لا أحد يجادل بشأن مدى الاحراج الشديد الذي تعيشه الدبلوماسية المغربية، بعد تمسك الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكيةواسبانيا بالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء كريستوفر روس، وبعد تقريري مركز كنيدي حول حقوق الإنسان وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية، والموقف الأسباني المؤيد لتقرير المصير وفق ما عبر عنه وزير خارجية اسبانيا خلال انعقاد الدورة 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة. ويتزايد هذا الإحراج بإعلان الناطق الرسمي لمسؤول الأممالمتحدة السيد مارتين مسيركي أخيرا بمقر الأممالمتحدة أن السيد روس سيتوجه إلى شمال إفريقيا وأوروبا من 27 أكتوبر إلى 15 نوفمبر، وذلك ضدا على قرار المغرب بسحب ثقته من روس. وعلى وقع هذه الضغوط الدبلوماسية على المستوى الدولي، يرتفع الترويج لتوصية وردت في التقريرين الأخيرين حول الصحراء بضرورة ضمان وصول المراقبين والحقوقيين والإعلاميين إلى الصحراء بدون قيد أو شرط. وما يحمل ذلك من دلالة المس برمزية سيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية، وفي ذلك تتكاثف التقارير المروجة لتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. ذلك أنه لم يكن للورقة الحقوقية أن شكلت خطرا على رمزية سيادة المغرب على إقليم الصحراء كما يبرز اليوم، حتى أن البوليساريو والجزائر لم يعد يفصلها سوى القليل من الدعاية الإعلامية لاستصدار قرار أممي يقضي بتوسيع صلاحيات بعثة «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. وعليه فإن الدبلوماسية المغربية ستكون أمام امتحان جد عسير بعد أقل من ستة أشهر على التقرير الأممي حول الصحراء لأبريل من سنة 2013، بحيث قد يذهب مجلس الأمن الدولي في تقريره المقبل نحو استصدار توصية توسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء «المينورسو» لتشمل مراقبة الوضع الحقوقي. وفي قراءة لهذه التطورات يبدو المغرب في شبه مواجهة حقيقية مع الأممالمتحدة، وهو ما يمكن الخصوم من تأليب الرأي العام الدولي عليه؛ باعتباره يعاكس القرارات الدولية حول الصحراء، لاسيما بعد إعلان وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني بأن المغرب لم يتوصل بأي موعد رسمي لزيارة كريستوفر روس للمغرب. وعليه، فإن التطورات الجديدة حول قضية الصحراء بقوة الواقع قد سمحت بتشكل وضع دبلوماسي غير منسجم بين الموقف المغربي من روس ومواقف الأممالمتحدة المدعومة بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا، وهو ما يوفر لدبلوماسية البوليساريو والجزائر شُحَنًا سياسية تزيد من إحراج المغرب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تسارع الجزائر إلى اتهام المملكة المغربية بمعاكسة القرارات الدولية. والواقع أن كريستوفر روس يتحمل مسؤولية توقف المفاوضات، أو بالأحرى وصولها إلى النفق المسدود، حينما خرج عن مضمون القرارات الدولية الأخيرة مهمشا مقترح الحكم الذاتي خلال مسار المفاوضات لصالح ما يسمى ب«النهج المبتكرة». قد فرض على الدبلوماسية المغربية أن تعيد النظر في مسار المفاوضات حول الصحراء، ذلك أن رئيس الدبلوماسية المغربية السابق الطيب الفاسي الفهري أعرب للأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون عقب آخر لقاء جمعه به في نيويورك من أن مواقف الجزائر والبوليساريو متجمدة بشأن النزاع في الصحراء، وأن المملكة «تحتفظ بحقها في القيام بالتقييم الضروري عقب اللقاءات المقبلة، سواء كانت موضوعاتية أو تعلقت بالمسألة الخاصة بممثلي السكان، وأضاف «عند ذلك، سنرى متى يمكن عقد الجولة المقبلة من المفاوضات غير الرسمية، وسنصدر حكما نهائيا حول حصيلة هذا المسلسل برمته، بما في ذلك المسلسل الذي بوشر تحت إشراف المبعوث الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة بيتر فان فالسوم». وإن تكن الدبلوماسية المغربية قد قطعت الطريق على مشروع روس في تدبير ملف الصحراء، ولاسيما إخراج بعثة المينورسو عن وظيفتها المتفق عليها، إلا أنها عَرَّضت الموقف المغربي لكثير من الضغط أمام الأممالمتحدة لما سيحمله التقرير من مواقف ليست في صالح المغرب، بل وستزيد الكثير من الضغوط الحقوقية التي باتت جوهر المعارك الدبلوماسية مع البوليساريو والجزائر في النزاع حول الصحراء، ولا سيما أمام المنتديات الدولية. وتبقى المجهودات المغربية التي قام بها في ما يتعلق بالاصلاحات السياسية والدستورية غير كافية لمواجهة الضغط الحقوقي، ذلك أن انشاء المجلس الوطني لحقوق الانسان من طرف المغرب في سنة 2011 لم يكتب له أن يصدر عنه تقرير حول الوضعية الحقوقية في المغرب وفق ما كان المغرب يعلنه. وبحسب العديد من المراقبين فإن المجلس في وضع شبه مشلول للقيام بالمهام المنتظرة منه، ولاسيما متابعة ومواكبة الوضع الحقوقي في الأقاليم الجنوبية. وعلى العموم يبقى المغرب في وضع غير مريح، لاسيما بعد محاولة روس تهميش مقترح الحكم الذاتي خلال مسار المفاوضات لصالح ما يسمى ب»النهج المبتكرة»، وكذا بعد أن عاكست الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدةالأمريكية وإسبانيا لقرار المغرب بسحب الثقة من روس، وتعزز ذلك بإصدار تقارير وضعت صورة قاتمة عن حقوق الإنسان في الصحراء في تقرير مؤسسة كينيدي وتقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول مسألة حقوق الإنسان في الصحراء. ويعتبر التقرير الأخير لأبريل 2012 حول الصحراء أحد أسباب سحب المغرب لثقته من روس، حيث تضمن التقرير اتهاما للمغرب بالتجسس على بعثة المينورسو والتضييق علي تحركاتها في الصحراء. فكان أن شدد التقرير في توصياته على ضرورة الحصول على معلومات من مصادر موثوقة ومستقلة عن التطورات في الصحراء ومخيمات اللاجئين أمر حيوي للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، للنظر في أفضل السبل الكفيلة بالتشجيع على التوصل إلى تسوية، من خلال زيادة التقارير التي تقدمها البعثة وعبر قيام الدبلوماسيين والصحفيين وغيرهم بعدد أكبر من الزيارات إلى الصحراء الغربية ومخيمات اللاجئين». ٭ محلل سياسي مختص بقضايا الصحراء والشؤون المغاربية [email protected]