نقَلَ قانونُ التغيب عن العمل الموظفَ المضرب من وضعية عدم القيام بالالتزامات المهنية المطلوبة منه، والتي تعرضه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها في قانون الوظيفة العمومية (قانون الاقتطاع من أجل التغيب، يقنن وضعية التغيب كيفما كانت أسبابه ومنها الإضراب، ويقنن كذلك وضعيات التغيب قليل الساعات التي لا يرى فيها من يمتلك سلطة التأديب ضرورة لتحريك المسطرة التأديبية، كما يمكن إعمال المسطرتين باستثناء الموظفين المضربين، الذين يخضعون فقط للاقتطاع)، إلى وضعية التغيب وعدم إنجاز المهام، والتي تعرضه للاقتطاع من راتبه بما يوازي مدة العمل غير المنجز. وكان يشترط لدخول القانون المتعلق بالعمل غير المنجز حيز التطبيق صدورُ المرسوم التطبيقي الذي سيحدد كيفية التطبيق، وهو الأمر الذي استغرق ست عشرة سنة، حيث لم يصدر المرسوم التطبيقي إلا سنة ألفين (بعد أن وقف القضاء الإداري المغربي ضد عملية الاقتطاع مشترطا صدور المرسوم التطبيقي)، مما يثبت أن استكمال مسطرة التأطير القانوني لشرعنة وضعية الموظف المضرب تطلب من المشرع العادي اثنتين وعشرين سنة ومن السلطة التنظيمية ست عشرة سنة؛ أي أن شرعنة الاقتطاع، من أجل العمل غير المنجز، تطلبت من السلطة التشريعية والسلطة التنظيمية ثمانا وثلاثين سنة. منذ سنة ألفين، اكتملت الترسانة القانونية المتعلقة بالعمل غير المنجز. ومع وجود القانون والمرسوم، صارت الحكومة ملزمة -بقوة المقتضيات الدستورية التي تنص على أن الحكومة تعمل على تنفيذ القانون، والإدارة موضوعة رهن إشارتها (وفي هذا الصدد، وجبت العودة إلى الفصل التاسع والثمانين من الدستور الذي ينص على التالي: تعمل الحكومة، تحت سلطة رئيسها، على تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة رهن إشارتها)- بتنفيذ القانون بكل ما يعنيه التنفيذ من معنى، وبالتالي لا يحتاج الوزير في الحكومة إلى تضامن مكونات الحكومة معه، لكي ينفذ نصا قانونيا صادرا عن السلطة التشريعية. قانون العمل غير المنجز واستمرارية المرفق العمومي يعتقد عدد من الباحثين أن مبدأ الأداء، بعد إنجاز العمل المنصوص عليه في المرسوم الملكي (وخصوصا الفصل الواحد والأربعين من المرسوم الملكي) المتعلق بالمحاسبة العمومية، يمكن أن يؤطر ويقنن التعامل مع وضعية الموظف المضرب، متجاهلين أن الموظف يتمتع بضمانات قانونية منصوص عليها دستوريا، وبالتالي فإن قانون الوظيفة العمومية، وليس المرسوم الملكي للمحاسبة العمومية، هو من يحدد ما إذا كان الموظف في وضعية القيام بالوظيفة، وبالتالي في وضعية نظامية، أم في وضعية مخلة بالتزاماته المهنية، مما يستدعي من الوزير، باعتباره مدبرا إداريا (وليس الوزير باعتباره آمرا بالصرف)، أن يتدخل من خلال إجراء إداري يأمر بمقتضاه المحاسبَ بمباشرة الاقتطاع. اعتبرت اجتهادات المجلس الدستوري الفرنسي من خلال (القرار المشار إليه أعلاه) أن الاقتطاع من راتب الموظف من أجل العمل غير المنجز لا يعتبر تغريما ماليا للموظف المضرب، بل هو فقط إجراء محاسباتي محض. وهو ما عمل المشرع العادي المغربي، وكذلك السلطة التنظيمية، على تنفيذه من خلال الاقتطاع من الأجرة الصافية، أي