عبد الصمد الصالح بلغ عدد المغاربة الذين جرى نقل جثامينهم من فرنسا إلى أرض الوطن بعد وفاتهم في المهجر سنة 2011 أكثر من 2300 جثمان، من أجل الدفن في المقابر المغربية، نظرا لصعوبة الحصول على قبر يراعي الشروط الإسلامية في فرنسا. وذكرت وزارة الداخلية الفرنسية أن ما بين 75 و 80 بالمائة من المسلمين الفرنسيين ذوي الأصول المغاربية على الخصوص، يتم نقلهم إلى بلدانهم الأصلية بعد وفاتهم من أجل الدفن، وهي نسبة تعرف انخفاضا طفيفا، لكنه ثابت وفق ما ذكرت الوزارة. ويشكل المغاربة النسبة الأكبر من بين هؤلاء، إضافة إلى الجزائريين والتونسيين بنسب أقل. وتعزو السلطات الفرنسية السبب في إقدام المغاربة على نقل جثث موتاهم للدفن في المغرب إلى النقص في المدافن المقسمة حسب الطوائف وحظر حرق الجثث في الإسلام، كما أن ارتفاع تكلفة الدفن في المقابر الفرنسية، وارتباطها بمدة محددة يجعل المغاربة يفضلون خيار الدفن في البلد الأم. ويرى علي شعباني، الباحث في علم الاجتماع، أن خيار نقل جثمان المتوفى إلى بلده الأم هو الخيار الطبيعي لدى المغاربة، نظرا لارتباطه بعوامل دينية وأسرية، خصوصا وأن تقاليد الأسر المغربية تحبذ وجود قبور أفرادها بالقرب منها، من أجل استمرار الزيارات خصوصا في السنوات الأولى بعد الوفاة. وأضاف شعباني في تصريح ل «المساء» أن «المهاجر يعاني مرارة الغربة في حياته، نظرا لظروف معينة مرتبطة بالعمل أو غيره، وعائلته كذلك تعاني من الفراق، وحينما يحين الوداع النهائي بالوفاة يحب هؤلاء أن يحسوا بقربه منهم حتى وهو ميت». وأشار شعباني إلى وجود عوامل اقتصادية تساهم في هذا الخيار، حيث ترتفع كلفة الدفن في المقابر الفرنسية المخصصة للمسلمين إذا توفرت، كما أن الرغبة في إقامة مراسيم العزاء والجنازة وفق الأعراف والتقاليد المغربية تلعب دورا حاسما في ذلك، حيث يحضر جميع أفراد العائلة الكبيرة في المآتم، ويتم تلقي العزاء من الجيران والمعارف، وهو ما لا يتيسر القيام به في أرض المهجر، حسب المتحدث نفسه. ونفى الباحث في علم الاجتماع أن تكون الرغبة في الدفن داخل أرض الوطن دلالة على ضعف الاندماج في المجتمع الفرنسي، حيث لا توجد أي معطيات أو دراسات تثبت ذلك، ويبقى الأمر مجرد تكهنات. وأردف شعباني بأن «الحنين إلى الوطن الأم هو غريزة في الإنسان، لا سيما عند الدفن، وهو ما يلاحظ من طرف عدد كبير من المغاربة حتى داخل أرض الوطن، إذ يوصون بدفنهم في مسقط رأسهم، رغم أنهم قضوا جزءا كبيرا من حياتهم في مناطق أخرى». وحسب تقديرات وزارة الداخلية الفرنسية، فإن ما لا يقل عن مائتي مقبرة إسلامية أو أماكن مخصصة للمسلمين داخل المقابر تتوزع على التراب الفرنسي. وتعد مقبرة بوبينيي في ضاحية باريس أول مقبرة إسلامية، وقد أنشئت في الثلاثينيات من القرن العشرين باعتبارها ملكا خاصا. وفي فبراير الماضي افتتحت مقبرة أخرى للمسلمين في ستراسبورغ شرق فرنسا. وتحاكي القبور القديمة في الزوايا الإسلامية من المقابر الفرنسية القبور المغربية، وتعتمد على البساطة وتكاد تقتصر على لوحة تحمل اسم المتوفى وتاريخ ولادته ووفاته باللغة العربية، وتبلغ كلفة نقل جثمان المتوفى إلى المغرب ما بين 2500 و 3000 يورو، وتتحمل أسرة المهاجر تكاليف النقل في غالب الأحيان، بخلاف ما هو عليه الأمر في تونس التي تتكفل بدفع هذه التكاليف عندما يتعلق الأمر بمواطنيها.