كثيراً ما نتبنى مقولة بعض الرجال «من يريد إفشاء سرّ فليخبر به زوجته»، لكنْ بخلاف ما هو سائد، لا يقتصر إفشاء الأسرار الزوجية على النساء، رغم اتهامنا لهنّ بالثرثرة وعدم القدرة على حفظ الأسرار. ويجد الرجل، أيضا، متعة في الثرثرة، بل وتحقيقا ل«الرجولة» بعد الحكي عن أدقّ تفاصيل الفراش، حيث يفتح لزملائه في العمل، في كل صباح، «المزاد العلنيّ» على أسرار بيته، وفي المساء يعود ليشنّف أسماع زوجته بأسرار أصدقائه في ما يخص علاقاتهم مع زوجاتهم.. تقول «ن. س» (24 سنة): «لم أتصور البتة أن يخبر زوجي شقيقه بكل شاردة وواردة عن حياتنا الخاصة، حيث إنني عندما علمت بالأمر شعرت بأن كرامتي هُدرت وبأنّ عائلة زوجي اختلست مني حياتي وحيائي.. أخبرته بالأمر ففاجأني رده بأن الأمر عادي جدا، وبأن تجاربه الجنسية تكاد تكون منعدمة، وكان من الضروريّ استشارة شقيقه الأكبر منه، حتى لا يسقط في نظري كزوج، وبأنه لم يخطر على باله أن ما قام به جرم واعتداء على حقوقي كزوجة يتوجّب عليه صون عرضها والذود عنه، كما أنه يخبر أمه بكل ما يتعلق بالبيت والوظيفة، بل وحتى ما يتعلق براتبي ومختلف التحفيزات المادية التي أحصل عليها في العمل».. تتوقف لحظة، تستجمع قواها وتواصل الحديث: «لا يمكن تصور مدى الإحراج الذي ينتابني عندما تناقشني والدته أو أحد إخوته في ما أنوي تغييره مثلا في بيتي، إلى درجة أنني أصبحت أشعر أن الكل يعرف تفاصيل حياتي وأسرارها.. حاولتُ إسداء النصيحة لزوجي ولكنْ دون فائدة، فأصبحتْ حياتي معه مهددة وغيرَ آمنة، ولا أستطيع طلب الطلاق، لأنه لم يمض على زواجنا إلا ثلاثة شهور فقط».. وتقاسمها المعاناة السيدة سعيدة، ربة بيت، حيث قالت: «يقضي زوجي ساعات اليوم في العمل، وعندما يعود إلى المنزل يظلّ صامتا ولا يشاركني الحديث عن همومي ولا مشاكلي، فزوجي لا يهتمّ إن كنت مرهقة أو مرتاحة، ولا يهمّه أن يعرف شيئا عن بيته، وعندما أحاول فتح حوار معه يحتج بأنه متعب ويتركني منشغلة البال».. والمزعج في الأمر أنه إذا تلقى اتصالا هاتفيا أو إذا استقبلْنا ضيوفا، يشرع مباشرة في الثرثرة والإفصاح عما كنا نتحدث عنه، بما في ذلك العلاقة الحميمية.. وفي أحيان كثيرة أسمع قهقهاته، نتيجة إسهابه في الحديث بتفصيل عن خصوصياتنا، إلى درجة أنني سمعته في أحد الأيام يخبر صديقه بأوقات علاقتنا الحميمية».. تصمت برهة، ثم تواصل سردَ نكبتها: «تضايقتُ من الأمر كثيرا وأخبرته بذلك، لكنه لم يكترث، بحجة أنه ليس في الأمر مساسٌ بكرامتي وعرضي كزوجة تستحقّ احترام زوجها».
