بعد حوالي خمسة أشهر على الأزمة المفاجئة التي اندلعت بين المغرب والوسيط الأممي في نزاع الصحراء كريستوفر روس في شهر ماي الماضي، زار هذا الأخير المملكة في إطار جولة مغاربية وأوروبية لمحاولة كسر الجمود في ملف الصحراء المعلق منذ أزيد من ربع قرن، قبل تقديم تقريره أمام مجلس الأمن، المتوقع في نهاية الشهر الجاري. وقد تبلور موقفان من زيارة المبعوث الأممي للمغرب: الموقف الأول ينطلق من كون الزيارة دليلا على هزيمة المغرب بعد معركة اعتبرت خاسرة عندما دخل في عملية شد وجذب مع روس، وصلت إلى المناداة بتعيين مبعوث آخر, أوروبي، حسب تصريحات وزير الشؤون الخارجية والتعاون وقتها, يكون أقل تحيزا وأكثر توازنا في التوسط بين الأطراف في النزاع- على إثر ما تضمنه التقرير الأخير لروس أمام مجلس الأمن، والذي رأت فيه السلطات المغربية انحيازا إلى موقف البوليساريو والجزائر، الداعمتين لاستقلال الصحراء. ويؤكد هذا الموقف على أن المغرب، في هذه المرحلة، أصبح في موقع ضعف، بعد أن خسر جولة المبارزة الأولى مع المبعوث الأممي، ومن ثمة يخلص إلى أن نتائج الزيارة ستكون لغير صالح المغرب، استنادا إلى معطيين: المعطى الأول يتمثل في الخلاصات التي خرج بها التقرير الذي أعدته «مؤسسة روبرت كينيدي»، عقب زيارتها للمناطق الصحراوية في شهر سبتمبر الماضي، عندما أشارت إلى أن المغرب لا يحترم حقوق الإنسان في هذه المناطق، التي قالت إن «جوا من الرعب» يسودها بسبب المرابطة المستمرة للشرطة ورجال الأمن بها. أما المعطى الثاني فيتمثل في التقرير الذي قدمه المقرر الأممي حول التعذيب خوان منديز إلى مجلس الأمن في ضوء زيارته للمغرب والأقاليم الجنوبية، حيث أكد فيه أن المغرب لا زال يمارس التعذيب، بما في ذلك في الأقاليم الصحراوية. وخلال لقائه برؤساء الأحزاب السياسية بالرباط، كشف روس في إطار توضيحه للأسباب الكامنة وراء تضمن التقرير الأخير له أمورا لم ترض المغرب, أن هناك عددا من المتدخلين في قضية الصحراء، من بينها مندوبية حقوق الإنسان والمفوضية العليا للاجئين، والمينورسو، إضافة إلى أطراف أخرى، وهو ما يقود إلى التساؤل عما إذا كان التقرير المقبل سيتضمن إشارات سلبية تجاه المغرب، في ضوء ما تضمنه التقرير الأخير للمقرر الأممي حول التعذيب بشكل خاص، طالما أن مؤسسة كينيدي تبقى مؤسسة غير حكومية؟. أما الموقف الثاني فينطلق من كون الزيارة الأخيرة لروس قد تكون حملت معها مفاتيح الفهم الجيد لملف النزاع، بعد تجربة التحدي مع المغرب، إذ على الرغم من أن هذا الأخير خسر معركة الإطاحة بروس مقابل نجاح البوليساريو والجزائر في نفس التحدي مع سلفه الهولندي فان سوم, فإن المبعوث الأممي قد يكون صار أكثر استعدادا لإعادة النظر في طريقة التعامل مع هذا الملف الشائك، وأقل استعدادا من ثمة لتكرار الأزمة مع المغرب، إذ مهمة الديبلوماسية فتح قنوات لتصريف الأزمة لا افتعالها. ويستند هذا الموقف إلى ثلاثة معطيات. يتمثل الأول في اللقاء الذي عقده روس مع رؤساء الأحزاب السياسية، في سابقة من نوعها تتم بهذا الشكل، وأهمية هذا اللقاء تكمن في أن روس أخذ منه فكرة التحام كافة مكونات المشهد السياسي المغربي، بمختلف تلاوينها، حول قضية الصحراء والوحدة الترابية للمغرب، والتأييد المطلق لمبادرة الحكم الذاتي، التي قال روس نفسه إنه تلقى تجاوبا دوليا معها. أما المعطى الثاني فيتمثل في اللقاء الذي عقده روس مع عمر الحضرمي، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو في السبعينيات، الذي لا شك أنه قدم للمبعوث الأممي معطيات جديدة حول ملف النزاع من شأنها أن تشكل رؤيته الجديدة لمآلات الحل. وقد اعتبر روس في ختام لقائه مع الحضرمي أن هذا الأخير أعطاه «دروسا» حول الصحراء، وهي إشارة لما يمكن قد خرج به روس من استنتاجات ترتبط على الخصوص بالطبيعة المعقدة للملف. أما المعطى الثالث فيتمثل في الزيارة التي قام بها المبعوث الأممي لمدينة العيون، وهي الأولى من نوعها، ولقاءاته مع مختلف التيارات المتجاذبة حول النزاع. ومن شأن تلك اللقاءات أن تقدم لروس عناصر جديدة حول الموضوع بما يساعد على صياغة الحل السياسي، وإدماج الرؤية الأممية للحل والمبادرة المغربية للحكم الذاتي، بما يؤدي إلى «التسوية في إطار الاستقرار».