أعادت عملية اغتيال أحمد الجعبري، القيادي بكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، إلى الواجهة عمليات الاغتيال التي تنفذها الآلة العسكرية الإسرائيلية لتصفية رموز الحركة، مستعملة في ذلك جميع إمكانياتها الاستخباراتية والتقنية، بل معتمدة أيضا على عدد كبير من العملاء ممن استطاعوا اختراق صفوف الحركة رغم تنظيمها الشديد والمحكم. والسؤال الذي يطرح نفسه، اليوم، هو: على من سيأتي الدور هذه المرة، وهل سيكون بإمكان إسرائيل أن تعيد الكرة وتستهدف رموزا من حماس كما فعلت مع عشرات آخرين؟ كان أحمد الجعبري، القائد العسكري لحركة حماس الذي اغتالته إسرائيل في قطاع غزة يوم الأربعاء الماضي، يعرف أن أيامه معدودة منذ أن وافق على الإفراج عن جلعاد شاليط، الأسير الإسرائيلي، الذي كان العقل المدبر لعملية اختطافه. وقال مساعد لقائد حماس الراحل إن «الجعبري كان يعيش شهيدا.. كان ينتظر الشهادة». وأعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» أن الجعبري، الذي نجا من ضربة جوية سنة 2004، هو الذي دبر هجوما من غزة عبر الحدود، أسر خلاله العريف الإسرائيلي شاليط سنة 2006. وبعد خمس سنوات، شارك الجعبري في المفاوضات التي انتهت بالإفراج عن شاليط مقابل الإفراج عن 1047 فلسطينيا كانوا في سجون إسرائيل، مما أكسبه شعبية في غزة.. لكنه تسبب، من وجهة نظره، في إصدار حكم بالإعدام عليه في إسرائيل. واللافت أنه عندما جرى التوقيع على الاتفاق، رفض الجعبري التوقيع على الورقة ذاتها التي وقع عليها الاحتلال؛ وعندها جرى التوقيع على ورقتين منفصلتين، الأولى بين الوسيط المصري ووفد كتائب القسام، والثانية بين الوسيط المصري وممثل الاحتلال. في هذا السنة، أدى الجعبري فريضة الحج، وعاد إلى غزة قبل أسبوع من اغتياله. وقال مساعده: «كان يتحدث عن الشهادة طوال الوقت، لكنه كان يشعر بأن الإسرائيليين سينتظرون حتى استكمال الاتفاق الخاص بشاليط». الجعبري «52 عاما» سجن في إسرائيل من 1982 إلى 1995 بسبب أنشطة مقاومة قام بها باسم حركة فتح قبل أن يصبح أحد أعضاء حماس. وكان، رسميا، نائب القائد العسكري لحماس محمد الضيف، لكنه في السنوات القليلة الماضية أصبح فعليا القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، عقب إصابة الضيف إصابة بليغة في هجوم إسرائيلي. وسبق له أن أصيب في ضربة جوية لمنزله سنة 2004 استشهد فيها ستة أشخاص، من بينهم ابنه، وكان ينأى بنفسه عن الأضواء. ونقل عنه قوله في مقابلة سنة 2005 إن الجهاد والمقاومة هما الطريق الوحيد لتحرير الوطن لا المفاوضات والمساومات. وتعهد بالمضي قدما بغض النظر عن الثمن قائلا إن الله «سينصرنا» في النهاية. مزيدا من القادة.. نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» تقريرا تحت عنوان «القضاء على قادة حماس»، ويستعرض أهم عمليات الشاباك والجيش الإسرائيلي في اغتيال أبرز قيادات حركة حماس وجناحها المسلح كتائب القسام، منذ 17 عاما بدء من عملية اغتيال القائد السابق للقسام «يحيى عياش» ووصولا إلى قائدها في قطاع غزة ونائب القائد العام للكتائب «أحمد الجعبري». وقالت الصحيفة إن إسرائيل وجهت، منذ 17 عاما، عدة ضربات ضد قادة حماس، ومن أبرزهم يحيى عياش وأحمد ياسين، وآخرهم كان هو أحمد الجعبري الذي اغتيل يوم الأربعاء الماضي. وذكرت أنه يوم الجمعة 5 يناير 1996، فجر جهاز «الشاباك» هاتفا مفخخا كان بحوزة قائد كتائب القسام المهندس يحيى عياش، مما أدى إلى مقتله على الفور، مشيرة إلى أنه كان مسؤولا عن مقتل 50 إسرائيليا في