رأي علم النفس من المتعارف عليه أن الزوجة هي من تتكلم وتفشي أسرارها الزوجية أكثر من الرجل، ولذلك لا يمكنني تعميم الظاهرة على كل الأزواج، باعتبار أن الأمر يرتبط بالقلة منهم، لأن الأمر يتعلق بغيرة الرجل على شريكة حياته ورفيقة عمره التي يعتبرها ملكا له وليس من حق أحد أن يشاركه فيها، فبالأحرى أن يصفها لغيره من الرجال، مهْما تكن قرابته، أخا أو أبا، ومن ثمة فالزوج الذي يفشي أسرار زوجته الخاصة يعتبر شاذا عن الطبيعة الذكورية.. وأذكر أنهم قلة، رغم أن النساء يشتكين من هذا السلوك المشين الذي لا يرتبط البتة بديننا الحنيف ولا بالقواعد المجتمعية التي ننهل منها، وعليه فهذا الصنف من الرجال يعاني من مشاكل نفسية ومن انعدام في الثقة وكذا شك في الرجولة التي يحاول إثباتها للآخرين.. وأؤكد أن هذا الصنف من الرجال مريض نفسيا ويجني على أسرته مشاكلَ نفسية كثيرة وكذا على أسرته، وخاصة زوجته، التي من الواجب عليها الحفاظ على سرّها وحماية عرضها والدفاع عنه ممن سوّلت له نفسه المسّ به.. فكيف يخدشه بنفسه ويسلمه إلى الآخرين على طبق من ذهب، لذلك فهذا الشخص غير سويّ ويعاني من مشاكل نفسية عميقة جدا، ولا أتعقد أن المرأة مجبَرة على العيش معه والصبر على أذاه، ما دام تجاوز الخطوط الحمراء واعتبارا لأن الزواج مبنيّ على الثقة وسرية العلاقة الحميمية.
الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية يعاني من اضطرابات نفسية -هل يعتبر الكشف عن الأسرار الزوجية أمرا مشروعا بالنسبة إلى الزوجين؟ -يشكل الكشف عن أسرار الناس من طرف الشخص الذي ائتمنه هؤلاء على أسرارهم سلوكا لا أخلاقيا ولا دينيا ولا إنسانيا، لأن ذلك يعتبر خيانة لأمانة السر. فبالأحرى الكشف عن الأسرار الزوجية، التي هي بمثابة القاسم المشترك الذي يشعر الزوجين بوحدتهما. -ما هي الأسباب النفسية والاجتماعية الكامنة وراء كشف الرجال أسرارهم الزوجية؟ -نجد أن هناك مجموعة من الأسباب النفسية والاجتماعية التي تقف وراء فضح الأسرار الزوجية، فالبنسبة إلى الأسباب السيكولوجية نجد مايلي: أولا، أن الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية لديه اضطرابات نفسية تجعله لا يعي خطورة ولا أخلاقية ما يُقْدم عليه؛ ثانيا، أن الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية هو هذائيّ، ثرثار، لا يستطيع أن يوقف نفسه عن الهذيان، وعندما لا يجد ما يتحدث عنه ينتقل إلى الحديث عن الأسرار الزوجية.. أما عن الأسباب الاجتماعية التي تقف وراء الكشف عن الأسرار الزوجية نجد ما يلي: - أولا، أن الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية لم يتلقَّ تنشئة اجتماعية سليمة ومتّزنة، تمنعه من الكشف عن خصوصيات علاقته الزوجية؛ ثانيا، أن الشخص الذي يُفشي الأسرار الزوجية يحمل في وعيه نظاما قيميّا متناقضا لا يمكنه من تصنيف ما هو عيب وما ليس عيبا. -ما تأثير ذلك على الأطفال والعلاقة الأسرية؟ -يؤثر الكشف عن الأسرار الزوجية للغرباء بشكل سلبيّ على الأطفال، حيث يعيشون حالة من القلق والشعور بالدونية والنقص أمام تلك الأسرار التي يخجلون من سماعها، فبلأحرى الحديث عنها. كما يعيشون حالة من الوهم والوساوس، حيث يعتبرون أن كل من ينظر إليهم يتحدث عن أسرار والديه.. وإذا تفاقم الوضع يتحول الأمر إلى «فوبيا اجتماعية» عندهم. -كيف تستطيع المرأة مواجهة سلوك زوجها اللاأخلاقي؟ -إن الكشف عن الأسرار الزوجية لا يمارسه الرجل وحده، بل حتى الزوجة، ولهذا على الشريك الذي يكتشف أن شريكه يبوح بالأسرار الزوجية أن يُوعيّه سلبيات ذلك وبانعكاساته السلبية على كرامة الزوجين وعلى كرامة أطفالهما وبالضرر الذي ينتج عن ذلك، فإذا لم يتّعظ عليه استشارة معالج نفسيّ في هذا الأمر.
عبد الجبار شكري أستاذ باحث في علم الاجتماع وعلم النفس