الكتاب لا يجتمعون؛ الكاتب لا يتخندق في اتحاد؛ الكاتب لا يعتصم لأجل استخراج بطاقة العضوية، أو ليفضح وضعا لا يروقه؛ الكتاب لا يؤلبون الأصدقاء المصطفين في طابور مشترك ضد الكتاب الأعداء في الطابور الخصم؛ الكاتب مثقف، قبل أن يكتب، وقبل أن يبحث له عن اعتراف ورقي مذيل بتوقيع الرئيس؛ الكاتب ملتزم بقيم ومبادىء ومراقب لمجتمعه، مؤرخ لأحداثه؛ الكاتب قد يكون ابن بضعة ربيعات كما قد يكون شيخا، عجوزا تسنده عصاه على تحمل هم الكلمة. اجتمع القوم الكُتاب نهاية الأسبوع الماضي وتناظروا في مآل ال«بانكر» الثقافي بعد مسيرة عهود وسمها البعض بقلمه وبشخصيته وطبعها البعض الآخر بيسير من الثقافة وكثير من غير الثقافة. كان الاجتماع خيرا وسلاما على الجميع وظل ذلك الرجل الشمالي، محب أكلة الأرنب، الطيب، في مكانه رئيسا للبانكر. زمنٌ آخر ينطلق التأريخ له، وحتما سيمر باردا كما هو بارد جو المقر، رتيبا كما هو الاشتغال بالمقر، خاويا كما هي خاوية حجرات المقر ترجع صدى الهمس إذا همس زائر المكان. كان الله في عونك يارجل. التقيت الرجل الشمالي، ذات مناسبة حوار مطول لم يكن كله في الثقافة بل في أمور أخرى من حياته، ولمست، وأنا أتطلع إلى ما وراء هذا الذي جعلوه مقرا لكتابنا، كم هي مختلفة ومتنوعة مزاجات الناس واستعداداتهم ومواقفهم التي تجعل هذا يتحمل هذه المسؤولية وذاك يتجاوزها. تساءلت حينها: أهذا هو اتحاد كتاب المغرب؟ وسرعان ما تأكد لي ما كنت أميل إلى الإيمان به: ما جدوى اتحاد لكتاب المغرب؟ أفلا يمكن أن يكون الكاتب كاتبا من دون الحاجة إلى اتحاد؟ ثم أين الاتحاد في الاتحاد؟ استحضرت، وأنا أراجع دور الاتحاد وجدواه، وجوه كتاب عالميين بلغوا الشهرة على شراع الإبداع الحقيقي ووجه المشهد الثقافي في بلاد قريبة من وجداننا وثقافتنا مثل فرنسا؛ شاهدت في كثير مناسبات وجوها شابة، حديثة السن، إلا أنها متقدمة كثيرا من حيث سن الكتابة، وأخرى قديمة ثبت منذ زمن علو كعبها، وبين الوجوه الأولى والأخيرة ليس ثمة انتماء إلا انتماء الإبداع. فلم لا يكون الحدو حدو الغرب بدل ذلك الشرق الموبوء باتحاداته ورابطاته وولاءاته السياسية ودوائره التي تتخطى الهموم الثقافية نحو فخاخ الثقافة والهدايا المسمومة بزرنيخ الانبطاح أو المصير الملغوم، أوالاختطاف في زاوية مظلمة أوالاغتيال بطلقة مسدس كاتم للصوت، أو تفجيرا لا تُعلن الجهة المنفذة مسؤوليتها عنه...؟ ولم لا يكون الاتحاد اتحادا حول قضايا المصير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والفكري؟ ولم لا تكون الكتابة نبعا تلقائيا من اختمار الكلمة فحسب؟ معشر الكتاب، دعونا من الانتماء إلى كذا اتحاد، أو كذا رابطة. اهجروا هذا الذي يجعل الكاتب في كل مناسبة حديث يشي بزميله في الكتابة، وينتصر لهذا الأمر بدل الآخر، ويحتج لأن الآخر سافر إلى هناك دونه، ويحجم عن قول الأشياء مخافة أن يسيء قوله لمصلحة له في أمر خاص وخصوصي، ويصوم عن الكلام إطلاقا لأنه متخم بالمواقف من أشياء كثيرة تعكر مزاجه لا مزاج الثقافة. معشر الكتاب، خلصوا أنفسكم من انتماء تسود فيه الغيرة على حساب الكلمة، ومن اتحاد صار لكم في منزلة المرأة التي تعطي الانطباع لكل واحد منكم بأنها معجبة به دون غيره، فتقتتلوا من أجلها! معشر الكتاب، اكتبوا دون أن تحصوا عدد ما كتبتم من الكلمات؛ اكتبوا واكتبوا ثم اكتبوا حتى تكتبوا بالحقيقة لا بالإحصاء والعد والانتماء. فتلكم هي الكتابة. كونوا كتابا فحسب!