سلسلة هجمات تفجيرية وقعت داخل إسرائيل التي أنهت حياته بتفجير هاتف كان يستعد للاتصال منه. وأضافت أنه بعد ستة أعوام ونصف، ألقت إسرائيل قنبلة تزن طنا على منزلٍ كان بداخله القائد الجديد لكتائب القسام صلاح شحادة، فقتلته إلى جانب 14 فلسطينيا آخرين، وكان يُعتبر مقربا من زعيم الحركة أحمد ياسين ويحافظ باستمرار على الاتصال بقيادة الحركة في الخارج، وكان يقف خلف مئات الهجمات التي نفذت في السنوات التي سبقت اغتياله، ومن بينها الهجوم الذي وقع في مارس 2002 والذي قتل فيه 5 إسرائيليين من طلاب الكلية العسكرية. وفي مارس 2003، أقدمت إسرائيل مجددا على اغتيال أحد أبرز قادة حماس، إبراهيم المقادمة، بعد أن أطلقت صواريخ على سيارته التي كان يستقلها واثنين من مرافقيه في حي الشيخ رضوان، شمال مدينة غزة، معتبرة إياه أحد مؤسسي حماس والمنظرين للحركة. وقد لعب دورا أساسيا في تحديد «سياسات حماس الإرهابية ضد إسرائيل»، وتوجيه «صلاح شحادة» ونائبه السابق والقائد العام الحالي للقسام «محمد الضيف» الذي أصيب بجراح بالغة الخطورة في غارة إسرائيلية سابقا. وبعد خمسة شهور، اغتالت إسرائيل مجددا القيادي في حماس إسماعيل أبو شنب، حينما كان يقود سيارته قرب الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، ووصفته بكونه «معتدلا نسبيا»، لكنه كان دوما يدعو إلى تنفيذ عمليات عسكرية وتفجيرية ضد إسرائيل وكانت له نشاطات وعلاقات بقيادات وكوادر حماس في الضفة الغربية. ووصفت الصحيفة عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين بكونها من أبرز العمليات التي قضت على قيادي فلسطيني يعارض الحوار مع إسرائيل، مشيرة إلى أن عملية اغتياله وقعت بعد خروجه من المسجد الذي كان ساهم في تأسيسه ويتبع للمجمع الإسلامي الذي كان من مؤسسيه، وذلك في مارس 2004، وأن اغتياله جاء بعد سلسلة من الهجمات التفجيرية التي نفذتها حماس داخل إسرائيل. ومعروف أن الشيخ ياسين أسس حماس سنة 1988، وفي 1991 حكم عليه بالسجن مدى الحياة، لكن تم الإفراج عنه عام 1997 في أعقاب محاولة اغتيال فاشلة لقائد المكتب السياسي الحالي لحماس، خالد مشعل، حيث طلبت الأردن تقديم ترياق العلاج إلى مشعل والإفراج عن ياسين مقابل تسليم إسرائيل أفراد الموساد الذين نفذوا الهجوم. وبعد شهر واحد فقط وفي ظل عمليات الاغتيال المستمرة ضد قادة حماس، اغتالت إسرائيل قائد الحركة الجديد عبد العزيز الرنتيسي، بعدما هاجمت طائرات مروحية سيارته بعدة صواريخ في مدينة غزة، وذلك ردا على سلسلة عمليات نفذتها حماس ودعواته المتكررة إلى مهاجمة إسرائيل. وفي أكتوبر 2004، قتلت إسرائيل القائد في كتائب القسام «عدنان الغول» الذي قالت إنه كان القائد الفعلي للكتائب، وقتل إلى جانبه القيادي عماد عباس الذي كان مسؤولا مع الغول عن سلسلة هجمات ضد إسرائيل وتطوير أسلحة وقذائف مضادة للدروع وصواريخ قسام. بعد ذلك، شن الجيش الإسرائيلي خلال سنة 2009 عملية الرصاص المصبوب ضد قطاع غزة واغتال اثنين من قيادات حماس، هما نزار ريان الذي قصفت إسرائيل منزله في شمال القطاع، مما أدى إلى قتله وزوجاته الأربع وسبعة من أبنائه وخمسة مدنيين. وبعد أسبوعين، اغتيل وزير الداخلية في حكومة حماس، سعيد صيام، الذي يعتبر من كبار المسؤولين في حماس، حيث قتل في غارة استهدفت منزل شقيقه إياد في غزة. وقد كان له دور في تأسيس «القوة التنفيذية» التي كانت «محور الاحتكاك والنزاع الرئيسي بين السلطة الفلسطينية وحماس» والتي سيطرت في ما بعد على غزة في يوليوز 2007. الدور على من؟ شكل اغتيال كبار القادة الفلسطينيين منذ فترة طويلة جزءا من الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل. وضربة يوم الأربعاء الأخيرة تؤكد استعداد إسرائيل لاستئناف هذا التكتيك. وبعد نجاح إسرائيل في اصطياد القيادي الجعبري، من الواضح أن شهيتها ستزيد وتزيد معها الرغبة في اغتيال قيادات أخرى ظلت تطالب برأسها منذ مدة. ولعل أبرز الوجوه المطلوبة، اليوم، لدى قيادة الجيش والحكومة الإسرائيلية: خالد مشعل الذي نجا من محاولة تصفية بعمان سنة 1997 ورئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. ولا تخفي القيادة الإسرائيلية مساعيها إلى تحقيق هذا الهدف، مستعملة جميع الإمكانيات الاستخباراتية للوصول إليهما. ولعل ما كشفت عنه مصادر إسرائيلية يؤكد هذا المعطى، إذ تشير إلى أن معلومات استخبارية دقيقة حصل عليها جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» و«الاستخبارات العسكرية» حول تفاصيل تحركات احمد الجعبري ومواقع مخازن الصواريخ وتفاصيل عن هذه الصواريخ ومخيمات التدريب التابعة لحماس، ساعدت على تنفيذ عملياتها الحربية. وحسب تقارير إسرائيلية، فإن جهازي «الشاباك» والاستخبارات العامة يعملان منذ سنة ونصف السنة على جمع المعلومات ورصد تحركات قياديين في حماس والجهاد الإسلامي ونشاط التنظيمات الفلسطينية. هذه المعطيات تتقاطع مع تأكيدات صدرت عن أكثر من مصدر فلسطيني تشير إلى وجود اختراق إسرائيلي في قطاع غزة وفي صفوف المقاومة، مشيرا إلى استخدام إسرائيل للعملاء ولتقنية حديثة في الوصول إلى الجعبري. وحسب عادل شاهين، وكيل جهاز المخابرات المصري الأسبق، فعملية اغتيال الجعبري تمت بتنسيق صهيوني مع فلسطيني ضعيف النفس والذي رصد تحركات الجعبري، وأدلى بها بدقة متناهية للموساد الإسرائيلي، مؤكدا أن العملية تمت على هذا النحو في ظل عدم وجود إسرائيلي في غزة. ويبدو أن إسماعيل هنية مقتنع، أكثر من أي وقت مضى، بأنه قد يلقى المصير نفسه الذي لقيه قياديون سبقوه، وهو ما عبر عنه قبل يومين حين استودع الشعب العربي والإسلامي والفلسطيني، وقام بكتابة تغريدة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، قال فيها «أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله». ويأتي وداع رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية بعد التصريحات الأخيرة لقادة في الجيش الإسرائيلي والذين أكدوا أن إسماعيل هنية مستهدف، بالإضافة إلى العملية العسكرية التي تنتوي سلطات الاحتلال تنفيذها في غزة والتي باشرتها بعيد اغتيال الجعبري.
قيادة الكتائب.. من سيتولى المهمة؟ اليوم وبعد تصفيته من قبل إسرائيل، ترك الجعبري فجوة كبيرة في قيادة القسام؛ وفي الوقت الراهن، من المبكر تحديد المرشح الذي سيحل مكانه، ولكن ثمة أسماء مرشحة لمنصب قائد الجناح قد تكشفها حركة حماس في غضون الأيام القادمة. في منظمة حماس، لا زالوا يكنّون الاحترام لمن يعتبر القائد العسكري الأبرز حتى الآن: محمد ضيف (مواليد 1965). لكن في الواقع، فإن ضيف مقعدٌ وعاجزٌ، ولا يمكنه أن يؤدي مهام قيادة الحركة، وذلك جراء إصابته بشكل خطير في واحدة من محاولات اغتياله سنة 2006، حيث قطعت أطرافه وفقد إحدى عينيه، ومنذ ذلك الوقت وهو على كرسي متحرك. فضلا عن الإعاقة، لا يزال ضيف يخشى محاولة تصفيته، ولذلك يفضل ألا يظهر في الميدان. الاسم الثاني هو مروان عيسى (أبو براء)، والذي عمل إلى جانب الجعبري، بالرتبة نفسها، وشغل منصب «رئيس وحدة العمليات الخاصة» في حماس، وكان المسؤول عن العلاقة ب«٫الخارج». ولد