فهمي هويدي، الذي يصر على تعريف نفسه كصحافي، دون أي قولبة إيديولوجية تلح على أن تقدمه كمفكر إسلامي، يوضح ل«المساء» التي التقته خلال زيارته الأخيرة إلى المغرب، سر قلقه من مآلات الربيع العربي، كما يشرح الوضع في سوريا التي يشبها بالبوسنة في تسعينيات القرن الماضي. ويقف هويدي عند مفهومه للدولة المدنية التي لا تتنافى، حسبه، مع تطبيق الشريعة. ولا يفوته أن يتطرق إلى الخلاف القائم بين المغرب والجزائر، متسائلا باستغراب: «هل التناقضات بين المغرب والجزائر أكبر من تلك التي بين كل منهما وبين فرنسا التي احتلت البلدين لعقود من الزمن؟» - تبدو كتاباتك الأخيرة متشائمة مما آل إليه الربيع العربي لنقل إن كتاباتي ناقدة وليست متشائمة. الربيع العربي ليست له طبيعة واحدة، بل يختلف من بلد إلى آخر. ما يحدث في المغرب، مثلا، هل يمكن اعتباره ربيعا أم خريفا أم شتاء أم صيفا؟ هناك رغبة اجتماعية في التغيير، وقد اتخذت لذلك بعض الإجراءات لكنها ليست مقنعة للكثيرين. كما أن هناك سلطة جديدة تتصدر لأول مرة ساحة الحكم. الوضع في المغرب مختلف عن تونس؛ حيث تغير كل النظام، بينما في المغرب حدث التغيير داخل النظام. في اليمن التغيير زاوج بين النظام القديم والجديد. وفي سوريا هناك مشروع تغيير. في مصر هناك تغيير أسقط رأس النظام ولا زال يكافح لإسقاط بقايا النظام. كلمة الربيع تصف شيئا واحدا هو يقظة الجماهير وإعلان رغبتها في التغيير. - قد يكون الربيع العربي زحف على أنظمة استبدادية، ونظم حكم فاسد، ودساتير غير شعبية، لكنه لم يطل الشعوب العربية وثقافات الاستبداد بين أفرادها. الاستبداد يفسد الحاضر حينما يدمر مؤسسات المجتمع ويقبر القوى الفاعلة فيه، ويدمر المستقبل لأنه يقضي على بدائله. لذلك فإن أكثر البلدان التي أطاحت بالاستبداد تبدأ من الصفر. ليبيا، مثلا، وبعد أربعين سنة من حكم القذافي، عادت إلى ما قبل الدولة؛ فلم تكن هناك مؤسسات: لا قضاء ولا تعليم. في مصر حصل تفكيك لكل مصالح الدولة، طيلة 30 أو 40 سنة، من السادات إلى مبارك. - الاستبداد العربي الإسلامي هو استبداد حكام، واستبداد مجموعات تحمل سلطة رمزية تتعسف فيها ثم تتعسف بها على محيطها، لنستحضر الجماعات السلفية مثلا؟ أنا لا أرحب كثيرا بمقولة الاستبداد العربي الإسلامي، لأن الاستبداد واحد، سواء في روسيا أو في أمريكا اللاتينية أو غيرها... إنه استبداد واحد. من ناحية أخرى ليس فقط المجموعات السلفية من تمتلك ثقافة استبدادية، السلفيون فقط تم تسليط الكثير من الضوء عليهم إعلاميا. الاستبداد يشوه كل القوى السياسية. - هل يمكن الحديث عن استبداد حداثي أو علماني؟ طبعا. بشار الأسد كتب قبل أيام يقول: سوريا هي الدولة العلمانية الوحيدة في العالم العربي الآن. هل هذا نموذج للعلمانية؟ - شبهت في إحدى مقالاتك الأخيرة ما يحدث الآن في سوريا بما حدث في تسعينيات القرن الماضي في البوسنة، عدا التدخل العسكري الذي حدث في البوسنة ولم يحدث في سوريا. أين يكمن هذا التشابه؟ وهل أنت مع تدخل عسكري في سوريا حتى يكتمل التشابه؟ التشابه بين سوريا والبوسنة قائم؛ سواء تعلق الأمر بالقصف الوحشي المماثل أو ما تقوم به شبيحة الأسد من فظائع واغتصابات للنساء شبيه بما قامت به شبيحة ميلاديتش وكاراجيتش في البوسنة. أيضا عمليات التطهير العرقي التي مارسها الصرب على البوسنيين تشبه ما يحدث بين العلويين والسنة في سوريا. كما أن سوريا مهددة بالتقسيم بين السنة والعلويين والأكراد، تماما مثلما قسمت البوسنة في اتفاقات دايتون. أضف إلى ذلك أن دعم روسيا للنظام السوري شبيه بدعمها للنظام الصربي. وغير ذلك كثير من أوجه التشابه، باستثناء التدخل العسكري الدولي الذي ليست للدول مصلحة فيه، أضف إلى ذلك أن البوسنة كانت بلدا وحيدا، فيما سوريا ليست بلدا وحيدا. سوريا لها تأثير على الأردن والعراق وإيران ولبنان، وممكن أيضا على تركيا. لذلك لست متفقا مع أي تدخل عسكري بسبب الوضع السوري الخاص والمعقد. - وما هو السيناريو الذي تتوقعه لما يحدث الآن في سوريا؟ هذا من الأسئلة التي يصعب جدا الإجابة عنها، فبعد حوالي 20 شهرا، لا النظام قادر على إخضاع المعارضة ولا المعارضة قادرة على إسقاط النظام. - هل ما زال هناك حل آخر خارج ساحة المعركة، أي فرصة للحوار؟ كلمة الحوار كلمة جذابة، لكن السؤال الحقيقي هو مع من سيكون الحوار ولأي هدف. الحوار الذي يؤدي إلى انفجار النظام غير مقبول. فماذا سيبقى: الحوار الذي يؤدي إلى ما يسمى بالحل اليمني، أي أن يتنحى الرئيس ويغادر البلاد، ثم يسلم السلطة لشخص آخر مقابل أن تُعطاه الضمانات اللازمة ليغادر البلاد بدون ملاحقة أو محاسبة؟ هل هذا هو المقصود حوار من هذا النوع؟ - هل من الوارد أن تقبل أطراف المعارضة السورية بمثل هذا الحل؟ هذا الحل وارد، لكني لست متأكدا من قبول مجمل أطراف المعارضة بهذا الحل. ما أعرفه أن هناك من بين المعارضة السورية من يقبلون به حقنا للدماء، حين يقولون إذا تنحى رأس النظام تحل القضية، لأنه ما الربح في أن تحاسب الآخرين بأثر رجعي فيما أمامك معركة بلاد بأسرها لتعيد بناءها؟ هذه الفكرة تم طرحها بالفعل، لكن كفتها ضعيفة. - لماذا لا يجرب المحور المناوئ للنظام السوري، أساسا تركيا وقطر، فتح حوار براغماتي مع روسياوإيران، بدل أمريكا والاتحاد الأوروبي. ما دام اصطفاف الدول، سواء المساندة لنظام الأسد أو المناوئة له، لم يعد خافيا بأنه اصطفاف مصلحي: نفطي أو أمني أو جيو-استراتيجي؟ أولا، ليست قطر وتركيا فقط من يدعم الثورة في سوريا. ليبيا قدمت للثورة السورية مالا أكثر مما قدمته قطر. من جهة ثانية، أظن أن مسألة الإملاءات الأمريكية قد تؤخذ بتحفظ، فهناك فرق بين الإملاءات والتوافق بخصوص ثورة معينة، لأن الثورة حين قامت في البداية منطلقة من درعة لم تكن لها علاقة بتركيا ولا بقطر ولا بإملاءات الغرب. هناك بالطبع وراء خروج الشعب السوري أسباب رئيسية وأسباب ثانوية، والسبب الرئيسي هو أن هناك نظاما قمعيا استولى على الحكم منذ سنة 1967 وقد ضاق به الشعب ذرعا. - هل يعني هذا أن مصالح الشعوب قد تلتقي مع مصالح الإمبريالية؟ ممكن أن تلتقي في نقاط مرحلية، لكنها أبدا لا يمكن أن تلتقي في الأهداف النهائية، فمن الناحية التكتيكية، تستطيع أن تستفيد من المساندة الأمريكية في لحظة ما، لكنك في نهاية المطاف تظل مختلفا مع السياسة الأمريكية. - اعتبرت في إحدى مقالاتك بأن «معركة الأمة» ليست مع إيران أو الشيعة، بل ضد الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية. لكنك تعود لتقف إلى جانب الثورة السورية، التي هي في معركة مع نظام مسنود حد التماهي من طرف إيران؟ أنا لا أفهم أن تساند جهة ما قضية من القضايا العادلة مثل القضية الفلسطينية، وفي نفس الوقت تمارس قهرا بشعا في حق شعب سوريا وتتكلم طول الوقت عن مساندتها للقضية الفلسطينية. - ما رأيك في النداء الذي وجهه الشيخ القرضاوي في إحدى خطب الجمعة، التي تزامنت مع موسم الحج الأخير، حينما طالب الحجاج بأن يدعوا على إيران بالثبور؟ أنا أعيدك إلى مقالتي، حيث قلت إننا ضد التشيّع، ولكننا لسنا ضد الشيعة الذين نعلم أنهم موجودون في العالم العربي والإسلامي بنسب متفاوتة، في أفغانستان، وفي منطقة الخليج، وأساسا بنسبة أكثر من 40 في المائة في البحرين وأكثر من 45 في المائة في العراق. هؤلاء مواطنون لهم علينا حق الكرامة وحق الاحترام. ما أعترض عليه شخصيا هو اختراق بعض هؤلاء الشيعة لمجتمعات أهل السنة كما هو حاصل في بعض الدول غرب أفريقيا ونوعا ما في منطقة المغرب العربي. أنا أقول إنه من متطلبات التعايش والوفاق أن تحترم هذه الحدود بين أهل المذاهب. - من هذا المنطلق أيضا انتقدت موقف الرئيس المصري محمد مرسي عندما قال من المملكة العربية السعودية إن مصر والسعودية دائما اصطفتا جنبا إلى جنب لتثبيت دعائم الإسلام السني؟ كان هذا خطأ كبيرا، فالدولة لا تدافع عن الإسلام السني أو الإسلام الشيعي، بل من واجب الدولة أن تدافع عن كرامة شعبها بمختلف مكوناته. صحيح أن مصر ليس فيها عدد كبير من الشيعة، لكن ليس مسموحا للدولة بأن تحمي مذهبا وتضطهد مذهبا آخر. - تؤكد في كتاباتك على أنك لا تجد تناقضا بين الدولة المدنية وإقامة الشريعة، كيف ذلك؟ أنا ضد تقسيم الدولة المدنية والدولة الدينية. المجتمع الإسلامي هو مجتمع ملتزم بالعقيدة، لكنه كذلك مجتمع مدني بطبيعته. مثلا، منذ وفاة الرسول انقطع الوحي، لكن ما كان يمارسه الصحابة بعد ذلك هو سياسة. لنتوقف عند فريضة الزكاة؛ فهي فريضة دينية، لكنها وظيفة مدنية. الوقف أيضا له جذور دينية، لكنه يصب في صميم المجتمع المدني، وقد كانت الأوقاف في مصر وسيلة لإيقاف الاحتلال البريطاني. - أنا أسألك عن نموذج الدولة المدنية القادرة على تدبير خلافات واختلافات المجموعات والأحزاب، التي تقف أحيانا على طرفي نقيض، من خلال آلية الانتخابات، حيث يصوت الشعب مرة للإسلاميين فيطبقون الزكاة، ومرة لليبراليين فيحررون الاقتصاد. هل يمكن أن يكون هذا في إطار الدولة المدنية الإسلامية التي تحدثت عنها؟ أنت تتحدث عن تعريف وتبني عليه، وأنا أرى بأن الدولة المدنية هي دولة تقوم على مؤسسات بصرف النظر عن هويتها الدينية أو المذهبية. إذن دولة المؤسسات هي التي تحكم، ومن هذا المنطلق أسألك: ماهي الدولة الإسلامية؟ إذا كان الجواب بأن الدولة الإسلامية هي التي تحتكم إلى شرع الله، فأنا أقول لك بأن «شرع الله» مفهوم يقبل عدة تفسيرات أيضا، فهناك مقاصد الشرع، فمثلا في القرآن «إن الله يأمر بالعدل» والعدل قيمة كبرى، فتجد من يقول لك إنك إذا أقمت العدل فأنت تقيم شرع الله، ومنهم من يقول إنك لن تقيم شرع الله إلا إذا طبقت الحدود، ونحن نقول إن هذا طور متأخر كثيرا بالنسبة للمجتع، نحن ندافع الآن عن مقاصد ومبادئ الدولة الإسلامية التي تتمثل في مجموعة من المقاصد. - على ذكر المقاصد، هناك المقولة شهيرة للإمام الشاطبي:» أينما كانت المصلحة فثمة شرع الله». انطلاقا من هذه المقولة أليست الدولة المدنية العلمانية في تركيا أنجح من جميع التجارب الحديثة التي تحكم باسم الإسلام؟ أنا أخاف وأحذر بأن نقارن بين أفضل ما في التجربة العلمانية بأسوء ما في تجربة الإسلام. أنت تتحدث عن نظام علماني، وحتى بشار الأسد يقول إنه أقام نظاما علمانيا، لكن أية علمانية هاته؟ أنا سألت مؤخرا الرئيس رجب طيب أردوغان بشأن العلمانية، فأجابني قائلا: أنا أدافع عن العلمانية التركية، وليس عن العلمانية بالمطلق. لماذا لا نقارن التجربة العلمانية الناجحة في تركيا بتجربة إسلامية ناجحة؟. - مثل ماذا؟ مثل تجربة دولة الخلافة الراشدة. - لكنك تتحدث عن تجربة سابقة عن الدولة الحديثة بتناقضاتها الدقيقة والمعقدة. وليكن. - اليوم هناك تناقضات كبرى لم تكن حاضرة في دولة الخلافة، هناك تداخل الدولي بالمحلي، وتعقد الاقتصاد المعولم، وإشكالات التنمية والبيئة، وتعدد الفرقاء السياسيين حتى داخل الدولة التي يدين أغلب مواطنيها بالإسلام. أما في دولة الخلافة فلم يكن هناك شيوعيون وليبراليون ولا أزمة اقتصادية. في دولة الخلافة كان هناك الروم والفرس... نحن لا نريد أن نقيم صراعا بين ما هو مدني وما هو إسلامي، أنت تحدثت عن مقولة الشاطبي، وأنا أقول لك إن الله يأمر بالعدل، ومن هنا تعال نتحدث عن العدل والمساواة والحرية والاستقلال الوطني، لماذا نقسم الدولة إذن إلى مدنية ودينية؟ في آخر المطاف تجد أننا نرمي إلى حذف أجزاء من ديننا لنرضي بعض الليبراليين والعلمانيين. لماذا لا نقول لهؤلاء إنه لا فرق بيننا، وأننا وهم متفقون على العدل والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية؟ إذا دخلنا من هذا المدخل الذي هو بنائي وليس صراعي، سنعمل فيما هو مشترك، أي الاستقلال والحرية... الفكرة الأساسية أولا هي الاتفاق على الإسلام كقيمة كبرى وقاسم مشترك في هذه الظروف. لذلك دعنا نستخلص من هذه القيمة الكبرى أفضل ما فيها ودعنا نضيف إليها من مداخل التوافق مع الآخرين وليس من مداخل الصراع معهم. طبعا هناك أناس يحتجون على أن هذا هو خطاب السلفيين، لكن كم يساوي السلفيون؟ ثم في الأخير ألسنا نهتف بمسألة الحرية والديمقراطية؟ دعونا إذن نحتكم إلى الانتخابات. - على ذكر السلفيين، فقد وصفتهم مؤخرا بأنهم حمقى. بعض السلفيين حمقى وبعض العلمانيين والليبراليين أغبياء. أين تتجلى مظاهر الحمق والغباء في مواقف السلفيين والعلمانيين والليبراليين؟ هناك، مثلا، نص في المادة الثانية من الدستور المصري يقول إن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، فيأتي السلفيون ويتوقفون عند مجموعة من المواد ويقولون إنها تخالف شرع الله، متجاهلين تماما هذا النص من المادة الثانية التي تؤطر الدستور. وبالنسبة لليبراليين والعلمانيين، فمثلا قبل أكثر من سنتين قدموا مذكرة تطالب بإلغاء هذه المادة الثانية من الدستور. لماذا الاعتراض على مبادئ الشريعة الإسلامية؟ هذا يعني أنك تقدم الليبرالية الغربية على المبادئ الأساسية لمجتمعك. طبعا الآن تنازلوا عن هذا المطلب الذي كان شكلا من أشكال الغباء. كم يمثل هؤلاء في المجتمع؟ ولماذا يلجؤون إلى نفوذهم الإعلامي بدل اللجوء إلى صناديق الاقتراع؟. - قبل سنتين تحدثت في إحدى مقالاتك عن الاحتقان المغربي الجزائري على إثر الحملة التي قامت حول الصراع على قضية الصحراء. أسألك كيف تنظر تحديدا إلى هذه العلاقة الاستثنائية في توترها بين المغرب والجزائر؟ خسارة أن تكون العلاقات بين البلدين على هذا الحال. فهل يعقل أن يتخاصم المغرب والجزائر، في حين يتعامل كل منهما مع فرنسا وإسبانيا؟ هل التناقضات التي بينهما أكبر من تلك التي بين كل منهما وبين فرنسا التي احتلت البلدين معا لعقود من الزمن؟ هذا نوع من الغباء السياسي، ثم من الذي يدير هذه العلاقة الشائكة؟ هل هو رأي الشعبين أم رأي أطراف لها مصلحة في النظام الجزائري أو النظام المغربي؟ شخصيا أظن أن هذا الأمر أشد في النظام الجزائري منه في النظام المغربي. هذه خلافات سياسية، سواء فيما يخص قضية الصحراء أو خلافات أخرى متعلقة بالجهاز الأمني في الجزائر الذي هو جهاز خطير، وطبعا الجهاز الأمني في المغرب جهاز خطير كذلك.
هذا ما جرى بيني وبين القذافي - سنة 2004 جمعتك مقابلة على قناة «الجزيرة» مع الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، وصفك فيها بأنك جاهل بالمجتمع الليبي، فيما طالبته أنت بأن يتصالح مع شعبه. بعد قيام الثورة ومقتل القذافي بطريقة وحشية ما هو الانطباع الذي تشكل لديك؟ خلال هذه الدقائق التي اشتبكت فيها مع القذافي كنت أنا في الدوحة وهو في ليبيا، وبالتالي كنت مطمئنا على نفسي منه (يضحك). وأذكر أن المذيع كان يشير إلي من تحت الطاولة لكي لا أجاري القذافي فيما انساق إليه، لكنني كنت أقول له: أنا في أمان. أنا كنت أقاطع ليبيا لأن القذافي كان يدعو المثقفين ويهينهم، بينما هم لا يحتملون ما يقوله، ولا يقوون على الرد عليه. أما فيما يتعلق بالطريقة البشعة التي انتهى إليها القذافي فقد استهجنتها كثيرا، لكني بعد أن زرت ليبيا، بعد الثورة، ووقفت على المظالم البشعة التي أنزلها القذافي في الشعب الليبي، وجدت أنه لقي ما يستحق من جزاء. الناس الذين سحقهم وأذلهم وهتك أعراض بناتهم، استخرجوا كل الغضب والحقد المتراكم في البطش بالرجل الذي بطش بهم. أنا من الخارج كنت متعاطفا معه، وكنت أتمنى ألا يلقى ذلك المصير، لكن حين ذهبت إلى ليبيا تفهمت ما قام به الليبيون في حق القذافي. هناك فرق بين أن توافق على تصرف وأن تتفهم ظروفه.