يتحكم في مآل الجماعة بعد وفاته، وهنا ينبغي أن نستحضر تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي أسست سنة 1928، من طرف حسن البنا، إذ كان هناك من يراهن على أن الجماعة ستنتهي بوفاته، ولهذا حينما أصبح للجماعة حضور قوي كان التفكير في اغتيال حسن البنا، وبعد اغتيال المؤسس نجد اليوم أن جماعة الإخوان المسلمين وصلت إلى رئاسة الجمهورية في مصر وهي التي تحظى بشعبية كبيرة. ولهذا أقول إن من الخطأ أن نربط مستقبل العدل والإحسان بمؤسسها الشيخ ياسين، والأكيد أنه رجل يتمتع بتاريخ قوي وفي لحظات أساسية اتخذ قرارات مهمة أدت إلى تشكيل هذه الجماعة، وأكيد أن أفكاره وكل ما كتبه هو الذي كان موجها للجماعة، ولكن بالمقابل، فقوة الجماعة مرتبطة ببنياتها التنظيمية ومرتبطة بالمشروع الذي وضع معالمه الأستاذ ياسين، لذلك أعتقد أن من الخطأ المراهنة على ضعف الجماعة أو تدهورها بعد وفاته، بل على العكس سيتم احتضان أدبيات ومشروع الشيخ ياسين بقوة من قبل أنصاره ومريديه. طبعا، قد تكون هناك اجتهادات في قراءة ما تركه الشيخ، والتي قد تشكل استثناء على مستوى القراءة العامة المتبناة من طرف باقي الأعضاء، ولكن هذا لن يؤثر في مسار الجماعة لأن الكل يعلم أن قوتها مستمدة مما تتوفر عليه من أطر اكتسبت تجربة في التنظيم والتعبئة والانضباط. في جميع الأحوال، وعلى المدى القريب، ستلتف الجماعة حول مشروع ياسين لتعطيه زخما جديدا، لأن الجماعة، كما قلت، لو كانت مرتبطة بالشخص فقط ربما عرفت نوعا من الخفوت منذ أكثر من عقد من الزمن، لأن ظروف الشيخ الصحية وكذلك الوضع الذي مر به في السابق عندما كان قيد الإقامة الجبرية، كانت عوامل من شأنها إضعاف الجماعة لكن العكس هو الذي حصل، إذ تقوت الجماعة بفضل أفكار مؤسسها وقوتها التنظيمية. موضوع من يخلف الشيخ سيعود بقوة الآن، في نظرك ما هي السيناريوهات المحتملة للشخصية التي ستقود الجماعة في هذه المرحلة؟ - هذا الموضوع قيل فيه أيضا الكثير، وكان هناك من تحدث عن أن الشيخ ترك وصية يعين فيها من سيخلفه، وهناك من كان يتحدث عن أسماء بعينها مثل محمد العبادي، وكان هناك أيضا من أراد أن يسيء إلى الجماعة بالتركيز على أن الخليفة سيكون من بين أصهار الشيخ، وعندما نرجع إلى كتاب «المنهاج النبوي» فقد حدد مسطرة اختيار المرشد العام للجماعة، لأن هناك مجلسا للشورى ينعقد عمليا وهو من يختار شخصا تتوفر فيه كل المقومات ليكون مرشدا عاما، فأكيد أنه لن تفتح لائحة ترشيحات لأن المرشد العام المقبل لن يتقدم بترشيح ليتم التصويت عليه، وأعتقد أن هناك توافقا ونوعا من التقاليد تكرّست داخل الجماعة، ويمكن أن نقول إنه أصبح محسوما أن خليفة ياسين سيكون من بين أعضاء مجلس الإرشاد الحاليين. من في نظرك الاسم الأقرب إلى هذا المنصب؟ - هناك اسم هو الأكثر قبولا من طرف كل قيادات الجماعة ويتعلق الأمر بالأستاذ محمد العبادي، وهذا لا يتنافى كما قلت مع تقاليد الشورى داخل الجماعة لأن هناك أشخاصا مارسوا عمليا مهام نائب المرشد العام خلال حياة عبد السلام ياسين. كيف تتوقعون أن تكون علاقة الجماعة بالنظام بعد وفاة مؤسسها، وهل يمكن أن نتحدث عن إمكانية حدوث نوع من التغيير في أسلوب التعاطي مع الجماعة أم سيستمر الوضع كما كان عليه؟ - لا يمكن أن ننكر أن بعض صانعي القرار في المملكة من كان يعتقد أن عبد السلام ياسين يشكل عقبة في اتجاه أي توافق مع النظام، على اعتبار أن الشيخ كانت له خياراته الواضحة وكان يعتبر أن السياسة مسألة بسيطة في مشروعه ولا تشكل إلا جزءا بسيطا في بنيته. وأنا أعتقد أن ياسين غادر هذه الدنيا وقد ترك جماعة صارت تشتغل عبر جناحين يتفاعلان وليس بينهما قطيعة، فهناك الجناح السياسي الذي يستغل عبر الدائرة السياسية، وهناك الجناح الدعوي الذي يستغل عبر مجالس النصيحة. فإذا كنا نتحدث عن علاقة مستقبلية مع النظام، أعتقد أن الجماعة، خاصة عبر جناحها السياسي، وجهت العديد من الرسائل التي لم تلتقطها السلطات المغربية مع الأسف، وهي رسائل كانت تفيد بأنها تشتغل وفق الضوابط وأنها ترغب في تشكيل حزب سياسي، ولكن السلطات هي التي كانت تغلب القراءة الأمنية أحيانا على القراءة السياسية وتمتنع عن الترخيص للجماعة. وهناك إشارات كثيرة تفيد بأن الجماعة تشتغل من داخل النظام وفق رؤيتها، بمعنى أنها تشتغل من داخله وليس من خارجه، كما يقول البعض، لأن هذا يعني أنها تريد قلب النظام وترفضه بشكل قاطع، في حين أنها تشتغل من داخله وهي تشكل ما أسميه «الإسلام السياسي الاحتجاجي»، وهو الإسلام الذي يعترف بالكثير من الثوابت، والجماعة تعترف بالنظام القانوني المعمول به وتطالب بحقها في تأسيس حزب سياسي وفق القانون، وقياداتها معروفة وأنشطتها هي في الغالب الأعم أنشطة معلن عنها وتتبعها السلطات، بمعنى أننا لسنا أمام جماعة تختفي تحت الأرض وتعمل على تدمير هذا النظام، ومستقبلا ستظهر الكثير من الحقائق التي تبرز الدور الإيجابي الذي لعبته جماعة العدل والإحسان في الحفاظ على الاستقرار في المغرب، وكيف أنها ساهمت في تأخير ظهور العنف، وعلينا ألا ننسى أن الجماعة واجهت التيار السلفي الذي تتهمه السلطات بالعنف، وهي التي استقطبت الآلاف من الشباب المغاربة الذي انتموا إليها وابتعدوا عن العنف بسببها، ولهذا أقول إن الجماعة كانت تعمل بشكل من الأشكال من داخل النظام ولها نصيب وافر في الحفاظ على الاستقرار داخل المملكة. ومع الأسف في لحظة من اللحظات كانت القراءات الأمنية هي المهيمنة وغيبت أي تعامل سياسي موضوعي مع الجماعة، وأكيد أن هذه العلاقة لا تحكمها فقط رغبة الجماعة بل هي محكومة بثلاثة عوامل أساسية، أولها مرتبط بسلوك وتوجهات السلطات الحاكمة في المغرب هل هي بالفعل تريد أن تنفتح وتسمح لأكبر تنظيم سياسي وديني في المغرب بالعمل بشكل قانوني، والعامل الثاني مرتبط بسلوك النخبة التي تعتبر نفسها حداثية وعقلانية لتكرس ثقافة الاختلاف وتعترف بحق الجماعة في العمل باعتبارها تنظيما يمثل عددا كبيرا من المغاربة، ولو أننا نلاحظ بشكل عام أن مواقف هذه النخبة تطورت بشكل إيجابي تجاه الجماعة. ثم هناك ثالثا ما يتعلق بالجماعة نفسها، وأعتقد أنها طيلة السنوات العشر الأخيرة وجهت الكثير من الرسائل التي تفيد بأنها جماعة لديها الرغبة في الحفاظ على استقرار المغرب ودعم مؤسساته، وعلينا أن نستحضر هنا ما تضمنته وثائق «ويكيليكس» حينما قال أحد الديبلوماسين الأمريكيين متحدثا عن الجماعة بأنها «يمكن أن تلعب دورا كبيرا في استقرار المؤسسة الملكية».