حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - في 1996 توفي محمد باهي، مدير جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، فأشارت أصابع الاتهام إلى محمد اليازغي والموالين له داخل الجريدة، ثم تشكلت لجنة تحقيق في وفاته كنت فيها مقررا إلى جانب عبد الواحد الراضي وفتح الله ولعلو. ما هي النتيجة التي خلصت إليها في هذا التقرير؟ تشكلت اللجنة بطلب من عبد الرحمان اليوسفي والمفكر محمد عابد الجابري الذي كان محمد باهي مقربا منه والذي اعتبر أن وفاته ناتجة عن أزمة قلبية لها علاقة بظروف العمل داخل الجريدة، بل لقد راج ولا يزال يروج أن هذه الوفاة لها علاقة باستفزازات تعرض لها محمد باهي من طرف المجموعة المحسوبة على اليازغي. لكن، للحقيقة والتاريخ، فبعد استماعنا إلى مجموعة من الأشخاص الذين وجهت إليهم أصابع الاتهام، وصلنا إلى خلاصة مفادها أن الوفاة ناتجة عن مشاكل صحية كان يعاني منها محمد باهي، وهي مشاكل عضوية، ونفسية كذلك. - هل اقتنع اليوسفي والجابري بأن وفاة محمد باهي لا علاقة لها بخلافه مع تيار اليازغي؟ لا. لم يقتنعا. لا أذكر أنني التقيت بالجابري بعد إنجاز التقرير، لكن اليوسفي التقيت به في بيتي، وقد كان يريدنا أن نحمل المسؤولية عن وفاة محمد باهي لليازغي. ومازلت أذكر أنني أطلعت اليوسفي، في بيتي، على نتائج التحقيق الذي خلصنا إليها، فلم ترق له. - لماذا كانت علاقة حكومة التناوب بالصحافة سيئة، مع أن الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي كان مديرا لجريدة «الاتحاد» الاشتراكي»، وكان نائبه اليازغي مديرا ل«ليبيرلسيون»، واشتغل العديد من وزراء التناوب صحافيين؟ لأن اليوسفي لم يقو على الحد من سلطات ادريس البصري، وطالما كان يشتكي منه ومن محيطه الذي كان يضيق ذرعا بما تكتبه صحافة الحزب أو جريدة «النشرة»، لسان حال الشبيبة الاتحادية، وكذلك الصحافة المستقلة التي عرفت نشاطا غير مسبوق بمجيء حكومة التناوب. وقد حاول اليوسفي طمأنة البصري ومصالحته عبر القصر الملكي، عندما وسطني لدى مستشار الملك ادريس السلاوي، ولكن الحسن الثاني كان يروق له أن يبقى وزير داخليته على خلاف مع الوزير الأول. غير أن اليوسفي أصبح لاحقا ينزعج بدوره من الصحافة. - هل كان اليوسفي يثير مثل هذه الانزعاجات في اجتماعات المكتب السياسي للحزب؟ اليوسفي لم يكن يثير قضايا الصحافة في اجتماعات المكتب السياسي، كما أن اليازغي، بصفته كاتبا أول بالنيابة ومسؤولا عن صحافة الحزب الناطقة باللغة الفرنسية (ليبيراسيون)، لم يكن يثير مثل هذه المسائل. اليوسفي أيضا لم يكن يستسيغ أن يدعوه أحد إلى التنازل عن إدارة جريدة الحزب، بالرغم من أنه لم يكن معقولا استمراره على رأس الجريدة، خصوصا مع توالي مشاكل الصحافة مثل تسريح الصحافيين من إدارة جريدة الحزب، بناء على مواد صحافية كان لهم فيها تقدير مخالف لتقدير اليوسفي، أو من قبيل التضييق على «النشرة»، جريدة الشبيبة الاتحادية، التي أصبحت مواقفها على يسار الحكومة والحزب. - ألم تكونوا تثيرون مثل هذه القضايا في المكتب السياسي؟ لا، كنا نتعامل مع اليوسفي كرمز وليس ككاتب أول يجب مساءلته في كل ما يقدم عليه من مواقف وإجراءات. لكن الأمور بدأت تنفلت شيئا فشيئا من يد اليوسفي، فقد تشكلت جبهة مضادة له على مستوى «ليبيراسيون» التي كان يديرها اليازغي ويرأس تحريرها محمد الكحص، بالرغم من أن كلا منهما كان وزيرا. ولم تنته هذه الحالة إلا باستقالة اليوسفي في أكتوبر 2003. وقد كان من تجليات هذا الصراع أن «ليبيراسيون» -التي كانت تحت قبضة اليازغي- نشرت، قبل استقالة اليوسفي بأشهر، نص الحوار الذي كان قد أجراه اليازغي مع القناة الثانية «دوزيم» كاملا باللغة العربية، بعدما لم تنشره «الاتحاد الاشتراكي» التي كان يديرها اليوسفي ويرأس تحريرها خالد عليوة، المحسوب عليه. وكان هذا أمرا غير مسبوق. - هل سبق لك أنت أن عانيت من توجيه اليوسفي واليازغي لإعلام الحزب؟ نعم، مرة كتبت ورقة أدعو فيها إلى فتح حوار مع جماعة العدل والإحسان، خصوصا بعد الموقف المتنور الذي أبانت عنه نادية ياسين من قضية المرأة، وقد قدمت ورقتي إلى أعضاء المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وبعض المناضلين، لأفاجأ بهجوم اليازغي علي في افتتاحية «ليبيراسيون» دون توقيعها. - كيف ذلك؟ في أحد اجتماعات المكتب السياسي، سألت اليازغي إن كان متفقا مع مضامين الافتتاحية التي هاجمت موقفي الداعي إلى فتح حوار، حول قضايا محددة مع العدل والإحسان، فأجابني: نعم أنا متفق معها. - ماذا جاء في تلك الافتتاحية التي هاجمتك فيها «ليبيراسيون»؟ قالت إن من يدعو إلى الحوار مع العدل والإحسان هو إنسان ضعيف التفكير، أو مغفل، مستعملة العبارة الفرنسية التالية: «Faible d esprit». عندما طرحت المشكل على المكتب السياسي وطالبت بضرورة وضعه كنقطة في جدول أعمال الاجتماع المقبل، صمت الجميع باستثناء عبد الرحمان اليوسفي الذي ساندني، وقد تشكلت لجنة للتحقيق للبحث في من كتب الموضوع ولأية أسباب ولماذا تم نشره في افتتاحية العدد التي تعبر عن موقف الحزب؛ وكان في هذه اللجنة محمد جسوس وفتح الله ولعلو وشخص ثالث لم أعد أذكره. لكن ذلك التقرير لم يخرج أبدا إلى الوجود. - لكن، موقف «ليبيراسيون» من التنسيق مع العدل والإحسان هو موقف سليم ومنسجم مع مبادئ الحزب وهويته التقدمية؟ هذه هي الحجة التي كانوا يقدمونها إلي، لكنني كنت أجيبهم بالقول: من منكم يملك مواقف نادية ياسين الشجاعة، بما في ذلك موقفها من قضية المرأة.