لا يجيد الكثير من الأمهات والآباء فن التعامل مع فلذات أكبادهم، وخاصة في المراحل العمرية الأولى، مما يجعلها ليست باليسيرة على الكثيرين منهم، ويتجلى ذلك من خلال تساؤلاتهم الدائمة عن أمثل السبل التربوية للتعامل مع أطفالهم من دون نتائج تربوية عكسية. كيف أحسن تربية ابني؟.. طفلي عنيد ويصعب علي معاملته بطريقة صحيحة؟... أسئلة وأخرى تجيبنا عنها نعيمة الوعاي، مدربة التنمية البشرية، من خلال اللقاء التالي: شدّدت نعيمة الوعاي على أهمية التربية بوصفها أداة للنمو العقلي وتشبع النفس بالأخلاق الفاضلة، التي تتبلور في صيغة ثقافة مجتمعية، تتوارثها الأجيال أبا عن جد، والتي تُمرَّر إلى الطفل منذ سنواته الأولى، أي في مرحلة الطفولة، والتي تعد مرحلة مهمة في بناء شخصية الطفل، حيث يكستب خلالها معلومات عديدة، يلتقطها ممن حوله، سواء في البيت أو المدرسة. غير أن الآباء، وفق الوعاي، كثيرا ما يهملون هذه المرحلة، بدعوى أن أبناءهم ما زالوا صغارا وأيضا بحجة الانشغال بالعمل، متناسين أهميتها في تكوين رجال ونساء الغد، وأيضا مسؤوليتهم الكبرى في رعاية أبنائهم رعاية كاملة وملموسة، عملا بقول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «الرجل راع ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية ومسؤولة في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها». ومن ثمة، تضيف الوعاي، وعند بلوغ الطفل سنته الثانية والثالثة يبدأ «معركته» الأولى مع النمو اللغوي السريع، مما يجعل بنيته التربوية تحتاج إلى عنصرين أساسيين: -الاطمئنان النفسي والسكينة والتريث في طلب إجابته أو ملاحظة أخطائه اللغوية اللفظية؛ -مراعاته بشكل جيد، خاصة عند بكائه أو انفعاله، حيث يعاني خلال هذه المرحلة من خوف دائم، يتضح من خلال خوفه من الظلام أو الحيوانات، وخاصة حين حرمانه من أمه أثناء خروجها إلى العمل، ما يجعله منفعلا ويبكي بشدة، لذلك يجب معاملته بذكاء وصبر حتى يتعوّد على غيابها، شرط ألا يكون الغياب طويلا، لأن الطفل في أمسّ الحاجة لإشباع حاجاته النفسية والعاطفية، والتي من خلالها، يتحقق للطفل نضجه الانفعالي ويتمكن من استيعاب جل المعلومات التي يتلقاها بشكل سريع. وحين بلوغه السنة الرابعة، وهي المرحلة الحركية، يتجاوز الطفل مرحلة العاطفة ليمر إلى أخرى مخالِفة، حيث الحركة المفرطة، مما يجعلها متعبة للوالدين، لانزعاجهما من أسئلته المحرجة وعناده وأيضا حركته المفرطة، من قبيل كيف ولدت؟ أو بعض الأسئلة العقائدية عن الطبيعة والمخلوقات والكون وغيرها.. مما يجعل مهمة الوالدين صعبة، وخاصة في تقديرهم الجواب المناسب، لذا فاستغلال هذه الفترة وتقديم المعلومات بأسلوب شيّق وسهل، يساعدهم على تحقيق الفائدة الموجوة. ويجب على الوالدَين، تقول مدربة التنمية البشرية، ألا يظهرا عصبيتهما وألا يكونا آلة فقط، لاستصدار القوانين والأوامر، التي يجب ألا تكون متشددة وصارمة، حتى يشعر الآباء والأبناء بالأمان في الحياة الأسرية، دونما تعنيف أو وعيد وتهديد، لأن من شأن ذلك أن يحطم معنويات الطفل ويصبح سلوكه انقياديا وأيضا انطوائيا، وقد يصاب بالثأثأة، أو يقضم أظافره، كنتيجة لذلك، أو يرفض تناول الطعام. ومن شأنه كل ذلك، تقول الوعاي، أن ينعكس على شخصية الطفل، التي قد تصبح مدمرة من خلال قيامه بأفعال غير لائقة تضرّ به وبمن حوله، سواء في البيت أو المدرسة.. وإن كان الأمر يستوجب العقوبة ترى الوعاي أن يعتمد الوالدان، مثلا: حرمان الطفل من الأشياء التي يحبها، حيث إن المربي الإيجابي هو الذي يعالج السلوك من أصله وليس أعراضه.. ومن ثمة تخلص مدربة التنمية البشرية إلى أن أحسن أسلوب تربويّ للتعامل مع الطفل في هاتين المرحلتين، حيث سيطرة العاطفة ثم الحركة المفرطة، هو استيعاب حاجيات الطفل والتعامل معها بذكاء، بعيدا عن العنف الجسديّ، لِما لذلك من آثار سلبية على تكوين شخصية الطفل، لينتقل إلى مرحلة جديدة، حيث الاستقلالية والاعتماد على الذات، والتي تبدأ من سن الخامسة وما فوق، وخلالها يجب على الوالدَين أن يمدّا لطفلهما يد العون، حتى يتعلم كيف يعتمد على نفسه، من قبيل اصطحابه إلى السوق أو الخرجات الاجتماعية، ليحقق انسجاما مع الآخر ويتعلم كيفية التعامل معه وكذا مجالسته والاسفادة منه، عملا بالمقولة الشهيرة «إن أردت أن ينشأ أبناؤك كالصقور فعلمهم أن يحلقوا عاليا لوحدهم»..