حقائق تنشر لأول مرة على لسان محمد الحبابي، «الشيوعي» الذي أسس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية رفقة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد، دون أن يتخلى عن صداقته لمستشاري الحسن الثاني وجنرالاته الأقوياء. فوق كرسي اعتراف «المساء»، يتحدث أستاذ الاقتصاد عن علاقته بالجنرالين القادري والدليمي وبإدريس البصري، وكيف جمع بين علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد لتأسيس الكتلة الوطنية، ثم اتصل بالقصر الملكي لتشكيل حكومة الكتلة في 1971؛ ويتطرق الحبابي إلى علاقة الاتحاديين بالانقلاب على الحسن الثاني سنة 1972. ويميط اللثام عن أسرار غير معروفة في قضية المهدي بنبركة، وكيف خطط رفقة اليازغي لاختطاف «قتلة» المهدي، وكيف سجنه الحسن الثاني رفقة بوعبيد واليازغي بعد رفضهم الاستفتاء حول الصحراء سنة 1981. - خلال المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي المنعقد في مارس 2001، انسحبتْ من الحزب مجموعة «الوفاء للديمقراطية» بقيادة محمد الساسي، ومجموعة محسوبة على محمد نوبير الأموي، احتجاجا على «تزوير في لوائح المشاركين في المؤتمر»، كما قدمت أنت استقالتك من المكتب السياسي؛ لماذا؟ ليست مجموعتا الأموي والساسي من تضررتا فقط من التزوير خلال هذا المؤتمر، بل أنا بدوري تعرضت لعملية تزوير مفضوحة لم يكشف عنها إلا عبد الواحد الراضي. - كيف ذلك؟ كان عبد الواحد الراضي رئيسا للمؤتمر، وكا هو من أشرف على عملية احتساب الأصوات، حيث كنت من ضمن الفائزين بعضوية اللجنة الإدارية. بعدها، نادى الراضي على كل من عبد الحق المنطرش وعمر العبادي، الذي كان يشتغل مع اليازغي في وزارة إعداد التراب والسكنى والتعمير والبيئة، وسلمهما لائحة بأسماء الفائزين لكي يسلماها بدورهما إلى خالد عليوة حتى يتلوها على المؤتمرين. وعندما بدأ عليوة يقرأ الأسماء المسطرة في اللائحة لم يذكر اسمي، فنهض عبد الواحد الراضي وقال: أين اسم الحبابي، لم أسمعه؟ فارتبك المطرش وهو يقول: آه.. لقد نسينا وضع اسمه عندما أعدنا نسخ اللائحة، وهكذا كشف الراضي مؤامرة اليازغي من أجل تزوير النتائج. - من الذي كانت له مصلحة في إقصائك من أجهزة الحزب؟ المنطرش هو رجل اليازغي الذي يأتمر بأمره، والمنطرش هذا هو الذي سخروه لإبعادي بالعنف عن المؤتمر السابع للحزب المنعقد سنة 2005. - لماذا أراد اليازغي إقصاءك من هذا المؤتمر؟ لأنني كنت أحاول بكل السبل الحيلولة دون خروج الأموي ومن معه من الحزب، وقد اقترحت أن نشكل وفدا يزور الأموي ويجبر خاطره ويقنعه بالعودة إلى المؤتمر؛ وهذا لم يكن، طبعا، ليرضي اليازغي. - ماذا كان رأي اليوسفي في محاولتك إعادة الأموي إلى المؤتمر؟ عبد الرحمان اليوسفي قبِل باقتراحي تشكيل لجنة تزور الأموي، لكن يبدو أنه استسلم في النهاية لضغط لوبي اليازغي. وللإنصاف، فقد جاء عندي الحبيب المالكي وقال لي: يجب أن يتوقف المؤتمر ليوم أو يومين حتى يعود الأموي ومن معه، وإذا لم نقدم على هذه الخطوة فلا أمل في رأب صدع الحزب. - خلال هذا المؤتمر، صغت أنت ورقة ووزعتها على المؤتمرين؛ ماذا كان فحواها؟ صغت ورقة وجهت فيها دعوة إلى عقد مصالحة بين كل الأطراف الغاضبة داخل الحزب. وأذكر أني صورت منها حوالي 150 نسخة ووضعتها في حقيبة جلدية أعارني إياها أخي الدكتور حسن الحبابي، ثم استأذنت المكتب السياسي في توزيعها على المؤتمرين، قبل أن أسلمها إلى المسمى مالك الجداوي، سفير المغرب السابق في روسيا، باعتباره كان مشرفا على التنظيم في المؤتمر، لكي يوزعها على المؤتمرين، لكنه أخفى الأوراق، بتحريض من اليازغي، و»سرق» الحقيبة، ثم اختفى. ولم ألتق الجداوي إلا قبل حوالي ستة أشهر من الآن في المقر المركزي للحزب بالرباط، حيث جاء ليسلم علي، لكنني نهرته وانتفضت في وجهه بحضور محمد الشاوي، الموظف في مقر الحزب، قائلا: «بعد مني يا الشفار.. يا القمار». - أثناء تشكيل المكتب السياسي المنبثق عن المؤتمر السادس لسنة 2001، قدمت استقالتك من المكتب السياسي للحزب؛ ما الذي جرى؟ أصبح عبد الرحمان اليوسفي يقبلني على مضض بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد، وذلك بسبب أن الأخير كان يؤنبه مرارا في حضرتي، لأنه كان يجده شخصا غامضا؛ وعبد الرحيم هو الذي كان يقول لي إن اليوسفي ذو فكر تآمري. لذلك نزل إعلان عزمي الاستقالة من قيادة الحزب بردا وسلاما على اليوسفي. - كيف ذلك؟ بعد المؤتمر اجتمعت اللجنة الإدارية في منزل عبد الرحمان اليوسفي، وأذكر أن اليوسفي كان يستقبل وفدا روسيا؛ وبعد مغادرته شرعنا في فرز المكتب السياسي، حيث انتخبت عضوا فيه، لكنني فكرت في أن عضويتي لم يعد لها من معنى أمام وجود شباب أكفاء، لذلك قلت لعبد الرحمان اليوسفي: أنظر، أنا أبلغ من العمر 78 سنة، ولا ينبغي لي أن أظل عضوا في المكتب السياسي.. تصرف اليوسفي كما لو لم يسمعني، ثم دخل إلى غرفة أخرى وبعث إلي خالد عليوة الذي بادرني، ببرودة تامة، وبالفرنسية: «Tu nous a mis dans un drôle de pétrin; par qui te remplacer? لقد جعلتنا في وضع محرج، بمن سنعوضك؟)، ثم أضاف: طيب.. سوف نعوضك بالحبيب المالكي. وهكذا انسحبت من دون أن يراني أو يحدثني عبد الرحمان اليوسفي الذي كان فرحا هو وعليوة لاستقالتي. بعدها اجتمعنا في اللجنة الإدارية وتم إعلان قرار انسحابي من عضوية المكتب السياسي، فصفق علي الإخوان بحرارة، وتم فعلا تعيين المالكي بدلا مني. - كيف أصبحت علاقتك لاحقا بعبد الرحمان اليوسفي؟ علاقة باردة. - هل التقيت به بعدما اعتزل العمل السياسي؟ التقيت به مرتين أو ثلاث مرات عندما كان يأخذني إليه عبد الحميد بلقاضي، الذي كان رئيسا للمجلس البلدي لمدينة سلا. - وهل تتحدثان في الهاتف؟ لقد كنت أتصل به لأبارك له الأعياد، لكن بما أنه لا يبادر إلى الاتصال، فلم أعد أنا أيضا أتصل. لكني أذكر أنه زارني قبل ستة أو سبعة أشهر، عندما توفي أحد المسؤولين واسمه عواد، يسكن غير بعيد عن بيتي، حيث بعدما قدم اليوسفي عزاءه فيه، فوجئت به يطرق باب بيتي.