عيسى سنة 1965 في قطاع غزة، وقضى 5 سنوات في السجن الإسرائيلي، جراء مساهمته في عمليات فدائية تحت جناح حركة حماس، واعتقل بعدها وقبع في سجن السلطة الفلسطينية. الاسم الثالث هو عيسى العطار، ويذكر أن عيسى يُعد عدوا لرجال حركة فتح في القطاع، حيث تشير إليه أصابع الاتهام بوقوفه وراء قتل بعضهم سنة 2005 أثناء اقتحام سجن السرايا في قطاع غزة. وقد نجا عيسى من محاولة اغتيال في سنة 2006، إلا أنه أصيب في منطقة الحوض إصابة بالغة. وقد نقلت مواقع إخبارية في إسرائيل خبر أن مروان عيسى هو من سيحل مكان الجعبري، لكن حركة حماس لم تؤكد الخبر. هناك أيضا قائد منطقة الجنوب محمد أبو شمالة (38 سنة)، الذي كان معتقلا في إسرائيل على مدار تسعة أشهر، ومدة ثلاث سنوات أخرى من قبل السلطة الفلسطينية. وتحته يوجد محمد السنوار، قائد القوات العسكرية في خان يونس (من مواليد 1975)، والذي كان موقوفا لمدة ثلاث سنوات من قبل السلطة الفلسطينية، وكان شريكا في التخطيط وتنفيذ العديد من العمليات الفدائية ضد إسرائيل. وذُكر كذلك اسم السنوار مرشحا للحلول محل للجعبري. في مركز القطاع نجد أيمن نوفل، رئيس القوات العسكرية في حماس. وقد سُجن نوفل في مصر سنة 2008، لكنه أفلح سنة 2011 في الهروب من السجن المصري والعودة إلى القطاع، منذ ذلك الحين وهو يشغل منصب القائد الفعلي لمنطقة مخيمات اللاجئين في مركز القطاع. أما في شمال القطاع، فهنالك أحمد غندور (مواليد 1967)، قضى حكما بالسجن في إسرائيل ما بين سنتي 1988-1994 وخمس سنوات أخرى في السلطة الفلسطينية. وعمل غندور، منذ انتفاضة الأقصى، كمساعد لعدنان الغول، مهندس حماس في القطاع واليد اليمين لمحمد ضيف. من بعد تصفية عدنان الغول في 2004، عُين غندور كقائد لشمال القطاع. ويُعد غندور ساعِد أحمد الجعبري الأيمن، وهو يمثل الشق المتشدد في قيادة حماس. ارتبط اسمه بعلمية اختطاف الجندي شاليط. ويُشرف غندور على العمليات الفدائية ويصادق عليها لأفراد لجان المقاومة الشعبية. ويعتبر هو ورجاله على علاقة وثيقة بمحمد درموش، رئيس لجان المقاومة الشعبية، ويقوم بتوجيه نشاطهم. وبالنظر إلى تعدد الأسماء القيادية المرشحة لخلافة الجعبري، يرى مطّلعون على شؤون حركة حماس في إسرائيل أن الحركة قد تلجأ في مرحلة أولى إلى تشكيل «قيادة مشتركة» من الشخصيات البارزة، التي ذكرت آنفا، في انتظار الحسم في اسم جديد يقود الكتائب في حربها ضد قوات الاحتلال بنفس جديد.
معنى اسم عملية «عمود السماء» دأبت إسرائيل على إطلاق أسماء سينمائية على عملياتها العسكرية وعدوانها على الفلسطينيين، فقد أعطت تارة أسماء جغرافية وتارة أسماء صهيونية، ومؤخرا أسماء غامضة ومجازية. ففي سنة 1982، أطلقت إسرائيل اسم «أصبع الجليل» على اجتياح جنوب لبنان، وأطلقت اسم «الرصاص المصبوب» في حربها على قطاع غزة سنة 2008. أما اسم العملية الأخيرة -وهو باللغة العبرية «عامود هاعنان»- فهو عبارة مجازية وليس اصطلاحية، وهي مستوحاة من العبارات التوراتية التي تتعلق بضياع اليهود في صحراء سيناء وعلى شواطئ البحر الأحمر لمدة 40 عاما حين عاقبهم الرب. والمعنى المجازي لهذه العملية «العقاب السماوي»، وهي إحدى العقوبات السبع التي أنزلها الله على بني إسرائيل لأنهم لم ينفذوا أوامره ولم يستجيبوا لدعوات النبي موسى بن عمران. وباللغة العربية يمكن ترجمتها إلى «عمود السماء» في إشارة إلى الضياع وعدم اليقين، وليست الترجمات الحرفية التي نشرت في بعض وسائل الإعلام مثل عامود السحب أو سحابة الغيث أو السحابة التي تمطر أو غيرها.