بعد خصم الاقتطاعات، وبالتالي لا يؤثر الاقتطاع في التقاعد والترقي، مما يعني أن الاقتطاع ليس له أي تأثير على الوضعية الإدارية للمعني بالأمر؛ بينما في حالة الغياب الفردي غير المرتبط بممارسة الإضراب فإن التغيب عن العمل يعتبر إخلالا بالالتزامات المهنية، مما يستدعي تحريك المسطرة التأديبية التي تؤثر على الوضعية الإدارية للموظف، سواء تعلق الأمر بالتقاعد أو الترقية. ويعني عدمُ اعتبار المجلس الدستوري الفرنسي قرارَ الاقتطاع من الراتب تغريما ماليا، بل فقط إجراءً محاسباتيا، أن هناك إجراءات على الحكومات المعنية اتخاذها من أجل ضمان استمرارية المرافق العمومية، ومنها إعطاء الصلاحية للمسؤولين عن الهيكلة الإدارية داخل الإدارة، باعتبارهم مسؤولين أمام السلطة السياسية، وهذه الأخيرة مسؤولة أمام الرأي العام، عن استمرارية المرفق العمومي، مما يعني منحهم حق تحديد عدد الموظفين الضروريين لاستمرارية المرافق العمومية (يمكن، في هذا السياق، الاطلاع على قرار مجلس الدولة الفرنسي تحت رقم 169 بتاريخ 30 نونبر 1998، حيث أجاز القاضي الإداري من خلال هذا القرار للحكومة أو فقط لرؤساء المصالح تحديد عدد الموظفين الضروريين لسير المصالح، بعد توصلهم بالإعلام المسبق عن الإضراب) في أداء مهامها، بعد توصلهم بالإعلام المسبق عن الإضراب. ويعتبر العددُ الضروري، المحدد من طرف الإدارة من خلال إجراء إداري، قابلا للطعن أمام المحاكم الإدارية من طرف النقابات المهنية، مما يمثل ضمانة لاستمرارية المرافق العمومية من خلال تحديد العدد الضروري من الموظفين اللازم لاستمرارها، ويسمح للنقابات بحق الطعن أمام المحاكم الإدارية من أجل الشطط في استعمال السلطة. إن تصريح بعض الوزراء المغاربة بأن الاقتطاع هو إجراء عقابي من أجل استمرارية المرفق العمومي لا يستند إلى أي أساس قانوني، لأن الاقتطاع، حسب النصوص القانونية المشار إليها أعلاه، هو إجراء محاسباتي صرف، تطبيقا لقانون الوظيفة العمومية الذي لا يعتبر الموظف المضرب في وضعية قيام بالوظيفة. أما في ما يتعلق باستمرارية المرفق العمومي، فكان على الحكومة إصدار أوامر تنظيمية عامة، وأخرى خاصة بكل قطاع، تحدد العدد المطلوب من الموظفين من أجل استمرارية المرفق العمومي في أداء مهامه. وعلى الموظفين المحدد عددهم من طرف الإدارة، والذين تم إعلامهم بذلك، الحضور يوم الإضراب من أجل ضمان استمرارية المرفق العمومي. الخلاصة على اعتبار أن الإضراب حق دستوري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى استمرارية المرفق العمومي، فإن الإضراب، كتوقف جماعي عن العمل، لا يمكن اعتباره حقا مطلقا، بل فقط حقا استثنائيا مشروطا مسبقا باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لاستمرارية المرافق العمومية في أداء مهامهما ولو في حدود دنيا، لذلك لم يعتبر المشرعُ المغربيُّ الإضرابَ حقا نظاميا، من خلال قانون الوظيفة العمومية. وستدفع خصوصية واستثنائية الحق في الإضراب الأستاذَ القانوني، شابيس، إلى القول: «إن الإضراب هو حق للتمرد. وباعتباره كذلك، لا يجب على الدولة تشجيعه، لأن ذلك قد يشجع على تفشي روح اللامسؤولية لدى الموظفين». باحث