حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - أثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع للاتحاد الاشتراكي، المنعقد في يونيو 2005، انفجرتَ في وجه محمد اليازغي، عندما أخذ الكلمة، الشيء الذي اضطر معه المنظمون إلى إبعادك خارج القاعة؛ ما الذي حدث؟ لست وحدي مَن أعلنَ غضبَه عندما أخذ اليازغي الكلمة، بل إن عددا من المناضلين رفعوا شعار: «اليوسفي يا رفيق.. لازلنا على الطريق». أما أنا فقد رفعت عقيرتي بالاحتجاج ضدا على الصفقة التي عقدها محمد اليازغي مع عبد الواحد الراضي، والتي اتفقا فيها على أن يساند الراضي اليازغي للوصول إلى منصب الكاتب الأول للحزب، على أساس أن يقود الأخير حملة وسط الأحزاب للإبقاء على الراضي رئيسا لمجلس النواب. - من حكى لك هذا؟ أكد لي هذا لاحقا عبد الواحد الراضي، لكني كنت واعيا بهذه الصفقة بين الراضي واليازغي قبل انعقاد المؤتمر. وبالمناسبة، أتمنى أن يكتب الراضي مذكراته، ويتحدث عن هذه الأمور. - وما الذي فعلته تحديدا؟ أعددت ملفا كاملا لفضح الصفقة أثناء المؤتمر، وعندما وصل الخبر إلى اليازغي بعث إلي بعبد الواحد الراضي يطلب مني أن ألتزم الصمت، لكن بما أن الراضي يعرفني جيدا فقد زارني دون أن يقوى على مفاتحتي في رغبة اليازغي. - كيف؟ زارني الراضي ليلة المؤتمر في البيت وجالسني مدةً تحدثنا خلالها حول عدة مواضيع دون أن يقوى على أن يطلب مني التراجع عن إبداء موقفي خلال المؤتمر. - من أخبرك، إذن، بأن اليازغي بعث إليك بالراضي خصيصا لكي يطلب منك عدم الحديث عن «الصفقة»؟ الراضي نفسه، كما أنه في صباح اليوم الموالي، وكان هو أول أيام المؤتمر، طرق بابي، حوالي الساعة الثامنة صباحا، كل من ادريس لشكر وخالد عليوة. وأذكر أنني أجلستهما في الحديقة الخلفية لبيتي، فأكدا لي أنهما مبعوثان من طرف اليازغي، ثم بدءا يحاولان إقناعي بألا أوزع أية وثيقة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر وألا آخذ الكلمة، على أن يكون لي ما شئت.. لقد كان يريد شراء صمتي. - مثل ماذا؟ أنا لم أدخل معهما في التفاصيل، المهم أنهما كان يرددان بين الفينة والأخرى: «اليازغي كيقول لك طلب اللي بغيتي». وعندما أصررت على أن أتناول الكلمة لتوضيح موقفي بشكل حضاري أو أوزع ورقة أوضح فيها رأيي، اقترح علي ادريس لشكر وخالد عليوة أن أقوم بذلك في إحدى اللجان، وليس خلال الجلسة العامة أو حتى على هامشها. - ماذا حدث بعد ذلك؟ بقي عليوة ولشكر معي إلى حدود الساعة العاشرة صباحا، بعدها ركبت رفقة لشكر على متن سيارته وذهبنا إلى المؤتمر. - بعدما أقنعاك بمقترحهما وأخذا منك وعدا بالتزام الصمت..؟ لا لم يقنعاني، ولم أتفق معهما إلا على ما كنت مقتنعا به، وهو توضيح موقفي، وبالطريقة الحضارية الديمقراطية التي أراها مناسبة لذلك. - توضح موقفك مماذا؟ من كون اليازغي لا يهمه إلا أن يصبح كاتبا أول للحزب، وكونه يستبيح كل ممنوع ومحرم، بما في ذلك المؤامرة، في سبيل بلوغ تلك الغاية. - أية مؤامرة؟ أن يطلب اليازغي من الأحزاب التصويت على الراضي ليبقى رئيسا لمجلس النواب لولاية ثالثة، مقابل ضمان عدم منافسة الراضي له على منصب الكاتب الأول للحزب ثم دعمه. - أن يقنع اليازغي الأحزاب بالتصويت لفائدة الراضي أمر إيجابي، تسعى إليه كل الأحزاب لا تستسهل الأمور، فلكي تنزل الدولة بثقلها، ممثلة في شخص ادريس جطو، لإقناع أحزاب لا علاقة تجمعنا بها، مثل اتحاد الحركات الشعبية والاتحاد الدستوري والحزب الوطني الديمقراطي وغيرهم، بالتصويت لفائدة الراضي ليكون رئيسا لمجلس النواب لولاية ثانية من 2002 إلى 2007، يجب بالمقابل أن نتنازل للدولة ولهذه الأحزاب عن أشياء على حساب مبادئ الاتحاد الاشتراكي وهويته النضالية. الأنكى من ذلك هو أنه بعد تشبث حزب الاستقلال بترشيح عبد الحميد عواد لرئاسة مجلس النواب، هدد اليازغي ادريس جطو بالانسحاب من الحكومة إذا هو لم يضمن بقاء الراضي على رأس المجلس.. هذه أساليب ستالينية، أرفضها وأرفض كل من يتبناها، لأنها أساليب قصيرة النظر، يسعى من يلجأ إليها إلى تحقيق مكتسبات ومناصب قد تبدو مهمة في وقت وجيز، لكن من يلجأ إليها لا يقدِّر فداحة تأثيرها على مستقبل الحزب وهويته وتحالفاته. وهذا ما أدى بالاتحاد الاشتراكي إلى ما هو عليه اليوم من وضع مأزوم. لذلك رفضت أن يتحمل اليازغي رئاسة الحزب في 2005. - لنعد إلى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع.. بعدما قدم اليازغي التقرير السياسي انفجرت أنت محتجا؛ ما الذي حدث؟ كنت قد ملأت حقيبتين بنسخ من البلاغ الذي شرحت فيه مؤامرة اليازغي لتولي قيادة الحزب، وسلمتهما إلى الحبيب الشرقاوي الذي نقلهما في سيارته إلى قاعة المؤتمر، لكوني جئت إلى القاعة في سيارة ادريس لشكر. وعندما أنهى اليازغي كلمته، وقفت بنية أن أطلب من رئاسة المؤتمر السماح لي بتوزيع البلاغ، لأفاجأ بأزيد من ستة أفراد، يتقدمهم المسمى المنطرش، يندفعون نحوي ويحملونني إلى فوق، فانفلتت من قبضتهم وأنا أقول لهم: أتركوني أعود لأسحب حقيبتي، وعدت قرب المنصة حيث قلت ما قلته حينها ونشرته الصحافة. - ماذا قلت بالتحديد؟ قلت إن هذه مؤامرة ستالينية يقودها اليازغي وزبانيته ضد الاتحاد الاشتراكي، فنزل لشكر من المنصة وهو يترجاني قائلا: الله يخليك آ السي محمد راه معانا ضيوف أجانب. - من تضامن معك حينها من القيادات الاتحادية؟ السي محمد بوزوبع، وزير العدل السابق، رحمه الله، جاء عندي وقبل رأسي وجبر خاطري.